أزمة حقيقية شهدتها لجان امتحانات نصف العام بالجامعات بسبب قرار حظر ارتداء النقاب فى الامتحانات ذلك القرار الذى تحايلت عليه المنتقبات فابتكرن طرقا غير مسبوقة فى تغطية الوجه وارتدين الكمامات الواقية من الأنفلونزا وعندما اكتشف القائمون على اللجان الحيلة منعوهن من ارتداء الكمامات فاستبدلنها ب «مناديل» على وجوههن لكن عندما واجهتهن مشكلة «تسطير» صفحات الإجابة وهى عملية تتطلب بطبيعة الحال استخدام كلتا اليدين حشرن طرفى المنديل فى الطرحة من الجانبين فى غفلة من المشرفين - غير الملتزمين حسب وصفهن - حتى ينتهين من تسطير الورق.. مشادات كلامية وانهيارات فى قلب اللجان وسحب أوراق الإجابة فى الدقائق الأولى وطرد من اللجان وامتناع عن دخول الامتحان.. فجأة تصورن أن لجان الامتحان ميادين قتال.. وصنفن المراقبين على أنهم كفار.. وتخيلن أن الوشاح الأسود يساوى إيمانهن بالدين الحنيف. كثير جدا من القصص التى شهدتها وسمعتها من الطالبات جديرة بأن تكتب، لكن فى ظل هذا المشهد الذى نسند إليك مهمة البحث له عن وصف تتوقف للحظات لتكتشف أن هؤلاء الفتيات الخاضعات لأفكار سلفية أقنعتهن أنهن عورة يجب أن تختبئ كشفن فى لحظة عن قوة غريبة.. علا صوتهن فجأة وهن المؤمنات بأن صوت المرأة عورة وتتعجب أكثر حين تتأمل الإرادة التى تفجرت فجأة داخل فتيات يجمع معظمهن على أنهن ينتظرن زوجا يحصلن على أكبر قدر من الحسنات بطاعته! من أمام الوشاح الأسود أجريت حواراتى مع هؤلاء الفتيات.. بحثت عن الأنثى داخل كل منهن فوجدتها تائهة أحيانا ومتألمة فى أحيان ومحكوم عليها بالخرس فى معظم الأحيان. مهمة إضافية فرضها «سفورى» فى حواراتى مع الطالبات المنتقبات فإلى جانب مهمتى الحوارية أصبح على إزالة أى آثار لحرجهن فى الحديث عن فرضية النقاب مع فتاة سافرة.. وفى بداية كل حوار كان يتخلل كلامهن عبارات مثل «مع احترامى ليكى يعنى» و«ماتزعليش من كلامى» و«ماعلش يعنى من غير زعل».. فأنا بالنسبة لهن اسمى «بنت بشعرها» أما المحجبة فهى حسب مسمياتهن «بنت بوشّها».. بالتالى يفترض أن يشكل انتقادهن للبنات «اللى بوشهن» حرجا كبيرا للبنت «اللى بشعرها».. لكن وبعد دقائق محدودة كانت تتوارى اعتذاراتهن ويسترسلن معى فى حوارات صريحة بدأت من تعاملهن مع مشرف الامتحان ووصلت حتى فتى الأحلام. * نجلاء.. اكتشفت المؤامرة الأستاذة الجامعية المشرفة على لجنة امتحان نجلاء فى الفرقة الرابعة بكلية دار العلوم حاولت إقناع المنتقبات بخلع النقاب قائلة لهن «هم يريدون أن يجعلوا المنتقبات جاهلات غير متعلمات لذلك اخلعن النقاب وأدين امتحانكن ولا تحققن لهم مرادهم!».. نجلاء اقتنعت بأن كلام الدكتورة موزون ومنطقى فخلعت النقاب فى الأيام الأولى بعد فشل حيلة كمامات الأنفلونزا. تتذكر نجلاء أنها عندما كانت طفلة لم تكن والدتها ترتدى الحجاب من الأساس حتى هداها الله وارتدته ثم انتقبت.. ارتداء النقاب شكل