احتفال الآلاف من الأقباط بأحد الشعانين بمطرانيتي طنطا والمحلة.. صور    جامعة بني سويف تستقبل لجنة المراجعة الخارجية لاعتماد ثلاثة برامج بكلية العلوم    محافظ بني سويف يُشيد بالطلاب ذوي الهمم بعد فوزهم في بطولة شمال الصعيد    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    «التنمية المحلية»: قنا الأولى في استرداد الأراضي الزراعية وأملاك الدولة    مساعد وزير التموين: أزمة السكر لم تكن مشكلة إنتاج ولكن «سوء التوزيع» السبب    فرق 60 دقيقة عن المواصلات.. توقيت رحلة المترو من عدلي منصور لجامعة القاهرة    «التنمية المحلية»: 40 ورشة عمل للقائمين على قانون التصالح الجديد بالمحافظات    مدير صندوق النقد الدولي: ندعم إجراءات مصر للإصلاح الاقتصادي    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و454 شهيدا    دخول 176 شاحنة مساعدات غذائية عبر معبر كرم أبو سالم|فيديو    «أبو مازن»: اجتياح إسرائيل لرفح الفلسطينية سيمثل أكبر كارثة في تاريخ شعبنا    السفير الروسي بالقاهرة: الدولار تحول إلى وسيلة للضغط على الدول |فيديو    عبد الرازق خلال لقائه رئيس الشيوخ البحريني: حريصون على تنمية العلاقات بين البلدين    تغريم عمرو السولية وحسين الشحات ماليا بسبب مباراة مازيمبي.. اعرف السبب    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة لها    «حميد حامد» رئيسا للإدارة المركزية لامتحانات المعاهد الأزهرية    «الداخلية»: ضبط 15 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    الطقس في الإسكندرية اليوم.. انخفاض درجات الحرارة واعتدال حركة الرياح    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    لماذا غير الفنان الراحل نور الشريف اسمه في وثيقة الزواج؟.. سر بذكرى ميلاده    عالماشي يحقق 127 ألف جنيه إيرادات في يوم واحد ويحتفظ بالمركز الثالث    لن أغفر لمن آذاني.. تعليق مثير ل ميار الببلاوي بعد اتهامها بالزنا    بحضور محافظ مطروح.. قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات بعد فعاليات حافلة    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    «الصحة»: المبادرات الرئاسية كشفت عن 250 ألف مريض بسرطان الكبد في مصر    بنك QNB الأهلي وصناع الخير للتنمية يقدمان منح دراسية للطلاب المتفوقين في الجامعات التكنولوجية    انطلاق فعاليات البرنامج التدريبى للتطعيمات والأمصال للقيادات التمريضية بمستشفيات محافظة بني سويف    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    نجم الأهلي: أكرم توفيق انقذ كولر لهذا السبب    تشكيل إنتر ميلان الرسمي ضد تورينو    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    رئيس هيئة الدواء يجتمع مع مسؤولي السياسات التجارية في السفارة البريطانية بالقاهرة    المصري الديمقراطي الاجتماعي يشارك في منتدى العالم العربي بعمان    واشنطن بوست:بلينكن سيتوجه إلى السعودية هذا الأسبوع لعقد اجتماعات مع الشركاء الإقليميين    29 جامعة مصرية تشارك في مهرجان الأنشطة الطلابية في ذكرى عيد تحرير سيناء    مراجعة مادة علم النفس والاجتماع ثانوية عامة 2024.. لطلاب الصف الثالث الثانوي من "هنا"    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن لمن تخطوا سن ال65 عاما    وزير الصحة: «العاصمة الإدارية» أول مستشفى يشهد تطبيق الخدمات الصحية من الجيل الرابع    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    "بتكسبوا بالحكام".. حسام غالي يثير الجدل بما فعله مدرب المنتخب السابق ويوجه رسالة لشيكابالا    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السرقة الكبرى: سيناريو إسرائيل وأمريكا للاستيلاء على سيناء

سافر نزار قبانى إلى باريس على حساب صديقه أنيس منصور الذى أقنعه أنه سيتمتع بمزايا مريحة . بينما استقل أشرف مروان مع اللواء فوزى السكرتير الشخصى للسادات الطائرة من القاهرة.


اتصل نزار بصديقة فرنسية ترددت بانتظام على صالون تامار كل خميس، وطلب منها أن تصحبه وأصدقاء له من مصر إليه، وبالموعد المحدد حضر نزار بصحبة مروان وسط ذهول «جانيت» التى تحولت إلى الصحفية تامار التى حاولت التهرب من نظرات مروان طيلة الوقت.

كان طبيعياً أن يحتفى رواد الصالون بالشاعر السورى الكبير الذى حضر دون معرفة مسبقة بصاحبة الصالون اعتقاداً منه أنها مستشرقة فرنسية مثلما قال له على الهاتف من القاهرة أنيس منصور الذى لم يكذب بل أعلن ساعتها بحسن نية ما سمعه شخصياً من الرئيس السادات.

أنصت الرئيس السادات لتفاصيل المعلومات الموثقة التى كشفها الدكتور أشرف مروان عقب لقائه فى لندن مع ضابط عمليات الموساد ميشا، وتوقف الرئيس أمام تقرير «كيسنجر» الذى أوصى فيه وكالة الاستخبارات المركزية CIA بضرورة استمالة الفريق «الجمسى» أو الاطاحة به من المشهد السياسى المصرى تحقيقاً للمصلحة العليا لواشنطن وتل أبيب فى المفاوضات المصرية - الإسرائيلية، بعدما وقف الجمسى حائلاً أمام تمرير خططه وألاعيبه التى سبقت التوقيع على اتفاقية فض الاشتباك الأولى «18 يناير 1974» بجنيف واستمرت حتى التوقيع النهائى على معاهدة السلام بواشنطن «26 مارس 1979».

