عمال مصر .. وطنية ومهنية    الصاوي يستقبل الفريق الزائر لضمان الجودة والاعتماد بكلية اُصول الدين والدعوة بالمنوفية    عبدالسند يمامة: الوفد يدعم القضية الفلسطينية ويرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح    برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع    تعرف على مواعيد امتحانات المرحلة الإعدادية في مدارس الأقصر    بارقة أمل    بشرى سارة.. وزير الاتصالات يعلن توفير 65 ألف وظيفة للشباب    جولة داخل قلعة الفسيخ بنبروه في الدقهلية و100 سنة على سر الصنعة (فيديو)    وزير السياحة السعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة على البحر الأحمر    الإمارات ترسل 400 طن مساعدات غذائية إلى غزة    مذابح إسرائيل.. والعداء للسامية!!    البيت الأبيض: الرصيف العائم قبالة غزة سيكون جاهزا خلال أسابيع قليلة    الأونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين بغزة على لتر من الماء يوميًا    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    تعادل روما ونابولي 22 في الدوري الإيطالي    الزمالك يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية بثلاثية في دريمز الغاني    في حاجة غلط.. تعليق مفيدة شيحة على أزمة محمد صلاح وكلوب    "صفقة تبادلية مع برشلونة".. تقارير تكشف موقف بايرن ميونخ من رحيل نجم الفريق    11 ميدالية ببطولة العالم للجامعات.. وزير الرياضة يهنئ الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ    بالأسماء.. إصابة 11 راكبًا في حادث تصادم سيارتين ببني سويف    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    انطلاق «الغردقة لسينما الشباب» سبتمبر المقبل    ثقافة الإسكندرية تقدم التجربة النوعية "كاسبر" على مسرح الأنفوشي    جذابة.. إطلالة ساحرة ل ياسمين عبد العزيز في صاحبة السعادة- وهذا سعرها    هل هناك أمور تمنع الإرث ؟ .. أمين الفتوى يُوضح    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    هيئة الدواء تحذر من إهمال مواعيد جرعات التطعيم للأطفال    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    لحيازتهما كمية من الهيروين.. التحقيق مع تاجري الكيف في الشروق    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استدراج الضابطة الإسرائيلية لمقابلة رئيس مصر فى واشنطن

اطلع الرئيس السادات على تقرير سرى لوزير الخارجية الأمريكى «كيسنجر» يوصى فيه CIA باستمالة «الجمسى» أو الإطاحة به تحقيقاً للمصلحة العليا لواشنطن وتل أبيب فى المفاوضات المصرية - الإسرائيلية، بعدما وقف الجمسى عقبة كأداء فى أكثر من موقف أمام تمرير خطط كيسنجر وألاعيبه فى المفاوضات.

وقد فجر الجمسى قنبلة من العيار الثقيل عندما كشف للسادات عن خطة كيسنجر، التى كادت أن تتورط بها مصر، عندما اكتشف ثغرة بمسودة بنود الاتفاق المصرى - الإسرائيلى عبارة عن جملة شديدة الخطورة بالمعنى العسكرى والسياسى والاستراتيجى. وأكد له أن إسرائيل تعمدت فى المسودة التى كاد أن ينجح بتمريرها كيسنجر تثبيت جملة تفاوضية قصد من ورائها انتزاع اعتراف مصرى سيادى صريح بأحقية إسرائيل فى أرض سيناء.

فى هذه الحلقة، نتابع الخطة التى أعدها الرئيس السادات ومدير مخابراته كمال حسن على لاستدراج عميلة الموساد إلى واشنطن أثناء زيارته للبيت الأبيض وذلك بتعاون مباشر من الصحفى الأمريكى العالمى والتر كرونكيت والتى أسفرت عن الحصول على المذكرات الخاصة للجاسوسة الإسرائيلية وما حوته من معلومات استخبارية غاية فى الأهمية.

استقبل الرئيس الأمريكى «جيرالد فورد» الرئيس «محمد أنور السادات» فى البيت الأبيض بتاريخ 26 أكتوبر 1975 بحفاوة سياسية ومراسم رسمية غير مسبوقة لرئيس عربى فى أول زيارة رسمية له كرئيس لجمهورية مصر العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وقبلها كلف الرئيس السادات صديقه الصحفى «والتر ليلاند كرونكيت» مقدم شبكة أخبار CBS الشهيرة بدعوة «تامار جولان» صحفية الشئون الإفريقية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن على نفقته الخاصة لحضور حفل استقبال السادات والوفد المرافق له.

ومنعاً لحدوث خطأ تقنى من شأنه تهديد العملية المصرية المضادة لخطة جهاز الموساد بشأن الفريق أول «محمد عبدالغنى الجمسى» اتفق الرئيس السادات مع والتر كرونكيت على استدراج تامار جولان بطريقة غير مباشرة وبأسلوب لا يثير شكوكها لأنها مدربة.

حيث وجه الصحفى الأمريكى البارز المعتاد التعاون معه لانتهاز فرصة انعقاد مؤتمر بالعاصمة الفرنسية باريس للمطالبة بقانون لحرية تداول المعلومات بفرنسا لكى يسافر كرونكيت كشخصية إعلامية دولية لدعم المؤتمر ومساندته.

لتنفيذ الخطة حصل والتر كرونكيت من الرئيس السادات على وعد أنه سيجد بانتظاره فى باريس ترتيبات مصرية سرية للغاية لإرشاده عن وسيلة الوصول إلى الصحفية الإسرائيلية تامار جولان بشكل طبيعى أثناء انعقاد فعاليات المؤتمر.

