هل يمكن الحديث عن نموذج مصرى من خلال الخطابات الإسلامية السياسية الأيديولوجية؟.. هل الأيديولوجيا عموماً والدينية خصوصاً هى التى تحدد النماذج السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟.. هل السؤال السابق مصرى أو عربى أو إسلامى بامتياز؟.. أم أنه سؤال مستعار من واقع التجربة التاريخية البروتستانتية فى علاقاتها بالرأسمالية عموماً؟ د. احمد الطيب
حيث ساعدت التفسيرات الجديدة آنذاك لمارتين لوثر وكالفن وما بعدهما فى تقديم تأويلات وتفسيرات للكتاب المقدس جديدة ساعدت على تحريره من تاريخ من التفسيرات اللاهوتية، والكتابات والممارسات، والمصالح التى أدت إلى توطيد دور المؤسسة والأكليروس فى تكريس نماذج دينية ومذهبية كاثوليكية وأرثوذكسية كانوا جزءاً لا يتجزأ من عالم القرون الوسطى، إلى أن خرج عالمنا من ظلامها وآسارها.
من هنا كان الربط الفيبرى - لماكس فيبر عالم الاجتماع الألمانى ذائع الصيت - بين الأخلاق البروتستانتية وبين الرأسمالية وتطورها.
استعارة السؤال حول الربط بين الأيديولوجيا والنموذج السياسى الاقتصادى لا تجد ظلاً تاريخياً وثقافياً بالتجربة البروتستانتية.
يبدو لى أن الاعتماد على النص الأيديولوجى، والأحرى الخطاب فى بناء نموذج سياسى واجتماعى ما، أمر غير دقيق بل يمثل ذروة الابتسار أيًا كانت أناقة الصياغات، أو أسانيدها التفسيرية والتأويلية ذات المرجع والسند الدينى والمذهبى أيًا كان انتماؤه.
النماذج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تؤسس فى فضاءات المطلق، وإنما تتشكل فى غمار اللقاحات بين التجارب السياسية العميقة وقوى اجتماعية وأفكار وسياسيين ومفكرين وتضحيات تقدم فى الطريق إلى تأسيس النموذج بخصوصياته السياسية والثقافية، بل والجيو - سياسية، والجيو - دينية التى تلقى بظلالها على عملية تشكل هذا النموذج، أو ذاك!
من هنا تبدو خاطئة بعض التعميمات والأحكام والمسميات حول بعض التجارب الإسلامية السياسية، ومحاولة استعارتها لتسمية تجارب أخرى، لأنها تتناسى أن كل تجربة أسست لنموذج هى تعبير فى العمق عن الأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية للقوى الاجتماعية والسياسية التى ساهمت فى تشكيله وبلورته من خلال تجربتها وسياقاتها.
من ناحية أخرى بعض الاستعارات من تجربة لأخرى لا يساهم إلا فى تشكيل بعض عناصرها، لا كل النموذج/المثال.
فى ضوء الملاحظات السابقة، يبدو لى من الصعوبة بمكان إعطاء توصيفات ناجزة على حالة لاتزال فى مفتتح عمليات تفاعل بين الخطاب الأيديولوجى المؤسس لحسن البنا وصحبه، ومصادره المرجعية، وبعض الخطابات الإخوانية الأخرى وصولاً إلى ما يطرحه بعضهم من مشروع «للنهضة»، أو برامج أخرى للجماعة فى بعض من نقلاتها الخطابية بدءاً من النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى وما بعد، لاسيما بياناتها الثلاثة حول التعددية السياسية والحزبية، وأوضاع المرأة، والمواطنة فى «هذا بيان للناس» الذى أشير خلاله إلى تبنى ما لمفهوم المواطنة.
السؤال الذى يثور هنا: هل يمكن وضع خطوط عامة لهذا النموذج؟! عن أى نموذج نتحدث عن تخطيطات عامة موسومة بالنعت الجليل إسلامى؟ أيًا كانت مصادرها التاريخية فى تجارب الآخرين، وأيًا كانت محمولاتها الثقافية والاجتماعية؟
هل نتحدث عن نموذج انطلاقاً من تجربة الإخوان التنظيمية؟
أو فى نطاق العمل السرى والتعامل مع أنظمة سياسية متعددة فى مصر؟
هذا أمر سائغ وجائز لأن ثمة تجارب مهمة فى هذا الإطار يمكن درسها وتأصيلها، بل تعقيدها وبناء مثال أو نموذج حولها! لكن هذه التجربة شىء، والنموذج الإسلامى السياسى والتنموى فى الحكم شىء آخر تماماً!