كعادته حرص السادات على التحقق أولاً من مصداقية بيانات الواقعة سبب اختيار إسرائيل للجمسى كهدف محتمل وهى تفاصيل نقلها إليه أشرف مروان عقب لقائه فى لندن مع ضابط جهاز الموساد ميشا.


وطبقاً لمعلومات مروان دارت فصولها باستراحة السادات الرئاسية الشتوية بمدينة أسوان ليلة الاثنين 14 يناير 1974 عندما حرر وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر تقريره التاريخى الذى أوصى فيه ءة3 أثناء إقامته بفندق «كتراكت» باستمالة الجمسى أو الإطاحة به من المشهد السياسى والعسكرى بمصر.

عليه أمر السادات أن يحضروا له بروتوكول لقائه المقصود مع وزير الخارجية الأمريكى ليدرسه بنفسه ربما اكتشف بين السطور على حد تعبيره سر استهدافهم الجمسى الأمر الذى سيساعد العملية المصرية المضادة لعملية الموساد وصحفية الشئون الإفريقية «تامار جولان» التى سنتركها مؤقتاً من أجل التفاصيل.

∎ قراءة ما بين السطور

تسلم الرئيس السادات أصل البروتوكول وطلب من سكرتيره الشخصى وكاتم أسراره اللواء «فوزى عبدالحافظ» إلغاء مواعيده وقرر دراسة الملف على انفراد وطلب من عبد الحافظ البقاء قريباً من مكتبه والاعتذار للأسرة لأن الرئيس لن يتناول الغداء معهم لانشغاله.
قرأ الرئيس السادات الفاتحة كعادته قبل كل عملية وقرار هام ثم تمتم بآيات بينات من القرآن الكريم، لعل الله يهديه للحقيقة ثم فتح ملف البروتوكول وقد استرعى انتباهه أصل برقية شكر بعث بها بتاريخ 8 يناير 1974 إلى الرئيس الأمريكى «ريتشارد نيكسون» كرد على التهنئة التى أرسل بها نيكسون للقاهرة بمناسبة عيد الأضحى المبارك.

تجاوز الرئيس السادات برقية الشكر ووصل إلى نص بروتوكول اللقاء الذى جرى بينه وبين وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر بمقر استراحته الرئاسية الشتوية بمدينة أسوان بتاريخ الاثنين الموافق 14 يناير 1974

المثير أن ذات البروتوكول تم تصنيفه تحت بند «منتهى السرية» بالوثيقة رقم 00992 المودعة حالياً أرشيف الأمن القومى الأمريكى وتحمل نفس التاريخ وعدد أوراقها21 صفحة دون غطاء الديباجة والملف. وهى النص الأصلى الذى حرره كيسنجر بخط يده عن الجمسى والسبب المباشر لقرار رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير تكليف مدير الموساد اللواء «تسفى زامير» ببدء عملية محاولة الإيقاع بالقائد العسكرى المصرى الكبير أساس عملية تامار جولان.
طالع الرئيس السادات نص بروتوكول لقائه مع وزير الخارجية الأمريكية باهتمام وتذكر أن الجلسة المهمة امتدت بينهما من الساعة العاشرة والنصف صباحاً حتى الثانية بعد ظهر ذلك اليوم 14 يناير .1974

سجلت ديباجة البروتوكول «منتهى السرية» أن اللقاء حضره من الجانب المصرى الرئيس السادات ووزير خارجيته «إسماعيل فهمى» والفريق «محمد عبدالغنى الجمسى» رئيس هيئة أركان الجيش المصرى فى الفترة من 12 ديسمبر 1973 حتى 27 ديسمبر .1974

ويذكر خارج البروتوكول أن إسماعيل فهمى دبلوماسى مصرى عمل سفيراً بالنمسا من عام 1968 حتى 1971 ثم وزيراً للسياحة وبعدها مباشرة الخارجية عام 1973 حتى تقدمه باستقالته المسببة لاعتراضه على قرار السادات بزيارة القدس وقبولها عصر 18 نوفمبر .1977
كما كشفت الديباجة حضور هنرى كيسنجر بصحبة السفير «إليسورث بنكر» رئيس الفريق الأمريكى بمفاوضات فض الاشتباك بجنيف ومعه الدكتور «جوزيف سيسكو» مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى وجنوب آسيا الثابت توليه المنصب فى 30 يناير .1969
ورافق الوفد الأمريكى السياسى «بيتر رودمان» عضو مجلس الأمن القومى الأمريكى - تأسس عام 1947 - الذى جلس طبقاً للبروتوكول صامتاً طيلة اللقاء يسجل الملاحظات المهمة.

قرأ الرئيس السادات بيانات البروتوكول بعناية حيث وصل هنرى كيسنجر والوفد المرافق له يومها قادماً من تل أبيب بعد جلسة مباحثات أجراها كيسنجر مع الجانب الإسرائيلى الذى سلمه عددا من الخرائط لعرضها على السادات للتفاوض عليها ضمن اتفاقية فض الاشتباك الأولى التى وقعت بعدها فى 18 يناير 1974 بمدينة جنيف السويسرية بوساطة أمريكية.