اللافت أن التاريخ أثبت أن تكليف الرئيس السادات للصحفى كرونكيت فى شهر يونيو 1975 بالسفر إلى باريس لحضور المؤتمر كان السبب المباشر لتكريم كرونكيت بعدها فى 17 يوليو ,1978 عندما صدر قانون حرية تداول المعلومات الفرنسى.

المهم وصل كرونكيت إلى باريس على حساب الرئيس السادات، حيث قابل يومها بتدبير وترتيب مصريين خالصين الصحفية تامار جولان مع صحفيين فرنسيين آخرين استقبلوه بحفاوة بالغة على هامش المؤتمر.

مثلما خطط وتوقع الرئيس السادات لم يبذل الصحفى الأمريكى جهداً وسارت الخطة طبقاً للمرسوم لها بطبيعية، حيث تقدمت تامار جولان من تلقاء نفسها محاولة التعرف على كرونكيت كشخصية أمريكية إعلامية دولية معروفة.

بينما استقبلها كرونكيت بترحاب انتهى بدعوته لها لحفل عشاء للتعارف فى فندق «هيلتون باريس»، وحينها تصادف أن أعد رجل الأعمال الأمريكى الكبير «كونراد هيلتون» - توفى فى 3 يناير 1979- مالك سلسلة فنادق هيلتون العالمية- تأسست فى 1919 - استقبالاً خاصاً للإعلامى الشهير وضيفته الصحفية الإسرائيلية، الأمر الذى أبهر تامار وجعلها تنساق وراء كرونكيت وتتعلق بصداقته المهمة.

وطبقاً للوقائع الأصلية، سمع كونراد هيلتون مؤسس السلسلة الفندقية العالمية المعروفة عن حجز كرونكيت لدى فرع هيلتون باريس فحضر خصيصاً من جنيف بسويسرا دون سابق اتفاق لاستقبال ودعم الصحفى الأمريكى فى فعاليات مؤتمر المطالبة بقانون فرنسى خاص لحرية تداول المعلومات.
والسبب أن هيلتون خسر قبلها بأسابيع قليلة بالعاصمة اللبنانية بيروت فى 14 أبريل 1975 أحد أهم أفرعه الرئيسية بمنطقة الشرق الأوسط بسبب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التى نشبت فى 13 أبريل 1975 واستمرت حتى 13 أكتوبر .1990

وقد تعرض الفرع فى بيروت يوم افتتاحه بتاريخ 14 أبريل 1975 لتفجير أدى لأضرار جسيمة حالت دون تشغيله، وبعدها نهبت محتوياته بالكامل وعبثاً حاول مالكه كونراد هيلتون التوصل لأسباب استهداف فندقه وقائمة أسماء منفذى عملية التفجير.

وعندما طالب هيلتون السلطات الفرنسية مده بالمعلومات الاستخباراتية التى بحوزتها قوبل طلبه الرسمى بالرفض وتعللت الأجهزة الفرنسية وقتها بدواعى الحفاظ على سرية المعلومات والمصالح السياسية لباريس مع أن موقع تفجير الفندق كان فى بيروت.

∎ عملية الاستدراج

المهم طبقاً لخطة الرئيس السادات ألقى والتر كرونكيت إلى تامار جولان أثناء الأمسية التى أعدها على شرفها بهيلتون باريس متعمداً معلومة زيارة السادات لواشنطن على رأس قائمة سياسية ودبلوماسية رفيعة شملت اسم وزير خارجيته إسماعيل فهمى مع وزير دفاعه القوى الفريق أول محمد عبدالغنى الجمسى.

وفى إطار عملية الاستدراج كشف لها كرونكيت وكأنه سر خاص لها أنه سينقل بنفسه على الهواء مباشرة للعالم مراسم الاستقبال الرسمى بالبيت الأبيض وسيقابل السادات شخصياً فى حوار خاص عقب المراسم.

بلعت تامار جولان الطعم وأخبرت صديقها الجديد والتر كرونكيت أنها تمنت الوصول لنصف شهرته ونفوذه الإعلامى بالعالم، ففاجأها أن عرض عليها على الفور استضافتها على نفقته الخاصة لتحقيق حلمها فى حضور المراسم وتمضية أسبوع كامل بالعاصمة الأمريكية واشنطن يبدأ من 26 أكتوبر .1975

تلقفت تامار جولان ضابطة عمليات الاستخبارات الإسرائيلية العاملة فى باريس تحت هوية صحفية للشئون الإفريقية عرض كرونكيت السخى، خاصة أنه من دون مقابل ويشمل السفر والإقامة والعودة على درجة رجال الأعمال وكانت يومها فى إجازة عمل من الموساد.

وصلت تامار واشنطن فى الموعد المحدد قادمة من العاصمة الفرنسية باريس، حيث نزلت ضيفة على منزل كرونكيت الذى وعدها بقائمة زيارات يصحبها فيها لمشاهدة أشهر استوديوهات الإعلام الأمريكى.

وقد بات أمر استدراجها لمقابلة الرئيس السادات فى واشنطن وجهاً لوجه مسألة وقت فى خضم سعادتها وتأثرها من سخاء وود استضافة كرونكيت لها مثلما خطط الرئيس وطبقاً لمراحل الخطة المصرية.

المثير أن الرئيس السادات عندما تلقى دعوة الرئيس جيرالد فورد الرسمية فى 20 يونيو 1975 كان الفيلم الأمريكى الشهير «الفك المفترس» قد انطلق عرضه بالولايات المتحدة، فطلب السادات المعروف بعشقه لفن السينما أن يضيف البيت الأبيض على جدول أعماله حضوره لعرض خاص للفيلم دُعى إليه عدد من الشخصيات الأمريكية العامة.

