كالعادة يواجه قانون الأحوال الشخصية للأقباط كثيرا من الصعوبات التى تقرها الكنيسة، والتى أدت فى نهاية المطاف إلى عشرات الآلاف من القضايا العالقة فى المحاكم وتشريد آلاف أخرى من الأسر المسيحية. القانون دخل فى طريق مسدود، فعلى الرغم من أن المعلن فى هذا الشأن هو أن الكنائس الثلاث فى مصر وهى القبطية والكاثوليكية والإنجيلية لم تصل بعد إلى صيغة متفق عليها كقانون موحد للمسيحيين فى مصر، وهو ما تطالب به الدولة الكنائس، إلا أن الحقيقة أن هناك صراعاً محتدماً بين صقور الكنيسة القبطية وحمائمها من جهة وبين هؤلاء الصقور والكنائس الأخرى من جهة أخرى. يرجع السبب فى ذلك إلى أن صقور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يرفضون مبدأ الزواج ويرون أن الأصل فى الزواج هو المنع وليس الإباحة بحسب تعاليم السيد المسيح والقديس بولس الرسول، ويستند صقور الكنيسة إلى تأويل بعض نصوص الكتاب المقدس (حسب أهوائهم) لإثبات وجهة نظرهم. الأمر الأكثر خطورة هنا أن صقور الكنيسة طالبوا بعض المستشارين القانونيين بصياغة قانون للأحوال الشخصية يضيق الخناق على الحق فى الزواج، وهو ما رفضه القانونيون لأن الزواج وتكوين الأسرة حق دستورى، ولا يمكن أن تنتهكه القوانين ليبقى الصراع قائماً بين إباحة أو منع الزواج فى تصعيد جديد من جهة الكنيسة القبطية يعصف بكل محاولات إيجاد الحلول لملف الأحوال الشخصية للأقباط. ويذهب المنادون بمنع الزواج فى الكنيسة القبطية إلى الزعم بأن المسيح وهو القدوة والمثال لكل مسيحى، لم يكن متزوجاً. والمسيح هو النموذج الروحى الذى يحتذى به، ومن ثم يكون الزواج وممارسة إشباع الرغبات الجنسية ضد الكمال الروحى الذى يمارسه الإنسان المسيحى على الأرض. ويذهب المنادون بذلك إلى أن المسيح قد حرم الزواج بنص إنجيلى واضح لا يقبل اللبس، فعندما شرح المسيح الزواج والطلاق وعلاقة الرجل والمرأة استصعب التلاميذ أقوال المسيح وقالوا له (إِنْ كَانَ هكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!.. متى 19 : 10) فأجاب يسوع وقال لهم (لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، لأَنَّهُ َيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَل)، ويفسر صقور الكنيسة النص بأن الإخصاء المقصود هنا هو الامتناع عن ممارسة الجنس، مؤكدين أن من يقبل المسيح هو من يقبل كلامه، وأما الذين لا يقبلون فهم فى الأصل لا يقبلون المسيح، ويؤكدون وجهة نظرهم بما جاء برسالة القديس بولس الرسول إلى أهل كورنثوس بعدة نصوص مقتطعة من سياقها مثل (حَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً) و(أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا)، والأمر لم يتوقف على ذلك بل إنهم يرون أن المتزوجة لا تهتم إلا بشهواتها وإرضاء شهوات زوجها بعكس العذراء التى تهتم أن ترضى الله وهو ما جاء فى نفس الرسالة للقديس بولس الرسول (إِنَّ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَذْرَاءِ فَرْقًا: غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ تَهْتَمُّ فِى مَا لِلرَّبِّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَدًا وَرُوحًا. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِى مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِى رَجُلَهَا) وهكذا يغلق صقور الكنيسة أبواب الزواج أمام الجميع، فبعد أن كان أصحاب ملف الأحوال الشخصية يطالبون بإباحة الزواج الثانى لهم بعد الطلاق أصبح الذين لم يسبق لهم الزواج فى مأزق. ويرى المنادون بالتضييق على الزواج بأنه يمكن إباحة الزواج فى أضيق الحدود وخاصة للمقبلين على الكهنوت, حيث تحتم قوانين الكنيسة أن يكون الكاهن من بين المتزوجين، فالزواج هنا ليس الغرض منه تكوين الأسرة بقدر ما هو رخصة عبور إلى الكهنوت، كما أنه يمكن إباحة الزواج لمن يتحرقون جنسياً بعد مرورهم بعدة اختبارات تثبت قدراتهم الجنسية الخارقة التى لا يقدرون على التحكم فيها وهو ما أكده بولس الرسول بالقول (التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ) ويبررون هذا بأن معظم مشكلات الأحوال الشخصية تكون ناتجة عن العجز الجنسى عند الرجال والبرود عند السيدات ومنع هؤلاء من الزواج هو أمر أفضل بالنسبة لهم لأن الزواج يحملهم ما لا طاقة لهم به. على الجانب الآخر هناك من يستنكرون التضييق على الزواج مثل القمص بولا سعد، فيقول: ما قصده السيد المسيح فى النصوص المشار إليها لم يكن الغرض منه المنع ولكن كان الغرض منه الارتقاء وتأسيس الرهبنة فى المسيحية، فالزواج لا ينتقص من روحانيات الإنسان بل على العكس هناك أناس متزوجون قديسون، فالرهبنة سبيل للروحانية ولكن هذا لا يعنى أن الزواج دنس، فنحن نؤمن أن العلاقة الزوجية طاهرة فى كل مراحلها وممارستها وهو ما يؤكده القديس بولس الرسول بالقول (لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ) فلا شيء ينجس الإنسان غير الخطية وحدها وهو ما أكده السيد المسيح (لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنيً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. هذِهِ هِيَ الَّتِى تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ) والأصل فى الزواج هو الإباحة بل مقصد من مقاصد الله فى خليقته ووصية واجبة التنفيذ فعندما خلق الله آدم وحواء أوصاهم قائلاً (أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ) فالسيد المسيح عندما جاء أراد أن يرتقى بالروحانيات، ولا تفهم أقواله على أنها منع للزواج ولكنها وصايا لأصحاب القامات الروحية المرتفعة وليس للجميع. ويتفق القس الإنجيلى رفعت فكرى فى إباحة الزواج ولكنه يفسر النصوص الإنجيلية من منطلق آخر بالقول إن السيد المسيح كان يتحدث عن الطلاق وأسبابه وعندما رأى تلاميذه أن الأمر فيه شيء من الصعوبة والأفضل ألا يتزوج الرجل، فلم يجبرهم على ذلك ولكن ترك لهم الأمر كل حسب رغبته، فمن يريد أن يتزوج فلا لوم عليه، ومن أراد أن يبقى دون زواج فلا فضل له والجميع مقدسون فى المسيح وهو ما يؤكده بولس الرسول بالقول (مَنْ زَوَّجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ) فالاختيار هنا يكون بين الحسن والأحسن وليس بين الإباحة والمنع، وأقوال القديس بولس الرسول ليست كلها أوامر إلهية فالبعض منها كان يأتى بوحى من الله والبعض الآخر كان يؤكد الرسول أنه رأيه الشخصى الذى يؤخذ للاسترشاد وليس كوصية إلهية وما جاء بشأن ألا يمس الرجل امرأة هو رأى شخصى للقديس لأنه كان بتولاً غير متزوج ويرى أن هذا النهج هو الأفضل للحياة ولكنه لم يحرم الزواج.