وحرص الرئيس السادات على مراجعة كل فقرة على حدة وأمسك بقلمه الرصاص واستعد لتسجيل ملاحظاته الخاصة ثم حدد الفقرات المهمة وموقعها ورقم الصفحات الواردة بها وقد اعترف كيسنجر فى بداية اللقاء أنه لم يحضر معه من تل أبيب كل الخرائط التى عرضوها وأنه قصد بتصرفه شيئين:

الأول أن الخرائط العسكرية الإسرائيلية التى تجاهلها كانت مجحفة هدفت إسرائيل من ورائها لإغضاب الرئيس السادات والجانب المصرى لتعطيل عملية فصل القوات حتى تستمر تل أبيب فى ابتزاز أمريكا والعالم سياسياً لأقصى درجة.

والثانى طبقا لما سجله البروتوكول على لسان هنرى كيسنجر للرئيس السادات فى أسوان أن الفريق الأمريكى المصاحب له لم يقتنع نهائيا بما اقترحته إسرائيل بتلك الخرائط التى وصفها بالمبالغ فيها.

وعندما سأل الرئيس السادات هنرى كيسنجر أثناء الجلسة أن يصدقه القول بمثل بسيط من تلك الخرائط التى رفضها وتجاهلها اعترف وزير الخارجية الأمريكية أن إسرائيل طالبت فيها بتنازل مصر عن ثلث شبه جزيرة سيناء.

وأكد كيسنجر للرئيس السادات أن المساحة التى حددتها إسرائيل بتلك الخرائط تساوى حجم مساحة دولة إسرائيل نفسها وأنه أبلغ الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون بالموضوع فوافق على تجاهل الخرائط الإسرائيلية لإنقاذ مفاوضات فض الاشتباك الأولى مؤكداً أن نيكسون تحفظ على الخرائط وطلب من كيسنجر إبلاغ تل أبيب ورئيسة الوزراء جولدا مائير دون الرجوع لمصر أن الخرائط مرفوضة من قبل الإدارة الأمريكية.

من بين النقاط المهمة والأسرار التى راجعها الرئيس السادات ببروتوكول تلك الجلسة قبول إسرائيل انتشار القوات المصرية بعمق من 10 إلى 15 كيلو متراً داخل سيناء تحسب بعد حدود «خط بارليف» مباشرة وإقامة خط فاصل لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. على أن تعيد إسرائيل خلال 48 ساعة عقب الموافقة المصرية بشأن تلك النقطة فتح الطرق لمدينة السويس والطريق إلى موقع «كبريت» المحاصر بداخله قوة مصرية خاصة من مائة مقاتل وسحب الجيش المصرى الدبابات والمدفعية الثقيلة من الضفة الشرقية للقناة.

عند تلك النقطة عاد الرئيس السادات بذاكرته إلى الوراء وتذكر هنرى كيسنجر عندما أبلغه بأن إسرائيل وافقت على سحب قواتها حتى 30 كيلو متراً بعمق سيناء مع تسليم خط بارليف وقناة السويس إلى مصر. فى مقابل أن يسمح لها من القوات والأسلحة ما لمصر فإذا كان لمصر 300 دبابة يكون لها 300 دبابة بينما رفضت إسرائيل تواجد المدفعية الثقيلة مع منصات الصواريخ المصرية المضادة للطائرات على الضفة الشرقية للقناة.

نطالع أصل البروتوكول مع الرئيس السادات كما طالعه هو يومها ونكتشف طلب إسرائيل إبعاد المدفعية المصرية لمسافة 18 كيلو متراً أى نشرها على الضفة الغربية للقناة ووضع المدفعية عيار 155 ملليمتراً بمسافة 18 حتى 30 كيلو متراً وأن تتمركز المدفعية المصرية عيار 175 ملليمترا على بعد 30 كيلو متراً من القوات الإسرائيلية المنتشرة بعمق سيناء.
∎ خلاص لقيتها يا فوزى

إلى هنا سجل بروتوكول اللقاء أموراً عادية وأوشك الرئيس السادات على الملل بعدما بحث طويلاً بالصفحات الخمس الأولى عن خفايا ما بين السطور لكشف سر استهدافهم لشخصية الجمسى بالذات دونما غيره حتى تعثر فيما توقعه منذ البداية بحدسه الأمنى الفريد من نوعه.

تهللت أسارير الرئيس السادات وغمرته السعادة وقد وجد ضالته بين سطور بروتوكول لقائه مع هنرى كيسنجر فنادى على سكرتيره الشخصى وكاتم أسراره اللواء فوزى عبد الحافظ وقال له:

«خلاص يا فوزى لقيتها.. لقيت السر عارف زى ما مروان حكى بالظبط كل حاجة بندور عليها هنا السر كان بين إيدنا طول الوقت المهم أقدر دلوقتى أعلم وأشخبط على الصفحات براحتى ولا دا البروتوكول الأصل يا فوزى؟». فأكد فوزى للرئيس السادات بعدما شاركه سعادته أن البروتوكول له عدة نسخ أصلية ويمكنه التعامل مع صفحاته بحرية فبدأ السادات فى تحديد علامات خاصة به أسفل فقرات وجمل وعبارات بعينها بداية من الصفحة السابعة للبروتوكول.

سجل نص بروتوكول لقاء الرئيس السادات وهنرى كيسنجر فى 14 يناير 1974 بمدينة أسوان أن الفريق محمد عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة الأركان المصرية لم يتمالك نفسه عندما سمع الشروط الإسرائيلية من كيسنجر مقابل فك حصار السويس وكبريت فخرج عن بروتوكول الحوار فى حضور الرئيس السادات وقد سجل النص أن دموع الجمسى ظهرت لكل الحاضرين وأنه ردد ثلاث مرات جملة: «على جثثنا والله».