صراعا لنجلاء منذ أن كانت فى الصف الأول الإعدادى حيث إنها كانت الوحيدة غير المنتقبة فى نساء عائلتها.. والدتها.. أخواتها.. عماتها.. خالاتها وزوجات أعمامها وأخوالها كلهن منتقبات.. كثيرا ما حدثتها والدتها عن أن النقاب عفة إلا أنها كانت تحب «الخروجات» خاصة فى ثانوى بينما هى تعرف جيدا وكما علمتها والدتها أن المنتقبة عليها أن تلتزم المنزل معظم الوقت. بعد قصة حب مع ابن الجيران تزوجته، لكنها فاجأته فى أول يوم بعد ليلة الدخلة أنها قد ارتدت النقاب فلم يعترض وفى نفس الوقت لم يشجع لكنه اشترط أنها إذا ارتدته لن تخلعه فزوج نجلاء كما تقول «مش ملتزم قوى» لذلك لم يكن فرحهما إسلاميا. إنما هو ذهب واحتفل بالفرح مع أصدقائه بالطريقة التى يريدها وعندما اجتمعا «عملوا هيصة على الضيق» لأنها لم تكن تريد فرحا بهذا الشكل حيث إنها تستحرم الموسيقى منذ الصغر إلا أنها وفى نفس الوقت لم تكن تريد أن تكون عروسة منقبة فأجلت قرار النقاب إلى ما بعد الدخلة. نجلاء تقول عن نفسها أنها «عايقة جدا» أمام الناس المسموح لهم رؤيتها.. «أنا فى البيت حاجة تانية».. امتنعت عن الذهاب إلى السينما لأنها شبهة للمنتقبات إلا أنها تحب قراءة القصص العاطفية.. تنتظر شهادة التخرج حتى تعمل مدرسة رياضيات.. وعندما سألتها كيف ستعمل مدرسة بالنقاب؟ أجابت بثقة «سوف أعمل فى مدرسة ملتزمة وسيكون هدفى توصيل الرسالة لتلاميذى»! * فتى أحلامى شاب معاصر الاسم: يسرا الدراسة: 3 آداب درجة التدين: منتقبة فتى الأحلام: شخص لا متشدد قوى ولا سايب قوى ويكون ماشى مع العصر الهواية: الرقص على الدف بادرت الفتاة المتشحة بالسواد بسؤال تلقائى «ماذا تعنين بالتشدد الذى ترفضينه» فأجابت الفتاة وفى عينيها ونبرة صوتها نوع من البشاشة.. «لا أريد زوجا متشددا يمنعنى مثلا من مشاهدة أفلام الكارتون لأن بها موسيقى فى الخلفية.. أو يحبسنى فى المنزل طوال الوقت»!! كان الخوف من الموت هو الدافع الرئيسى لارتداء «يسرا» للنقاب الذى فرضته على نفسها منذ سبعة أشهر وأرادت من خلاله أن تتغير.. تقول.. «قبل النقاب كنت أحب سماع الأغانى.. كنت أعيش داخل الأغنية وأتمنى أن أعيشها وأن أصبح مثل من يغنيها لكننى علمت أن القرآن والأغانى لا يجتمعان أبدا.. فى بعض الأحيان أتعهد بأننى لن أسمع أغانى فأفاجأ بإحدى الأغانى التى أحبها أمامى «لكن عندما تعود يسرا إلى نشاطها اليومى فى حفظ القرآن تشعر أنها مكسوفة من نفسها». عندما رفعت يسرا النقاب عن وجهها مضطرة فى الأيام الأولى للامتحانات كان ينتابها شعور أنها عارية كما تقول مما أدى بها إلى تعثر فى الإجابة.. فكيف تستطيع التركيز ووجهها مكشوف على الجميع؟ سألتها عن التضحيات التى بذلتها من أجل النقاب فبادرت صديقتها نهى وأجابت فى كلمة واحدة «الحياة».. فشرحت يسرا إجابة صديقتها «قبل النقاب كنا نلعب مع أصدقائنا فى الجامعة لكن دلوقتى مش بنكلم حتى أى شباب واستكملت «نهى» «لكن نحن مرتاحين فالأشياء التى حرمنا منها ستزول فى يوم من الأيام». وعلى عكس تخوف أخيها.. ما أن انتقبت «نهى» حتى تقدم لها أكثر من عريس وأصبح الكل يحترم الفتاتين فتقول «يسرا»: «ولو كان حد قال علينا حاجة من قبل فبعد النقاب كرامتنا رجعت لنا».. وعن أحلامهما لمستقبلهما الذى سوف تقضيانه تحت النقاب قالت «يسرا» «لا نفكر فى العمل» وقالت نهى «أريد أن أربى أبنائى على غير ما تربيت عليه.. سأصادقهم وأستمع إليهم ولا أسفه من طلباتهم»!! * المنتقبات مقامات شعرت «فاتن» بتوتر رهيب أثناء الامتحان.. المشرفة غير الملتزمة أصرت على أن الكمامة حيلة غير مقبولة، أما المشرف الذى يبدو ملتزما فقال لهن «داروا وشكو الناحية التانية» والطالبات اللواتى يجلسن إلى جوار الطلاب نقل أماكنهن بعيدا عنهم.. كل هذه الأحداث ضيعت نصف ساعة من وقت الامتحان على «فاتن» التى كشفت وجهها أمام أغراب لأول مرة بعد خمس سنوات. «المنقبات مراتب ودرجات» هذا ما عرفته من حديثى مع «فاتن» التى جذبتنى بألوان نقابها البرتقالية والخضراء.. واستكملت حديثها «وكل منتقبة من مرتبة أعلى تحب أن تقدم النصح للمنتقبات من المراتب الأقل إلا أننى لأول مرة أشاهد المنتقبات متجمعات ويد واحدة كما شاهدتهن فى موقفهن ضد قرار منع النقاب»! فاتن ارتدت النقاب بعد قصة حب لم تكتمل عاشتها وهى فى الصف الثانى الثانوى وأخوها شجعها على ارتدائه رغم أن والديها حسب وصفها غير ملتزمين. عن نقابها الملون تقول «أنا بنوتة وأحب الألوان جدا» لكنها فى نفس الوقت تؤمن أن المرأة كلها عورة.. حتى ظفرها عورة.. ذاقت طعم الحب، تقول أنه شىء جميل جدا لكنها قاطعته تماما ومتعة الحياة الزوجية فى طاعة الزوج.. قررت «فاتن» أن تضحى بمرتبة عالية من مراتب المنتقبات وذلك لتلبيتها رغبة أبيها الملحة الذى يريدها «أن تكون حاجة» بالتالى قد تفكر فى العمل بالرغم من أن المنتقبة من المفضل أن تمكث فى البيت لتتفرغ لخدمة زوجها وأبنائها. على غير عادة المنتقبات «صديقات» فاتن من خارج وسط الأخوات.. وما يؤرقها دائما هو انتقادهن لزيها.. وصديقتها المقربة تدعوها طوال الوقت لخلعه معتبرة إياها نوعا من أنواع الفساد الذى يجب بتره إلا أن «فاتن» تؤكد «أنا أعرف أن لما ربنا يحب ينعم على فتاة يجعلها تنتقب.. وعندما أجبرونى على خلع النقاب فى اللجنة أنا أجهشت فى البكاء فالنقاب جزء من كيانى»! * خديجة.. كلنا نشتهى الحب تحاول خديجة طالبة «دار العلوم» إقناع والدتها بارتداء النقاب إلا أنها لا تضغط عليها لأن والدتها تعمل فى بنك «وللأسف فى بلدنا العجيبة لازم الابتسامة البشوشة فى وجه العملاء» هكذا تقول خديجة آسفة. فى الامتحانات خديجة غيرت شكل النقاب الذى ترتديه فلم تأت بالنقاب السعودى لأن رفعه من على الوجه سيبدو جذابا مغريا فجلبت معها «النقاب أبو أستك» لتكون إزالته أخف وطأة وجاذبية.. لكنها لا تزال تصر على أن التضحية الوحيدة