كما حرص الرئيس السادات عندما وصل العاصمة الأمريكية واشنطن على دعوة لفيف من مشاهير الصحافة والإعلام الأمريكى والأجنبى لمرافقته إلى عرض فيلم «الفك المفترس» كان بينهم الصحفى الأمريكى والتر كرونكيت الذى حضر بصحبة صديقته تامار جولان طبقاً للخطة المصرية المدروسة.

فوجئت ضابطة الموساد العاملة تحت هوية صحفية للشئون الإفريقية بعدما أطفأت قاعة العرض أنوارها بنوعية الفيلم المرعبة عن سمكة قرش مفترسة تقتل وتأكل الناس، ولأنها عانت من خوف مرضى لرهاب البحر أصيبت تامار جولان بنوبة توتر وعانت مشاكل بالتنفس طيلة العرض لدرجة أن مرافقها كرونكيت عرض عليها استدعاء طبيب لكنها فضلت عدم إثارة المشاكل له وقت العرض واضطرت لاستكمال الفيلم.

عقب نهاية أحداث الفيلم بقاعة العرض الخاصة لشركة «يونيفرسال» الأمريكية- تأسست فى 30 أبريل 1912- للإنتاج السنيمائى التى وفرت نسخة أصلية للوفد المصرى الرفيع عمد الرئيس السادات على مصافحة كبار الإعلاميين الأمريكيين وبينهم والتر كرونكيت ومن خلفه تامار جولان.

وكما خطط عندما لمح الرئيس السادات تامار جولان أمامه مباشرة بين الحضور سأل كرونكيت الذى وقفت خلفه بصحبته لأنه يعرفه شخصياً وقابله عدة مرات فى أحاديث صحفية متعددة قائلاً وهو يشير عليها:

«هل السيدة الجميلة زوجتك الجديدة يا والتر؟»

فسارع والتر كرونكيت بهز رأسه بالنفى ثم جذب تامار جولان برقة من يدها وقدمها إلى الرئيس السادات كصديقة حميمة من فرنسا رتب لها تصريحاً خاصاً لحضور الفيلم بعدما سمع منها بأمسية باريسية رقيقة عن أمنيتها رؤية الرئيس السادات عن قرب.

عندها ابتسم الرئيس السادات نصف ابتسامة وأمسك بيد تامار جولان ليصافحها وعندما شعر بتوترها ورعشة يديها سألها عن سر حالتها؟ وهل الفيلم أثر بها إلى تلك الدرجة؟

فاعترفت للرئيس السادات أن لديها أعراض مرض رهاب البحار فضحك السادات ثم غادر قاعة العرض الخاصة بعدما واجه بنفسه عميلة جهاز الموساد وجهاً لوجه بالعاصمة الأمريكية واشنطن.

أتم الرئيس السادات زيارته الرسمية الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقبيل موعد مغادرته عائداً لمصر سجل ملف تامار جولان عميلة جهاز الموساد يوم الخميس الموافق 6 نوفمبر 1975 واقعة شديدة الأهمية أثرت بمسيرة العملية بعدها.

عندما تسلم اللواء فوزى عبدالحافظ سكرتير الرئيس السادات وكاتم أسراره طرداً سميكاً بداخل مظروف كبير من وزير الخارجية المصرى إسماعيل فهمى المرافق للسادات وقد عاد وقتها لتوه من مهمة كلفه بها الرئيس فى مقر وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن.

وعندما سأل اللواء فوزى عبدالحافظ فى إطار اختصاصاته الوظيفية وزير الخارجية المصرية إسماعيل فهمى عن محتوى الطرد؟ وظروف تسلمه إياه؟ وشخصية مرسله؟

همس إسماعيل فهمى الدبلوماسى المصرى الرفيع وأبلغ سكرتير الرئيس أن مرسل الطرد هو الصحفى الأمريكى والتر كرونكيت الذى قابله منذ ثلاث دقائق بطريق عودته أمام مقر إقامة الرئيس السادات وطلب نقل الطرد إلى الرئيس بشكل خاص وعاجل، وأن محتوى الظرف مجرد كتاب أمريكى صدر حديثاً فى واشنطن.

وطبقاً لحديث فهمى مع عبدالحافظ هو مجرد كتاب من بين تلك الكتب العديدة التى اعتاد كرونكيت إرسالها لمقر إقامة الرئيس السادات بمصر من آن لآخر كهدايا صداقة خاصة منه للرئيس عبر البريد الدبلوماسى للسفارة المصرية بواشنطن، حيث اعتاد الصحفى الأمريكى البارز على ذلك التصرف الودى، بل إن الرئيس السادات وجه السفارة المصرية بواشنطن بخطاب رسمى ومكاتب الرئاسة المصرية بالقاهرة من قبل لاستقبال طرود كرونكيت وتوصيلها إليه أينما كان كلما وردت منه.

وتأكيداً على ما توقعه إسماعيل فهمى فتح اللواء فوزى عبدالحافظ الطرد بحضوره ووجد به علبة صغيرة تشبه علب أغلفة الكتب ذات الطباعة الفاخرة أرفق معها كرونكيت كارت التعارف الشخصى الخاص به مع خطاب حرره بخط يده كإهداء للرئيس السادات مع تمنياته القلبية له بقراءة هادئة للكتاب الهدية.

الغريب أن اللواء فوزى عبدالحافظ لم يقم تلك المرة كعادته بفض علبة الكتاب الهدية مثلما تحتم عليه مهام وظيفته للتعامل مع الطرود الغريبة بل حمل المظروف المغلق كما هو مع كارت الإهداء مباشرة إلى الرئيس السادات.