عندها طبقاً لما سجله بروتوكول اللقاء صمت الحاضرون بما فيهم الرئيس السادات. وكان وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر أول المتفاعلين بين الحضور مع تعليق الجمسى وساعتها استفز الجمسى وزير الخارجية الأمريكية فخرج كيسنجر عن بروتوكول الحوار السياسى وقال موجهاً حديثه إلى الجمسى: «أنا كنت متأكداً من أنك سيكون لك تعليق خاصاً بك».

فتدخل الرئيس السادات فى الحديث وأيد كل ما قاله الفريق محمد الجمسى وقد رد على كلام كيسنجر قائلا: «الجمسى صح عنده حق بدون شك وأنا معه فيما ذكره».


تابع الرئيس السادات بشغف بالغ وقائع اللقاء المسجل بالبروتوكول وقد فك شفرة توصية هنرى كيسنجر لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIAعقب اللقاء بضرورة العمل على استمالة الجمسى أو الإطاحة به لخطورة مواقفه الوطنية على مسيرة التفاوض.

فى هذه الأثناء زاد اعتزاز الرئيس السادات واحترامه الشخصى الخاص للفريق أول عبدالغنى الجمسى وأكمل البروتوكول الذى سجل تدارك هنرى كيسنجر للموقف وإشارته أن إسرائيل طلبت رفع الحصار المصرى عن مضيق باب المندب وأن السادات قرر ذلك من قبل فهز السادات رأسه وهو يدخن البايب بالموافقة لتمضى الجلسة.

بعدها طبقاً لنص البروتوكول أكمل هنرى كيسنجر ونقل للرئيس السادات أنهم طلبوا فى تل أبيب إعادة افتتاح قناة السويس أمام الملاحة الدولية والسماح لسفن إسرائيل بالمرور دون شروط مع رفع علم الدولة الإسرائيلية على سفنها المارة بالقناة.

ثم أكمل وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر حديثه حتى طرح طلباً إسرائيلياً أثار غضب الرئيس السادات حيث قال: «طلب الإسرائيليون أيضا طرد كل القوات الأجنبية وممثليها من مصر فورا».

فعاجله الرئيس السادات برد وجهه لكل أعضاء الوفد الأمريكى قائلاً: «هذا محض هراء وتهريج سياسى بل أنه تدخل سافر فى الشئون المصرية».

فأجاب عليه هنرى كيسنجر بقوله: «هم أيضا يرون أن منع طائراتهم من الوصول إلى إفريقيا تدخل فى شئونهم».

فقاطعه الرئيس السادات بقوله: «محض هراء لأن هذا الأمر خاص بالمقاطعة الإفريقية والعربية ومصر طرف واحد بين عشرات الأطراف».

طبقاً لنص بروتوكول اللقاء أوشك الفريق الجمسى عند تلك النقطة على الانفجار غضباً فأعلن للحاضرين بمن فيهم الرئيس السادات ووزير الخارجية الأمريكية كيسنجر رفضه القاطع لفكرة تحريك قواته المصرية وإعادة انتشارها بالخطوط التى طرحتها إسرائيل متسائلاً بصوت شابه التهكم وبنبرة مرتفعة:

«لماذا كانت الحرب إذا؟».

وقبل أن يهدأ الجمسى تدخل وزير الخارجية المصرى إسماعيل فهمى الذى حضر اللقاء منذ بدايته وأشعل الموقف عندما أعلن مساندته التامة للفريق الجمسى ورفضه الطلبات الإسرائيلية المجحفة.

وقال فهمى متسائلا بتهكم واضح: «يطلبون منا وضع 300 دبابة مصرية فقط للدفاع عن كل مصر وهم 300 دبابة لا تدافع عن شىء إلا أراض مصرية خالصة يحتلوها مثلهم فى ذلك مثل اللصوص هذا أمر غريب غير مسبوق بتاريخ المفاوضات الدولية بل إنه أمر مستفز؟».
ثم أكمل إسماعيل فهمى شارحاً للرئيس السادات وهنرى كيسنجر موقفه الرافض بقوله: «إسرائيل تريد قلب ميزان الحرب لتعدل من موقفها ومواضع قواتها وتخطط دون شك للهجوم علينا من جديد لإعادتنا للضفة الغربية ثانية وكأن الحرب لم تكن إسرائيل تريد إعادة احتلال خط بارليف وهذا لن يكون لها أبدا».

هنا بدت وقائع الجلسة على الصفحات وكأن الأمور خرجت عن السيطرة خاصة عندما تدخل الفريق الجمسى موجهاً حديثه للرئيس السادات وكأنه يحذره من مخاوف إسماعيل فهمى بقوله: «قبل عبورنا لقناة السويس يوم 6 أكتوبر كنا أقوى وضعاً مما يطلبونه الآن.. هم يريدون إضعاف قواتنا وحماية قواتهم على حساب أرضنا بل يمكننى القول بعدما طرح حتى الآن أن إسرائيل تريد تحويل قواتنا المسلحة إلى قوات شرطة مدنية فى سيناء».

بعدها تدخل هنرى كيسنجر موجهاً حديثه إلى الرئيس السادات مشيراً إلى أنه يكفيه الجمسى حتى تنشب حرب عالمية ثالثة بالشرق الأوسط فابتسم السادات ولم يعلق على كيسنجر.

بينما تطوع وزير الخارجية إسماعيل فهمى ورد على وزير الخارجية الأمريكية بقوله: «لا بل يمكنك القول أن إسرائيل تريد تحويل الهزيمة العسكرية التى منيت بها فى الحرب إلى انتصار سياسى بعد توقف العمليات العسكرية على حساب مصر».