أتصور وأرجو ألا أكون مخطئاً أن سياسة تسمية للحالة الإسلامية، الإخوانية ووصفها بالنموذج الإسلامى المصرى من الصعوبة بمكان، فى ضوء بعض من النصوص والشعارات والأحاديث والتصريحات وما يقال عنه برامج للجماعة.
من ناحية أخرى ثمة عديد من الأسئلة هل يمكن صياغة نموذج إسلامى خارج تجربته المجتمعية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الصراعية مع قوى إسلامية أخرى أو مع قوى شبه ليبرالية وأخرى يسارية، وقومية؟
هل النماذج الإسلامية، بخاصة والسياسية بعامة تبنى وتؤسس بعيداً عن الجدليات الاجتماعية والفكرية؟ تبدو لى الإجابة جهيرة لا. النماذج لا تؤسس فى الشعارات الكبرى، أو ابتسارات البرامج التى توضع على عجل لاعتبارات انتخابية محضة .. إلخ.
هل يمكن أن نترك جانباً المكون السلفى - بجميع مدارسه ومشايخه وأحزابه السياسية «الجديدة» - فى الحالة الإسلامية المصرية، ونعتبره هامشا ضمن هوامشها؟.. هل يعُد هذا المكون جزءا من نمط الحياة الدينية الشخصية والعامة فى مصر؟.. هل نركز على بعض الممارسات العنفية فى الخطاب والممارسة وسلوك بعض غلاة السلفيين لنسم التجربة السلفية كلها بالسلبية والخطر على بعض من بقايا نمط التدين الاعتدالى التاريخى للمصريين؟.. بالقطع لا، لأن بعض الغلو فى الرؤية والروئ والسلوك المحمول على العنف هو بعض من سلوك أقلية سلفية حتى هذه اللحظة لا يمكن تعميمه على وصف غالب المتدينين على النمط الفقهى والوعظى والدعوى السلفى على تعدده! بقطع النظر عن رأيك فى السلفية عموماً أو بعضها أيًا كان صحيحاً أو خاطئاً!
هل نمط العنف وتهديد الحريات «الشخصية»، والعادات الاجتماعية والأعراف، سيستمر من بعض الغلاة أم أنها لحظة عارضة، ومن ثم ستغير العملية الديمقراطية والسياسية هذا النمط من التفكير والسلوك فى ظل تطبيق صارم لقانون الدولة على المخالفين لأحكامه؟
هل شباب الحركة السلفية على تعددها، سيستمر على ذات الأفكار والأتباع لمشايخ الحركة على تعددهم؟
أين نضع تحولات الأزهر المؤسسة والمشيخة والشيخ فى الحالة الإسلامية المصرية؟
هل لايزال هناك دور مأمول ومؤثر للأزهر فى صياغة الحالة الإسلامية المصرية؟
هل الحضور الإخوانى، والسلفى داخل جماعة العلماء والدعاة الأزهريين سيؤدى إلى دعم التوجهات الإصلاحية النسبية لدى الأستاذ الإمام وبعض من صحبه المعتدلين؟
هل سيؤدى التداخل السلفى والإخوانى والأزهرى إلى تغيير على المدى المتوسط أو الطويل لطبيعة المؤسسة وأدوارها وإنتاجها الفقهى والدعوى؟.. هل ستنتصر المؤسسة أم ستنقسم وتنشطر إلى عديد من التوجهات بين إصلاحية معتدلة وإخوانية وسلفية وراديكالية؟
هل يمكن صياغة تخطيطات حول وصف للحالة الإسلامية السياسية بناءً على بعض الممارسات والصفقات السياسية للقوى الإسلامية على اختلافها مع المجلس العسكرى وبعض القوى السياسية الصغيرة؟
هل يمكن الاعتماد على سياسة الصفقات السياسية للإخوان والسلفيين وبعض مشايخهم مع المؤسسة العسكرية و«الدولة العميقة»، فى وصف السلوك السياسى للإسلاميين السياسيين بالبراجماتية السياسية وتقلباتها وميلها مع المصلحة حيث تميل!