التى تضحى بها من أجل ارتداء النقاب هى «أنها لا تستطيع أن تأكل آيس كريم فى الشارع». خديجة تعيش قصة حب وعكس كل المنتقبات اللواتى تحدثت إليهن تعتبر الحب عاطفة إنسانية مشروعة وتقول «بالحب قد عرفت نفسى».. وتضيف «كلنا نشتهى ذلك».. سألتها عن الورود المرصعة على عباءتها فأجابت مدافعة عن نفسها وكأننى أوجه إليها اتهاما «لم أتعمد وجود هذه الورود على الإطلاق».. وفى البيت خديجة جربت أكثر من مرة وضع بعض من مساحيق التجميل أمام المرآة فقط لترى كيف تبدو عليها وفى مرات تعلق فى شعرها «توكة»، لكنها بصفة عامة وكما تقول لا يهمها مظهرها بشكل كبير. * هند.. للأنوثة وجه آخر كنت دائما ما أتساءل كيف تستطيع هؤلاء الفتيات المنتقبات تجريد أنفسهن من الأنوثة والرغبة فى الامتداح وأتساءل كيف يغامرن باحتمالية عدم الزواج؟ ومن خلال حوارى مع هند أحمد طالبة فى السنة الثالثة بكلية دار العلوم عرفت الإجابة.. حكت لى هند عندما كانت مجموعة من الشباب تعاكس فتاتين فى الشارع لكن عندما عبرت هند من امامهم قال أحدهم «وسع البرنس وصل» واستطردت «هند» فى الكلام بنبرة فرح يشوبها فخر «وسمعت أحدهم يقول لزميله.. هى دى يا عم البنات.. البنت لازم تلبس النقاب».. بالتالى فإن هند تحوز بأنوثتها على إعجاب الشباب أيضا وتسر به ومن خلال عدة حوارات أخرى ربما لا تسمح المساحة هنا بسردها كلها تكرر المعنى بشكل أو بآخر.. أما عن الزواج فقالت لى «هند» أنها مخطوبة للمرة الثانية.. المنتقبة يتقدم لها عرسان كثيرون.. سألتها «هل أنت مخطوبة عن حب» فأجابت على الفور بنبرة حادة «لأ طبعا» هند تستخير الله فى اختيار زوجها فالخروجات حرام وكذلك الحديث فى التليفون وإذا اكتشفت سوء شخصيته بعد الزواج فهذا ابتلاء من الله عليها تقبله والرضا به. * نماذج أخرى نماذج كثيرة من الفتيات المنتقبات جديرة بأن تروى.. أميرة سعيد وشيماء رشاد رفضتا دخول امتحانين حتى سمحت لهما كلية دار العلوم أخيرا بارتداء النقاب فى اللجنة.. وقدمتا التماسا لعميد الكلية لإعادة الامتحان.. الفتاتان متزوجتان ولديهما أطفال.. أميرة تقول أنها منتقبة بالفطرة فمنذ طفولتها وهى تفضل السير فى الشارع «على جنب» وشيماء تؤكد «تزوجت بدون حب ولا خطوبة.. رؤية شرعية وصلاة استخارة وتوكلت على الله وإذا انخدعت فى زوجى فلى أجر كبير عند الله» أما «أمانى محمود» فخلعت النقاب حتى لا يوترها أحد، وتقول أنها لم تفكر فى قصة فتى الأحلام من قبل لكنها تحلم أن تصبح صحفية.. سألتها «لو تمكنت من تحديد موعد مع وزير مهم هل ستقابلينه فى مكتبه؟» فأجابت «لا سألغى الموعد إذا كان فى مكتبه». وقالت لى «شيماء» طالبة بالسنة الأخيرة بكلية التجارة «أرتدى النقاب منذ أن تزوجت واعتدت على ألا يرانى أحد وفى البيت أرتدى ما يروق لى» شيماء تكتب الشعر.. وتؤكد «الشعر حلال للمنتقبة» وتستكمل «أكتب عن لحظة شوق، عن مشاعر الحب.. كتبت كثيرا أثناء الخطوبة».