ثم أكمل فهمى كاشفاً سراً لم يتناوله أحد حتى يومنا هذا بقوله: «حسنا يريدون منا تخفيض عدد قواتنا فى المقدمة إلى 1500 مقاتل سنضع أمامهم كتائب القوات الخاصة النوبية التى روعت حصونهم بالحرب وزلزلت خط بارليف تحت أقدامهم».

بعد ذلك عاد الفريق الجمسى إلى الحوار قائلاً: «لدىَّ يقين أن إسرائيل وضعت تلك الشروط من البداية كى ترفضها مصر بينما تستعد فى هذه الأثناء لعملية الهجوم المضاد وأنا أحذر من هنا بثقة أن الثمن الذى سيدفعونه لو كانت تلك خطتهم سيكون باهظاً».

ويكشف نص البروتوكول أن الرئيس السادات طلب استكمال جلسة اللقاء على انفراد مع هنرى كيسنجر وأن ينفصل الجمسى وإسماعيل فهمى لبحث بقية النقاط الاستراتيجية مع الفريق الأمريكى المرافق لوزير الخارجية الأمريكية. غير أن الفريق الجمسى طلب كلمة نهائية قبل مغادرته الجلسة مؤقتاً وعندما منحه الرئيس السادات الفرصة قال بانفعال ملحوظ: «أريد قبل كل شىء استعادة كل رجالى أسرى الحرب وأن أشدد على أن إسرائيل لم تلتزم ولم تحترم ما قمنا بتنفيذه فى مفاوضات الكيلو 101 عندما سلمناها جواسيسها وآسراها».

∎ تسليم الأسرى الجواسيس


كشفت الصفحة الحادية عشرة من بروتوكول جلسة 14 يناير 1974 أن إسرائيل طلبت فى مقابل تسليم مصر 60 أسيراً مصرياً هم أسرى المعارك حتى يوم 22 أكتوبر 1973 الإفراج عن كل جواسيسها من السجون المصرية. وأن الرئيس السادات كلف الجمسى خلال مفاوضات الكيلو 101 اصطحاب أهم جواسيس إسرائيل فى سجون مصر وقتها وهو إسرائيلى الجنسية اسمه «دان أفيدان» كى يسلمه إلى اللواء «أهارون ياريف» رئيس الوفد المفاوض بعدما أصر على العودة به إلى تل أبيب.

فقام الجمسى عقب اتمام إجراءات الافراج عن الجاسوس الإسرائيلى بأمر رئاسى مباشر سرى للغاية صدر من السادات باستلام «دان أفيدان» بعدما أمضى فى السجون المصرية أربعة أعوام من حكم بالمؤبد عقب إدانته بالتجسس على مصر. فاصطحب الجمسى الجاسوس بسيارته الجيب العسكرية حيث سلمه يد بيد للواء أهارون ياريف بخيمة مفاوضات الكيلو 101 مع وعد شفهى من الرئيس السادات بتسليم إسرائيل كل جواسيسها شريطة إطلاق سراح كل أسرى الحرب من العسكريين المصريين فوراً.

ويكشف البروتوكول أن إسرائيل تسلمت من مصر بعدها مباشرة الجاسوس «باروخ زكى مزراحى» الذى سقط فى وقت سابق باليمن ونقل إلى مصر مع جاسوس آخر ورد باسمه الأول «ليفى».

ما زلنا نتابع أصل بروتوكول لقاء الرئيس السادات مع هنرى كيسنجر فى أسوان 14 يناير 1974 وطبقاً للبند الجانبى المسجل فى تمام الساعة الواحدة والنصف ظهراً انضم للجلسة الرئاسية الفريق الجمسى مع وزير الخارجية المصرية إسماعيل فهمى.

حيث استهل الرئيس السادات إدارة الجلسة مؤكداً رفض مصر القاطع لتخفيض عدد المقاتلين المصريين وتسليحهم فيما وراء خط بارليف داخل سيناء مع رفضه التام لانسحاب القوات المصرية ولو لشبر واحد من شبه جزيرة سيناء بعد 24 أكتوبر 1973 طالباً بحث تلك النقاط مباشرة وجها لوجه مع الوفد الإسرائيلى فى مدينة جنيف.

ثم قال الرئيس السادات موجهاً حديثه إلى هنرى كيسنجر: «مصر تدافع هنا عن أرضها بينما لا تدافع إسرائيل عن شىء لأن سيناء كلها أرض مصرية خالصة وليست إسرائيلية».

أمام إصرار الرئيس السادات والفريق الجمسى وفهمى وافق وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر تبنى الشروط المصرية وطلب بنهاية اللقاء عدم تسريب ما اتفق عليه للإعلام فوعده السادات ونبهه أن التسريب المتعمد ربما يخرج من جانب واشنطن.

وقبيل مغادرته الاستراحة الرئاسية بأسوان أكد هنرى كيسنجر أنه سيحمل معه خطاباً مكتوباً وموقعاً من الرئيس السادات لتسليمه إلى تل أبيب وواشنطن وتعهداً رسمياً بفك الحصار المصرى العسكرى حول باب المندب.

∎ قنبلة من العيار الثقيل

كان المفترض أن ينتهى اللقاء عند ذلك الحد، وقبل أن يهم هنرى كيسنجر بالانصراف، فجر الجمسى مع وزير الخارجية المصرى إسماعيل فهمى قنبلة من العيار الثقيل عمد كيسنجر لتمريرها وكادت تتورط بها مصر.

عندما استفسر الرئيس السادات منهما عن الموضوع فنظر الجمسى إلى كيسنجر طالباً من الرئيس دقائق على انفراد لحديث خاص فاستأذن الرئيس من هنرى كيسنجر الذى كاد يجن من فهمى والجمسى بالذات حيث أفشلا له جميع ترتيباته الخبيثة.