أين السمتُ الإسلامى الذى يسمُ الجماعات والمنظمات التى ترفع اللواء الإسلامى شعاراً لها؟.. ما الذى يبقى من الشعار فى ظل نزعة ذرائعية سياسية واضحة، لا لبس فيها؟.. وهل البراجماتية أو النزعة العملية فى السياسة تمثل عطبًا أو نقيصة بينما هى جوهر العمليات السياسية وصراعاتها حول القيم والمصالح؟
هل عدم الوفاء بالعهود والاتفاقات هو سمت السلوك الإخوانى منذ التفاوض مع نائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان وتركهم للميدان، ثم تفاوضهم بعد ذلك حول صفقة خروجهم من العملية الثورية فى مقابل خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية الأولى؟.. هل يمكن اعتبار هذا سياسة ستستمر فى إطار الجماعة؟
هل جماعة الإخوان وذراعها السياسية ستستمران على هذا النحو من التماسك التنظيمى النسبى أم سنشهد تغيرات، وانشطارات وربما تحولات؟
هل الخطابات الإخوانية والسلفية صالحة للاستمرارية فى بلد متعدد؟
أين الموقع والحالة المسيحية المصرية على تعددها فى إطار مسعى بعضهم لتأسيس الدولة الإخوانية - السلفية؟
هل سيتم احترام الحقوق الشخصية والعامة للمواطنين فى المنظومات الدستورية والقانونية والممارسة السياسية والاجتماعية فى ظل الإخوان والسلفيين؟.. هل سيسيطر فكر وأيديولوجيا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على النمط الفقهى والتطبيقى الوهابى البدوقراطى النفطى على نمط الفكر والممارسة والمعاش فى الحالة الإسلامية المصرية؟
هل ستستمر الكتل التصويتية والاجتماعية للإخوان والسلفيين داعمة لهم فى الأجلين المتوسط والبعيد؟
هل تتآكل هذه الكتل كما حدث فى الانتخابات الرئاسية لاسيما فى جولة الإعادة، وفوز د. محمد مرسى بنسبة لا تصل سوى إلى نصف عدد الذين صوتوا لجماعة الإخوان فى الانتخابات البرلمانية؟
العمليات السياسية والاجتماعية وجدلياتها ستؤدى إلى التأثير على صور الحالة الإسلامية السياسية والاجتماعية المصرية. من ناحية أخرى صور الحالة المسيحية المصرية ستتغير إلى حد ما، لأن الحالة الدينية الإسلامية والمسيحية فى الجدل والصراع السياسى والاجتماعى، وعلى المصالح والقيم تؤدى إلى تغيرات وربما تحولات داخل الكتل الإسلامية التصويتية، وفى المنظمات السياسية الإسلامية؟
ستتأثر هذه المؤسسات والمنظمات وأيديولوجياتها بالحالات الصراعية والتنافسية. بصفة عامة يمكن القول إن الصراع فى إطار تعددى وديمقراطى يؤدى إلى تغييرات يرضاها أو لا يرغبها حتى الغلاة داخل أى جماعة أو منظمة دينية، أو مدنية، ومن ثم لا نستطيع حتى هذه اللحظة الاعتماد على تهديدات بعض الغلاة لنمط الحياة الحداثى وما بعده واللذين يشكلان مع أنماط ما قبلية إلى تغيير وجه الحياة فى مصر!
من هنا نحن أمام عنف التجربة الضارية لوافدين جدد على ساحة السياسة التى عادت من موتها طيلة أكثر من ستين عاماً مضت.
إن أخطاء بعضهم الخطيرة فى الفكر والممارسة السياسية والبرلمانية ليست قصراً على الإخوان والسلفيين وآخرين فى التيار الإسلامى.
نحن أمام ظاهرة عامة لغلظة الممارسة السياسية لتمرينات السياسة للمبتدئين؟ لنخب ذات تكوين محدود أو مبتسر لدى بعض الفاعلين والأشخاص الجدد، بل بعض القدامى. من هنا علينا أن نتحمل بعض الأخطاء والخطايا السياسية لمجموعات تلعب السياسة بلا قواعد وربما بلا تصورات لدى بعضهم!
هل ستتأثر التجربة المصرية بالفائض الحداثوى والتحديثى المصرى؟ ربما، لأن مواريث الدولة ومنطقها وثقافتها ستلعب دوراً فى عمليات تشكيل صور الإسلام السياسى فى الدولة وربما المجتمع فى المراحل القادمة، وذلك رغم تجريف بعض من هذا الفائض التاريخى فى ظل وهن وتآكل بعض مكونات الدولة الحديثة ومؤسساتها؟