وكان السر وراء تصرفه هذا تعليمات من الرئيس نفسه بشأن كل ما يرسله والتر كرونكيت وبالقطع أدرك فوزى المعنى والمقصد وراء ذلك فى حينه لكنه كاتم أسرار الرئيس بالنهاية.

دخل فوزى عبدالحافظ على الرئيس السادات المعروف اعتماده على نفسه فى غرفته فوجده يستعد للرحيل فوضع ما حمله جانباً وعرض المساعدة وهو بمثابة الذراع اليمنى للرئيس فسأله السادات عما دخل به فحكى عبدالحافظ على الفور رواية الطرد وكيف وصله. ففوجئ بالرئيس السادات يترك كل ما بيده وكان وقتها يقف بحمام غرفته يحلق ذقنه وسأل عبدالحافظ عن موعد تسلمه الطرد فأكد له سكرتيره الشخصى أنه وصل منذ دقائق لا تتعدى العشرة.

فجلس الرئيس السادات على منضدة داخل غرفته ونصف ذقنه لم تحلق بعد وفض ظرف الطرد ليجد بداخله مفاجأة غير عادية لم تكن بالحسبان وهى مفكرة يوميات سميكة حررت بالكامل باللغة العبرية بخط نسائى منمنم وكان من الصعب على الرئيس أو فوزى فهم ما بها.

أمر الرئيس السادات اللواء فوزى عبدالحافظ أن يحضر له على الفور بأى وسيلة كانت أى عنصر من جهاز الاستخبارات المصرى بالوفد المرافق ملم باللغة العبرية وشدد على اللواء عبدالحافظ بقوله:

«الله يخرب بيته كرونكيت تقريباً عمل مصيبة يا فوزى طيران جيب حالاً أى حد مننا بيعرف زفت لغة عبرية أنا متأكد إن دا بتاع البت إياها اللى نزلها فى بيته مصيبة بجد».

ما إن تلقى اللواء فوزى عبدالحافظ تعليمات الرئيس السادات حتى هرع مهرولاً للخارج بدون تفكير وراح يسأل كل أفراد طاقم الحراسة المصرية الشخصية للرئيس عن الشخص المطلوب فأشار الحراس لاسم بعينه جرى فوزى إلى موقعه.

فوجئ الضابط المصرى بحضور اللواء فوزى عبدالحافظ وتعابير وجهه يبدو عليها التوتر فاعتقد أن مكروهاً حدث للرئيس لكن فوزى طمأنه وطلب منه التحرك معه فوراً إلى غرفة الرئيس وشرع الاثنان وقتها تقريباً فى الجرى الفعلى.

طرق عبدالحافظ باب غرفة الرئيس السادات ثم دخلها ليجد الرئيس أتم حلاقه ذقنه وارتدى ملابسه وساعتها طلب السادات من الضابط المصرى الملم باللغة العبرية ترجمة المكتوب على المفكرة السميكة.

فأكد الضابط أنها مفكرة يوميات خاصة بسيدة تدعى تامار جولان، لكنها مكتوبة بلغة عبرية غريبة عليه، وكأن صاحبتها أرادت إخفاء ما تسجله فحررتها بشفرة لعبت خلالها بالكلمات والحروف المعروفة حتى إن فقدتها لا يمكن فك طلاسمها، وعندما طلب منه الرئيس التركيز مرة أخرى ربما فهم عاد وأكد عدم تمكنه من فك معانى الكلمات.

اشتد توتر الرئيس السادات وتأكدت شكوكه فالصحفى الأمريكى كرونكيت دفعه الحماس الزائد وولاؤه الخاص للقضية المصرية ولمصلحته بالتأكيد كإعلامى يحصل على أخبار السادات قبل غيره لسرقة يوميات ضيفته عميلة جهاز الموساد الإسرائيلى.

اعتاد الرئيس السادات على إدارة أزمات الأمة وقت الصعاب ولم يكن عسيراً عليه إدارة تلك المشكلة فقد وجه اللواء فوزى عبدالحافظ على الفور لضرورة الاتصال إلى مكتب الصحفى الأمريكى صاحب الطرد خاصة أن كرونكيت ألمح بحديثه مع إسماعيل فهمى لتواجده بمكتبه.

كما كلف الرئيس السادات كاتم أسراره اللواء فوزى عبدالحافظ بتصوير مفكرة اليوميات بطريقة محترفة والحرص على نسخها كاملة وأن يستعد فوزى والسائق الشخصى للرئيس السادات المرافق للوفد المصرى للانطلاق فى مهمة لا تحتمل التأخير.

خلال دقائق معدودة حدد اللواء فوزى عبدالحافظ مكان تواجد الصحفى الأمريكى والتر كرونكيت بصحبة ضيفته تامار جولان، حيث كانا فى جولة خاصة لزيارة استوديوهات - Studios -شبكة CBS الإخبارية الرئيسية فى واشنطن.

على الهاتف طلب فوزى عبدالحافظ من متلقى مكالمته الهاتفية داخل استوديوهات شبكة CBS إخطار والتر كرونكيت أنه يتحدث من مقر إقامة الرئيس السادات بواشنطن ويود إبلاغه بخبر سبق «انفراد» صحفى خاص قبيل مغادرته إلى مصر.

وكان معروفاً فى طرقات وكواليس الإعلام الأمريكى وربما الأوروبى تلك الفترة المفعمة بالنشاط والحضور السياسى المصرى أن المكتب الإعلامى للرئيس السادات اعتاد تمييز كرونكيت قبل غيره بالأخبار الحصرية، لذا لم يثر الاتصال ساعتها أى جديد على المشهد.