داخل غرفة جانبية أعلن فهمى والجمسى للرئيس السادات اكتشافهما ثغرة بمسودة بنود الاتفاق المصرى - الإسرائيلى لفض الاشتباك الأول عبارة عن جملة متعمدة ومقصودة شديدة الخطورة بالمعنى العسكرى والسياسى والاستراتيجى.

وعندما طلب الرئيس السادات من الاثنين شرحاً وافياً أمام ما تسببا به من إحراج لوزير الخارجية الأمريكية أكدا له أن إسرائيل تعمدت فى المسودة التى كاد ينجح بتمريرها هنرى كيسنجر تثبيت جملة تفاوضية قصد من ورائها انتزاع اعتراف مصرى سيادى صريح بأحقية إسرائيل فى أرض سيناء.

وعندما وجد الرئيس السادات أن الأمر خطير طلب منهما اطلاعه على تلك الجملة فأشار الجمسى وفهمى إلى فقرات جمل قصد من ورائها وصف أرض العمليات فى سيناء وهى:

«تنسحب القوات المصرية من الأراضى الإسرائيلية».

«تتراجع القوات المصرية عن الأراضى الإسرائيلية».

و«تعمل القوات الدولية داخل الأراضى الإسرائيلية».

على ضوء ما سجلته النسخة المصرية من بروتوكول اللقاء التاريخى بأسوان امتن الرئيس السادات لملاحظة الجمسى وفهمى لكنه استشاط غضباً من الحيلة السياسية القذرة وفقد ذلك اليوم تحديداً ثقته التامة فى هنرى كيسنجر.

وأحاط الجمسى وفهمى الرئيس السادات بحبكة الخدعة وتداعياتها فعاد الرئيس للجلسة وهو متحفز بشكل شخصى لرصد تعابير وجه وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر عندما سيتفاجأ باكتشاف الجمسى وفهمى لخطته.

فى قاعة الجلسة الرئيسية منح الرئيس السادات إسماعيل فهمى والجمسى ناصية الحديث بينما ركز هو مع رد فعل كيسنجر فتساءل الاثنان بتهكم كشف خطة هنرى كيسنجر أمام الرئيس حيث وجهها حديثهما إلى الوفد الأمريكى بقولهما: «ما هذه الجمل الغريبة التى سجلوها فى الورقة المفروض أننا سنوقعها الآن؟»

وعندما استفسر هنرى كيسنجر وهو يتظاهر ويمثل كأنه لا يدرك قصد الحديث قال له الجمسى: «أظنك تدرك علام نتحدث فقد قصدنا مصطلح الأراضى الإسرائيلية؟».

وعندما أصر كيسنجر على تصنع عدم الفهم أكمل إسماعيل فهمى قائلاً: «هنا لا توجد أية أراض إسرائيلية نهائيا بل إن كل الأرض سيادة مصرية خالصة.. هذه لعبة سياسية - استراتيجية مفضوحة هم فى تل أبيب ينتظرون على جمر توقيعنا على تلك الجمل حتى تصبح ورقة قضية مفاوضات منفصلة بالمستقبل وحتى يكون لإسرائيل حق المطالبة بأراض فى سيناء وهذا لن يكون ولن يحدث أبدا».

صمت هنرى كيسنجر برهة ثم أعلن بعدها بخجل مضطراً أنه يؤيد وزير الخارجية إسماعيل فهمى ورئيس الأركان الجمسى بينما ابتسم الرئيس السادات وقد درس تعابير وجه كيسنجر عندما يكذب.

على الفور طلب السادات من كيسنجر أن تحذف تلك العبارات والجمل من مسودة بنود اتفاقية فض الاشتباك الأولى وكلف إسماعيل فهمى والجمسى بحذفها فحذفها فهمى بخط يده ثم تأكد الجمسى من حذف الجمل بعد ذلك بنفسه.


أما كيسنجر فقد أعلن ضرورة عودته إلى تل أبيب لعرض الطلبات ووجهة النظر المصرية مع تسليم ورقة خطاب الرئيس السادات على أن يعود لمصر بعد ساعات لطرح التطورات.



وأثناء مغادرته بهو الاستراحة الرئاسية بأسوان سأل كيسنجر السادات هل سيسمح وقته للقائه بعد يوم أو أكثر فأكد له السادات أن وقته كله رهن تحقيق السلام العادل والشامل لمنطقة الشرق الأوسط.

∎ كيسنجر فى تل أبيب


هبط وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر صباح الثلاثاء 15 يناير 1974 بمطار بن جوريون بتل أبيب - افتتح للملاحة عام 1937 - ثم توجه مباشرة إلى لقاء رئيسة الوزراء الإسرائيلية «جولدا مائير» بمنزلها الشتوى فى مدينة القدس.

وثيقة البروتوكول الأمريكية رقم 00996 المدرجة تحت بند «منتهى السرية ملف حساس وغير مسموح بتداوله» المؤرخة بتاريخ الثلاثاء الموافق 15 يناير 1974 كشفت تفاصيل حقيقة التمثيلية التى تبادل فيها هنرى كيسنجر الأدوار مع جولدا مائير بهدف انتزاع أفضل الشروط الممكن تطبيقها باتفاقية سلام تاريخية سياسية - عسكرية مع الرئيس السادات.

أبطال تلك الوثيقة «منتهى السرية» عالية التصنيف من الجانب الأمريكى هنرى كيسنجر ومعه «بيتر رودمان» عضو مجلس الأمن القومى ومن الجانب الإسرائيلى السيدة جولدا مائير رئيسة الوزراء و«سمحا دينيتس» السفير الإسرائيلى لدى واشنطن الثابت شغله المنصب خلال الفترة من عام 1973 حتى عام .1979

وقد استمر اللقاء بين شخوص البروتوكول بمنزل جولدا مائير فى مدينة القدس بداية من الساعة الرابعة عصراً وحتى الخامسة والنصف عصر الثلاثاء الموافق 15 يناير .1974
بدأ اللقاء بسؤال وجهته رئيسة الوزراء جولدا مائير بشكل مباشر إلى وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر بقولها: «هل نجحت فى مهمتك؟».


فرد عليها هنرى كيسنجر قائلاً: «فى الواقع أشعر كأنى بدأت أفقد مكانتى كخبير وسياسى قديم فكل مرة تعرضى علىَّ طلباً لأمرره إلى السادات واعتبره أنا مبالغاً فيه يقبله هو دون مناقشة لدرجة أنى بدأت أشك أنك تتصلين به أولاً وتحصلين على موافقته قبل أن أقابله أنا؟».
فضحكت جولدا مائير وردت على هنرى كيسنجر بقولها: «أننا نحب أن نشعر الأمريكيين أنهم هم الذين نجحوا وحققوا مطالبنا لكن أخبرنى كيف وجدته؟» وكانت تقصد الرئيس السادات.

فرد هنرى كيسنجر عليها ليكشف نفسه وحقيقة دوره فى التفاوض بين مصر وإسرائيل بقوله: «فى الواقع غير أنه ممثل كبير - السادات - إلا أنه يرغب بشدة فى توفير وسيلة اتصال سرية على مستوى سياسى رفيع معكم، لكنه لم يوافق على الخط الفاصل الذى قدمته له ولديه الجمسى رئيس أركانه ووزير خارجيته فهمى لا يثقان نهائيا فى إسرائيل وتأكدى أن الجمسى لديه إرادة عسكرية مخالفة لكم على الأرض بل وستتعارض مع ما يمكن أن يتخذه السادات من قرارات وتنازلات سياسية حاسمة.. وأنا أخشى إذا لم تسرعوا بالتفاوض فإننا سنفقد السيطرة على الموقف خاصة أن وزير خارجيته فهمى يساند الجمسى والاثنان ضد كل ما تطرحونه من شروط».
المثير عندما سألت جولدا مائير ضيفها وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر عن الحل أجابها بشكل مباشر قائلاً: «نصحت CIA ضرورة البحث عن حل مناسب وعاجل للجمسى إما باستمالته بأى وسيلة أو الإطاحة به من الطريق حتى ننجح فى فرض شروطنا دون تدخل منه يؤثر على قرارات السادات ويضر بخططكم فى المستقبل».


وطبقاً لما ورد فى نص بروتوكول ذلك اللقاء أمسكت مائير بمفكرتها الشخصية واستغرقت أقل من خمس عشرة ثانية لتحرير توصيتها الرسمية المباشرة إلى اللواء «تسفى زامير» مدير مؤسسة الاستخبارات والمهام الخاصة الموساد لضرورة مساعدة الأمريكان والعمل مع كيسنجر بشأن إمكانية استهداف الجمسى.

وقبل نهاية اللقاء سألت مائير كيسنجر: «أين هم أسرى الحرب الإسرائيليين؟». «إننا نواجه مع الحكومة جحيماً من المعارضة ووسائل الإعلام وأسر الأسرى والمفقودين التى فقدت عقولها بحثاً وحزناً عن ذويها ولا نعرف فعلاً أين هم خاصة على الجانب السورى وهناك معلومات أفادت أن العراقيين قتلوهم أثناء الحرب وأخرى تقول إن القوات المغربية صفتهم ميدانيا».

فرد عليها كيسنجر بقوله: «سيدتى لابد أن تعلمى إذا فشلت المفاوضات بسبب الأسرى الإسرائيليين سينهار كل شىء بما فى ذلك الأسرى أيضاً يجب العمل على استدراج السوريين أولاً إلى مفاوضات منفصلة معكم فسوريا مهتمة أكثر من السادات الذى يطالب ب 86 أسيراً مصرياً بينما لسوريا ثمانية آلاف أسير لديكم».


وطبقاً للمسجل بنص بروتوكول الجلسة أكمل هنرى كيسنجر حديثه إلى مائير كاشفاً حقيقة دوره فى عملية التفاوض مع مصر بقوله: «سأحاول إبعاد صواريخ سام الروسية - المصرية من أجلكم 5 كيلو مترات إضافية لكن لا تثيروا مشكلة المدفعية لأن الجمسى يرفض ذلك بإصرار وبشكل جدى ولن يوافق على ذلك سأساعدكم بكل الوسائل والحيل للحصول على أسلحة حديثة من الإدارة الأمريكية والكونجرس لكن عليكم أن تساعدونا حتى يأتى إلينا العرب وربما فى حل مشكلة الجمسى».

∎ منتهى السرية

ما زلنا نتابع الرئيس السادات وهو يدرس بنفسه أصل بروتوكول لقائه مع هنرى كيسنجر فى أسوان كما طالعنا بالتوازى نص بروتوكول وثيقة أمن قومى أمريكية عالية التصنيف «منتهى السرية» كشفت حقيقة استهداف إسرائيل للجمسى.

عقب تأكده شخصياً من مصداقية معلومات الدكتور أشرف مروان بشأن توصية هنرى كيسنجر السرية لاستهداف الجمسى أو الاطاحة به أيهما أقرب أغلق الرئيس السادات بروتوكول جلسته مع وزير الخارجية الأمريكية بأسوان فى 14 يناير 1974 وعاد إلى أجواء صيف يونيو عام 1975بعدما وضحت الرؤية أمامه وألم بجذور العملية الإسرائيلية ضد الجمسى وبات عليه التصرف سريعاً لمجاراة خطة ضابطة الموساد تامار جولان.