هرع متلقى الاتصال إلى موقع الصحفى الأمريكى وأخذه على جانب وأبلغه بالأمر فاستأذن كرونكيت من صديقته تامار وتركها بعهدة زملاء له ليجيب على الهاتف لأمر مهم.

تبادل الصحفى الأمريكى الشهير والتر كرونكيت كلمات ترحاب بسيطة مع اللواء فوزى عبدالحافظ سكرتير الرئيس السادات ومدير مكتبه وكاتم أسراره بينما ولج الأخير لفحوى تكليف الرئيس مباشرة وسأل كرونكيت بجمل واضحة مختصرة لا يمكن لغيرهما فهم ما تعنيه ولو أنه سجل المكالمة كاملة بينهما قائلاً:

«سيد كرونكيت من فضلك لا يوجد من الوقت الكثير وأنت تعلم أن الرئيس سيغادر لمصر بعد ساعات معدودة أتطلع إلى تركيزك وهو أمر مهم وأولاً شكراً على الهدية باسم الرئيس ثانياً اذكر لى حالاً المكان الذى حصلت منه على هديتك الخاصة للرئيس مع تفاصيل موقع الهدية أرجوك لأن بها جزءا ناقصا غير موجود معها لم تتسبب أنت به بالتأكيد ولم تقصده، لكننا نريد إعادتها فوراً والحصول على الجزء الناقص؟»

ربما أدرك والتر كرونكيت المخضرم فى مجال نقل المعلومات حساسية وخطورة الأمر الذى اضطر اللواء فوزى عبدالحافظ مدير مكتب الرئيس السادات للتحدث معه لأول مرة عبر الهاتف بشيفرة كلامية مرتجلة يصعب فهمها مما دفعه هو الآخر لتبنى نفس الأسلوب.

وعندها أجاب الإعلامى الأمريكى على اللواء فوزى عبدالحافظ هامساً للهاتف فى مكالمة فريدة من نوعها لم تتكرر بينهما من قبل مع أنهما تحدثا عشرات المرات ويعلم كرونكيت نبرات صوت سكرتير الرئيس السادات جيداً وحالته عندما يكون طبيعياً.

على الهاتف شرح كرونكيت أن الهدية المقصودة مع أنها ثمينة لكنه وجدها بالصدفة منسية داخل خزانة ملابس بإحدى الغرف العلوية بمنزله بواشنطن وأنها كانت بين عشرات الهدايا المبعثرة من محتوى حقيبة وجدها مبعثرة بتلك الخزانة التى حددها للواء عبدالحافظ داخل غرفة الضيوف.

وفى الواقع دراسة أسلوب تطور الحوار المبهم بين اللواء فوزى والصحفى الأمريكى كرونكيت يثبت - بما لا يدع مجالاً للشك - قيمة إسهاماته المخلصة لصالح القضية المصرية وربما مستوى التفاهم والخبرة العالية بين طرفى الحوار الذى لا يمكن لغيرهما فهم حقيقة محتواه ولو تنصت عليهما بالعمد.

بعدها طلب منه فوزى عبدالحافظ مباشرة أن ينفذ ما سيقوله له مع وعد بأنه سيطلعه على التفاصيل فوافق كرونكيت دون نقاش وقد أدرك أنه تسبب فى مشكلة عندما اقتبس مفكرة يوميات ضيفته الإسرائيلية تامار وأن السادات أمر بإعادة المفكرة لمكانها فوراً.

استفسر الصحفى الأمريكى كرونكيت من اللواء فوزى عن المطلوب منه بشكل عاجل والثابت أنه لم يكن يعرف اللغة العبرية ولم يقدر يومها أهمية مفكرة اليوميات، لكنه تصرف طيلة الوقت بتلقائية وحماسة خالصة بلغت حد التهور بهدف إرضاء السادات.

ساعتها طلب منه فوزى عبدالحافظ أن يهاتف مديرة منزله المكسيكية تلك السيدة ممتلئة الجسم والأرداف التى حكى ساخراً عن تصرفاتها المثيرة للغرائز مراراً واعتاد الرئيس السادات على ممازحته بشأنها كلما منحه سبق محاورته إعلامياً. وأن يبلغها كرونكيت شخصياً أن صديقا له سيحضر إلى المنزل حالاً ليعيد غرضاً معيناً بشرط أن تسمح السيدة المكسيكية لذلك الصديق بدخول المنزل دون مصاحبته إلى الدور العلوى، حيث غرفة نوم الضيوف، وأن يشدد كرونكيت عليها كى لا تحكى لأحد عما حدث نهائياً وبخاصة ضيفته الصحفية الإسرائيلية التى كانت تثرثر معها فى الحديث.

عندما تفهم كرونكيت الخطة كاملة اعتذر له عبدالحافظ عن المشكلة البسيطة وأوصاه أن يمضى وقته مع ضيفته دون تعديل وأن يستمتع قدر المستطاع حتى ينجح فى إعادة الهدية إلى مكانها والبحث عن الجزء المفقود منها على حد كلماته المبهمة وقبل أن ينهى الحوار وعد عبدالحافظ الصحفى الأمريكى بخبر سياسى جديد من السادات سيكون سبقاً مدوياً.

وافق كرونكيت واتصل بمنزله وأبلغ مديرة المنزل المكسيكية بالموضوع، بينما أتم اللواء فوزى بسرية تامة تصوير يوميات تامار جولان وانطلق مع سائق الرئيس السادات مباشرة صوب منزل الصحفى الأمريكى فى مدينة واشنطن.

استقبلت مديرة المنزل المكسيكية اللواء فوزى بترحاب وسمحت له بالصعود للغرف العلوية وعن طريق شرح كرونكيت لمكان «الهدية» وصل عبدالحافظ دون عناء لغرفة تامار جولان، حيث وجد أن حقيبتها مفتوحة ومحتوياتها مبعثرة بالكامل على أرضية خزانة الملابس.

فقام عبدالحافظ بحرفية بإعادة مفكرة اليوميات الخاصة بعميلة جهاز الموساد تامار كما هى بين الأغراض المبعثرة وفى طريق مغادرته المنزل شكر السيدة المكسيكية على تعاونها ثم رجاها أن تعيد ترتيب حقيبة ملابس وجدها مبعثرة فى إحدى خزانات الغرف العلوية مؤكداً أنه لم يكن سبب بعثرة محتوياتها فأومأت السيدة المثيرة الممتلئة بالإيجاب.

بالفعل صعدت مديرة المنزل عقب مغادرة اللواء فوزى وأعادت ترتيب حجرة الضيفة تامار وخزانتها، وفى المساء عادت الضيفة سعيدة بصحبة مضيفها كرونكيت ومر الموضوع بشكل عادى للغاية فى إطار الحياة اليومية الروتينية، بل إن الضيفة تقدمت بالشكر تلك الليلة لمديرة المنزل على مجهودها فى ترتيب غرفتها وأغراضها.

أنهى الرئيس السادات مراسم زيارته الرسمية الأولى كرئيس لجمهورية مصر العربية إلى الولايات المتحدة حيث غادر بالطائرة واشنطن مساء 6 نوفمبر 1975
وكما سجلت الواقعة، شعر الرئيس السادات أنها أطول رحلة استقل فيها الطائرة الرئاسية، وعندما أعلن قائدها عن دخول الأجواء الجوية المصرية انفرجت أسارير الرئيس فنادى على اللواء فوزى.

كانت الطائرة مازالت تتحرك على أرض مطار القاهرة الدولى وقبل أن تتوقف محركاتها تماماً وتفتح أبوابها سلم الرئيس السادات النسخة المصورة من مفكرة يوميات تامار إلى اللواء فوزى وكلفه بنقلها على الفور إلى اللواء كمال حسن على، واشترط عليه أن يعود بالترجمة الكاملة بأسرع وقت ممكن.

انطلق اللواء فوزى لتنفيذ المهمة العاجلة وفعلياً هو الشخص الثالث بعد الرئيس السادات بين العالمين بأسرار ملف تامار ومدى خطورة عمليتها وحساسيتها بالنسبة لمصر بتلك الفترة، بل بحكم منصبه وقربه من الرئيس يعتبر عبدالحافظ أحد موثقى يوميات العملية المصرية.

وفّر اللواء كمال حسن على لإنجاز المهمة أفضل إمكانياته من العناصر البشرية المتمكنة باللغة العبرية، وقد قسم مفكرة اليوميات طبقاً لعدد صفحاتها البالغة 350 صفحة ما أسرع من عملية فك طلاسم شفرتها وتحقيق ترجمتها بوقت قياسى جدير بالتقدير والدراسة.


حيث تسلم اللواء فوزى عبدالحافظ بعد أقل من 24 ساعة يدا بيد من اللواء كمال حسن على طبقاً لتكليف الرئيس السادات الترجمة الكاملة لمفكرة اليوميات عقب حل شفرتها مطبوعة باللغة العربية على الآلة الكاتبة وطار الخبر للرئيس بتمام المهمة حتى قبل أن تصل سيارة عبدالحافظ إلى بوابة منزل الرئيس بمحافظة الجيزة.


تقدم اللواء فوزى وألقى التحية على الرئيس السادات ثم سلمه حافظة ترجمة مفكرة يوميات تامار نقيبة جهاز الموساد المتخفية تحت هوية الصحافة والإعلام ومعها نسخة اليوميات التى صورها فى واشنطن قبل إعادتها إلى منزل كرونكيت.

فشكره السادات على مجهوده ولاحظ الإرهاق الشديد عليه وكان عبدالحافظ حرم من النوم 3 أيام متتالية، وعندما سأله الرئيس عن صحته تذكر أن آخر ليلة نام فيها لساعات قليلة كانت ليلة 5 نوفمبر 1975 فى العاصمة الأمريكية واشنطن.

أمر الرئيس السادات اللواء فوزى أن يذهب بالأمر المباشر للنوم وأن ينتهز الفرصة لتمضية ساعات مع عائلته التى حرمت منه بشكل شبه دائم بسبب إخلاصه وولائه للرئيس السادات ومصر، على أن يعود إليه عصر اليوم التالى لأنه لا يمكنه الاستغناء عنه - على حد تعبيره.

وبينما هم اللواء فوزى عبدالحافظ بالخروج لتنفيذ أمر الرئيس لكى ينام كان النوم فارقه لأن لقاء عائلته كان أهم لديه من أى راحة، بينما سرح الرئيس السادات تلك اللحظة المؤثرة وهو يركز بنظره على خطوات كاتم أسراره التى اختزلت 23 عاماً من الولاء والإخلاص فى خدمته حتى نوفمبر .1975

عاد الرئيس السادات الإنسان بذاكرته إلى الوراء حتى بلغ ناصية الأيام الخوالى والزمن الجميل عندما تلقى اتصالاً هاتفياً لم ينسه يوماً من الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» ليخبره صباح 23 يوليو 1952 بقرار تشكيل محكمة الثورة برئاسة «عبد اللطيف بغدادى» وعضوية «القائمقام» - عقيد أنور السادات و«حسين الشافعى» عضوى مجلس قيادة الثورة، وأبلغ السادات يومها بتعيين ضابط شرطة يدعى فوزى عبدالحافظ لحراسته الشخصية.