رد الرئيس السادات الملف إلى سكرتيره اللواء فوزى عبدالحافظ ثم كلفه باستدعاء اللواء كمال حسن على، الذى ما أن سمع عبدالحافظ حتى طلب لقاء الرئيس بشكل عاجل معلناً توصله إلى معلومات مهمة دون أن يفسر أو يكشف أسماء وتفاصيل على الهاتف.

وصل اللواء كمال حسن على إلى منزل الرئيس السادات ليجده بانتظاره لسماع ما لديه وفى البداية عقب الترحيب به قال السادات له: «تحب أكشف ليك اللى متعرفوش عن سر استهدافهم للجمسى الأول ولا تحب تحكى اللى عندك الأول؟».

عندها فضل اللواء كمال حسن أن يبدأ الرئيس بطرح معلوماته طبقاً لتسلسل القيادات، فضحك السادات وحكى ما لديه من بيانات تطابقت مع ما سجله بروتوكول رسمى على حد تعبيره وقد فوجئ السادات ليلتها أن مدير جهاز معلوماته المخضرم يكمل وقائع سقطت منه فى صلب البروتوكول، الأمر الذى أكد للسادات كفاءة الجهاز المصرى وقوته.

بعدها حل الدور على كمال حسن على ليكشف ما لديه من معلومات جديدة فأكد للرئيس أن الصحفية تامار جولان وسيدة الأعمال الفرنسية «جانيت» وجهان لعملة واحدة وأن جانيت لازمة لن تختفى كلما احتاج الموساد وأنها ظهرت من قبل خلال عملية «الحاج» المصرية.


الثابت أن تلك العملية الاستخباراتية الشهيرة عالمياً التى انتهت بنجاح مصر فى تدمير حفار البترول الكندى «كنتينج1» أثناء رسوه داخل ميناء «أبيدجان» المطل على المحيط الأطلسى بدولة ساحل العاج قبل وصوله المياه الدولية المصرية.

وعندما استفسر الرئيس السادات من كمال حسن على عن أهمية تلك المعلومات الجديدة أكد للرئيس أن ظهور تامار جولان فى شخصية سيدة الأعمال الفرنسية «جانيت» بساحل العاج ليلة 8 مارس 1970 ساعة تفجير الحفار يبرز مكانتها المهمة للغاية لدى جهاز الموساد.

وأوضح اللواء كمال حسن على للرئيس السادات الذى استمع بشغف لمعلوماته أن العميد - ساعتها - «محمد نسيم» الشهير مهنياً بلقب «قلب الأسد» تقمص خلال العملية هوية مقاول بحرى وأنه رصد جانيت بأحد فنادق أبيدجان.

وربما رصدته هى الأخرى بعدما تابع ترددها على الميناء عدة مرات بدعوى عرض مجموعة سفن صيد فرنسية مستعملة للبيع لرجال أعمال محليين بأبيدجان وأن صور جانيت وردت بين مجموعات التقطها محمد نسيم بنفسه.

طلب الرئيس السادات توضيحاً أكثر فأكد له كمال حسن على أن جانيت أو تامار جولان كلفت فى عملية الحفار بمتابعة وتأمين حفار البترول الكندى خلال توقفه للتزود بالوقود والمؤن بموانئ دول إفريقية ساحلية بينها ميناء العاصمة السنغالية «داكار» ثم بأبيدجان موقع تدمير الحفار.

وأن تواجدها فى نفس الموقع والزمان يفصح عن مسلمات بديهية أولها أهميتها كضابطة عمليات خاصة لدى جهاز الموساد، ثانياً وهو الأهم أن مجال عملياتها وتخصصها الفعلى هو القارة الإفريقية الأمر الذى جعلها تبرز بالعديد من المهام الحساسة مثل تواجدها مع إيدى أمين فى أوغندا مثلاً.

المثير طبقاً لما ورد فى كتاب الحرب الخاص بالقوات البحرية الإسرائيلية أن عميلة إسرائيلية للموساد وجدت عقب العملية مصباح إضاءة غريبا بموقع التفجير بداخله بطاريات معطوبة صناعة مصرية وثقت بصمة المصريين واتضح أنها تامار جولان.

استغرق بعدها اللواء كمال حسن على فى شرح أبرز البيانات حول أسلوب عمل تامار جولان الذى ثبت من عملية لأخرى وطريقة تخفيها بإفريقيا مع توقعات أولية منه بشأن عملية استهداف الجمسى مع وعد شخصى للرئيس السادات باستكمال المعلومات عنها.

وفى طريق مغادرته كلفه الرئيس بكشف أدق تفاصيل حياتها لأنه على حد تعبيره ربما سيحتاج لمعلومات خاصة عن حياتها فابتسم حسن على وأبلغ السادات أن تامار جولان تخاف البحر.

شكر الرئيس السادات اللواء كمال حسن على وأثنى على مجهوده وكفاءته والتزامه المهنى وعندما سأل حسن على الرئيس عن تعليماته بشأن الخطوة التالية بالعملية أجابه الرئيس بقوله:

«سأستدرج البت بنفسى وبطريقتى حتى تسرع من وتيرة عمليتها لقد قبلت الدعوة الرسمية من الرئيس الأمريكى «جيرالد فورد» للقيام بأول زيارة رئاسية للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 26 أكتوبر حتى 6 نوفمبر 1975 وسأعلن مرافقة الجمسى معى كطعم لها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.