ابتسم السادات عندما أسعفته ذاكرته بأحداث عام 1961 عندما رفع اسم الصاغ- رائد «فوزى السيد فوزى عبدالحافظ» من سجلات قوة ضباط الشرطة بالقرار الجمهورى رقم 1248 مع نقله إلى الأمانة العامة لمجلس الأمة لتسلم العمل كمدير لمكتب رئيس المجلس محمد أنور السادات.

والثابت أن الرئيس السادات تولى منصب رئيس مجلس الأمة- الشعب- مرتين، الأولى فى الفترة من 21 يوليو 1960 حتى 27 سبتمبر 1961 والثانية خلال الفترة من 26 مارس 1964 حتى 12 نوفمبر .1968

وقد توقفت ذاكرته القوية أمام أحداث 15 أكتوبر 1970 عندما فاز أنور السادات بالاستفتاء الرسمى على رئاسة الجمهورية خلفا للرئيس جمال عبدالناصر، وقرار تعيين فوزى عبدالحافظ مديراً لمكتب رئيس الجمهورية.

استغرق الرئيس السادات فى تلك الذكريات ثوانى قليلة بعدها عاد للواقع وقد غاب عن نظره فوزى عبدالحافظ الذى دب فيه النشاط وأسرع بخطى شابة باتجاه بوابة الخروج يحلم بلحظة لقاء عائلته وقد نسى قصة النوم نهائياً.


أمسك السادات بحافظة ترجمة مفكرة يوميات تامار جولان مطبوعة ومجلدة فى كتيب واحد باللغة العربية وكأنها جزء من رسالة أكاديمية أو نسخة أصلية من كتاب منسوخ وتذكر فى قمة سعادته إخلاص الصحفى الأمريكى كرونكيت ومجهود فوزى عبدالحافظ فلولاهما معاً ما تحقق ذلك الإنجاز المعلوماتى الثمين.

انزوى السادات بمكتبه وراح يطالع بشغف وترقب وهو يدرس ويحلل ما حررته ضابطة الموساد عن نفسها وبدت اليوميات له وكأنها مذكرات خاصة للغاية وجذب انتباهه أن صاحبتها بدأت بتسجيلها قبل أكثر من 15 عاماً مما يعنى أنها يوميات حياتها منذ أن التحقت بالعمل السرى لحساب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

فى البداية مر الرئيس السادات على صفحات مفكرة اليوميات بشكل عام وتأكد من مفتاح الترجمة العربية ومقدمتها التوضيحية قدرة المترجم المصرى فى فهم اللغة العبرية وخط اليد العبرى الحديث ناهيك عن فك الشفرة.

وأدرك أن مشروع الترجمة حرص على مسايرة الأصل بشأن ترقيم الصفحات بالمطابقة مع النسخة الأصلية فثمّن مجهود عملية الترجمة التى أتاحت له متابعة محتوى اليوميات وكأنه يقرأها بلغتها العبرية.

لم يتمالك الرئيس السادات نفسه وهو يطالع لأول مرة أدق التفاصيل عن عمليات شاركت بها النقيب تامار جولان مع الموساد بداية من عام 1961 حتى شهر أكتوبر 1975 وفهم أنه وقع على كنز معلومات لم يكن ليتحقق لولا التوفيق من عند الله مع الأخذ بالأسباب.

وقد شعر الرئيس برغبة ملحة فى إشراك اللواء كمال حسن على بتلك المعلومات فطلب من مكتبه الاتصال به حتى يأتى فى الصباح الباكر، بينما استمر هو فى دراسة وتحليل معلومات اليوميات وكعادته حرر بخط يده بالقلم الرصاص بورقة خارجية بعض الملاحظات بينها بيانات عن حجر نادر من سطح القمر حصل عليه كهدية خاصة من البيت الأبيض.

واسترعى انتباه الرئيس السادات دقة رواية تلك المعلومة بالذات بعدما تذكر أن «ريتشارد نيكسون» الرئيس الأمريكى الجمهورى ال 37 - الثابت شغله منصبه فى الفترة من 20 يناير 1969 حتى 9 أغسطس 1974 قد أهداه الحجر القمرى مع صك ملكيته.

هاتف الرئيس السادات على الفور وزير خارجيته إسماعيل فهمى وطلب منه البحث عن ملف هدية الرئيس الأمريكى نيكسون الخاصة بحجر القمر النادر وأن يوافيه بالملف فى الصباح الباكر.

فى هذه الأثناء ركز الرئيس السادات على معلومات الصفحات الأولى من مفكرة اليوميات البالغ عددها 350 صفحة خاصة ما تناولته صاحبة اليوميات من الأحداث التى سبقت عام 1973 بكل ما حملته واحتوته من أحداث سرية للغاية خاصة بخطته للخداع الاستراتيجى التى شارك فى صنع بعضها وفى اختراع بعضها الآخر.

وتوقف طويلاً أمام معلومات تامار جولان عن المنزل المصرى السرى خارج ضواحى باريس وهى خدعة استراتيجية اخترعها السادات بنفسه بهدف تخدير التقدير الإسرائيلى حتى يؤمنوا فى تل أبيب وواشنطن أنه لن يذهب إلى الحرب فى أكتوبر .1973

فضل الرئيس السادات بالنهاية ترك النقاش مفتوحاً بشأن كمية ونوعية المعلومات السرية للغاية التى سجلتها تامار جولان على مدار الوقت فى مفكرة يومياتها لحين وصول اللواء كمال حسن على.

فى الصباح الباكر حضر وزير الخارجية إسماعيل فهمى أولاً يحمل ملف هدية حجر القمر النادر مع وثيقة ملكية أمريكية فيدرالية صادرة بتاريخ 21 مايو 1973 باسم الرئيس محمد أنور السادات.

كاعتراف رسمى بشرعية ملكية حجر صخرى نادر من صخور سطح القمر زنة 250 جراما حصلت عليه مركبة الفضاء الأمريكية «أبولو11» التى قامت بأول رحلة للفضاء تمكن فيها الإنسان يوم الاثنين الموافق 21 يوليو 1969 من الهبوط والمشى على سطح القمر. مع خطاب حرره رائد الفضاء الأمريكى «نيل أرمسترونج» إلى الرئيس السادات كتب فيه بخط يده جملته التاريخية الشهيرة التى نطق بها عبر وسائل الاتصال لمحطة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا - تأسست عام 1957 - الأرضية ومنها للعالم وهو يمشى على سطح القمر:

«خطوة صغيرة للإنسان لكنها قفزة كبيرة للبشرية».

عقب خروج وزير الخارجية إسماعيل فهمى من مكتب الرئيس السادات وصل اللواء كمال حسن على وحدسه المهنى يشير إلى أن الجلسة ستدور حول المعلومات الحصرية التى وردت فى ترجمة مفكرة يوميات تامار وقد ألم بمحتواها بل بدأ بالفعل فى تحقيق ومتابعة وتوثيق الأبرز والأهم بينها فى إطار مهمته الأساسية.

وقد سجلت افتتاحية النقاش الجاد بين الاثنين ذلك الصباح الشتوى البارد فى منزل الرئيس بالجيزة الطريقة السهلة التى عثر فيها والتر كرونكيت على مفكرة يوميات تامار، حيث اتفقت تقديرات اللواء كمال حسن على المهنية والعلمية يومها مع حسابات الرئيس السادات الشخصية على استبعاد وجود شبهة دس مفكرة اليوميات على نظام المعلومات المصرى.

وذلك لأسباب جوهرية أبرزها أن الصحفى الأمريكى لم يكن يشكل بالنسبة لضابطة جهاز الموساد تامار جولان مصدراً للتهديد أو للشكوك بداية من تقربها الطبيعى إليه فى باريس وحتى بعدما استدرجها إلى العشاء بفندق الهيلتون وقبولها دعوته السخية إلى واشنطن، بل الأهم من كل هذا أن تامار لم تحررها بلغة عبرية عادية بل كتبتها بشفرة حالف الخبراء الحظ لحلها.

وقد ثبت من التحليل الفنى لمعلومات وبيانات ووقائع ليلة تسلم فوزى عبدالحافظ طرد مفكرة اليوميات بالعاصمة الأمريكية واشنطن أن تامار اعتادت حمل يومياتها الشخصية فى حقيبة أغراضها الخاصة أينما سافرت. وأنها حررت اليوميات بالشفرة مستخدمة الحروف العبرية حتى لا يفهم محتواها حال سقوطها بيد غريبة وقد قصدت استخدام اليوميات مستقبلاً لكتابة مذكراتها الشخصية.

عقب الاتفاق على تلك الحقيقة المهمة ناقش الرئيس السادات اللواء كمال حسن على فيما حررته تامار بيومياتها بشأن حجر القمر، حيث تأكدت المعلومات المصرية ذلك اليوم أن الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون قصد عبر تلك الهدية الغريبة اختبار نزاهة الرئيس المصرى.

بينما جاءت الخطوة لجس نبض السادات أمام هدية شخصية زاد ثمنها على المليون دولار أمريكى بأسعار عام 1973 وطبقاً لما سجلته تامار جولان بمفكرتها نبعت فكرة اختبار الرئيس المصرى من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA التى ادعت الفساد على مجموعة ضباط 23 يوليو 1952 وبينهم السادات ورأت الوكالة وقتها رمى طعم غير مكلف لخزانة الإدارة الأمريكية أمام الرئيس المصرى الجديد وقتها والواقعة تتناول أحداث شهر مايو .1973
فإذا قبل الرئيس السادات الهدية ولم يسلمها لمقتنيات الرئاسة المصرية ستتعامل معه الإدارة الأمريكية من هذا المنطلق لتحييده مثل غيره من زعماء القارة الإفريقية. أما فى حالة رفضه الهدية الثمينة وقيامه بتسليمها إلى المقتنيات الحكومية فسيكون على البيت الأبيض و CIA البحث عن وسائل أخرى للتعامل معه.

فى الواقع فاقت قيمة المعلومات التى وردت فى مفكرة يوميات نقيبة الموساد تامار جولان ما حلم به الرئيس السادات واللواء كمال حسن على، حيث كشفت الوقائع والبيانات المسجلة باليوميات ما يستحيل تحصيله بالوسائل الاستخباراتية العادية ولو بميزانية مفتوحة.

بينما كانت أخطر المعلومات على الإطلاق بالنسبة للرئيس السادات واللواء كمال حسن على اعتراف تامار جولان نقيبة جهاز الموساد بمفكرة يومياتها بتعاونها سراً مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية دون علم الأجهزة الإسرائيلية. وكشفها تعاونها بعدة عمليات سرية مع «جون ماكون» المدير السادس لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA الثابت شغله مهام منصبه خلال الفترة من 29 نوفمبر 1961 حتى 28 إبريل .1965

فى التفاصيل استبعدت تلك المعلومة بالتحديد احتمال وجود شبهة لافتعال اليوميات ودسها على النظام المصرى، وتأكد الرئيس السادات ومدير جهاز معلوماته اللواء كمال حسن أن تامار جولان حملت معها مفكرة يومياتها الأكثر سرية على الإطلاق أينما ذهبت لأنها خافت وقوعها بيد الآخرين خاصة مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة الموساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.