منذ صغر سني ومع بداية الوعي أدركت أن للسعدني الكبير «رحمه الله» أصدقاء لا حصر لهم، فيهم الكبير والصغير ومنهم الغني والفقير وصاحب النفوذ وصاحب المرض والحاجة ولكن الأهم من ذلك كله أن أصدقاء الولد الشقي كانوا خليطا ما بين الأقباط والمسلمين ولم يكن هذا تنافرا ولكنه مثل ثراءً لا مثيل له، كان السعدني يحب إلي درجة العشق أحد أصدقائه واسمه سامي داود وكان رفيقا لرحلة الهنا والشقاء والبدايات المتعثرة، وعندما مات هذا الرجل حزن عليه السعدني وبكي وظل في حالة حداد لفترة طويلة من الزمان وكان هناك أيضاً العم فيليب جلاب صاحب القلم الساحر الرشيق، لم يكن صديقا للسعدني وحده ولكن الصداقة امتدت إلينا نحن هالة وأمل وهبة وحنان وشخصي الضعيف ولأن فيليب جلاب من أقرب الناس إلينا وأخلصهم إسداء النصح. أما الرجل الذي عشقناه في الصغر وكبرت صداقتنا حتي رحيله من الحياة فهو العم موسي صبري ولم أعرف علي امتداد رحلة العمر رجلا في بساطة موسي صبري أو إخلاصه لعمله أو في إيمانه عما يكتب أو في حبه للآخرين، كان يعتبر أي طلب للمساعدة هو أمر واجب التنفيذ وكان قلم موسي صبري من أخطر الأقلام تأثيراً في الصحافة المصرية وكانت «الأخبار» في عهده في قمة عصرها الذهبي وعندما حل المرض بالعم موسي صبري أصابتنا جميعا أحزان لا حد لها فقد تعودنا في الصغر أن نمضي إجازة الصيف في بورسعيد معاً وكان رحمه الله يشاركنا لعب الكرة واللعبطة علي شاطئ البحر والسهر في مقاهي بورسعيد ولياليها الجميلة قبل عدوان 67 ولا أستطيع أن أنسي العم وتاج الرأس لويس جريس الذي احتضننا صغارا وكان المرشد والدليل الذي هدانا إلي الطريق الصحيح وقوم خطواتنا الأولي في الصحافة وأخذ بأيدينا وهو من أقرب الناس إلي قلب السعدني وقلوبنا جميعاً، وفي رحلة الصحافة اقتربت بشدة من الأستاذ رءوف توفيق وهو من صف الأساتذة الكبار بل المعلمين الأفاضل.. ترك هذا الرجل بصماته علي رحلتنا مع العمل الصحفي ولم يفرق بين المسلم والمسيحي فكان عطاؤه للجميع متوازناً وبلا حدود، يفيض لينهل منه الكل.. أما مفيد فوزي فهو النجم الذي اقتربنا منه وأسعدنا الحظ بالعمل إلي جواره، أستطيع أن أقولها بكل الصدق إنني تعلمت منه واستفدت منه ربما بعشرات أضعاف المرات قدر ما استفاد منه بقية الزملاء من الأقباط وعندما أتعرض لصداقات في الحياة أجد أن أكثر من نصفها علي أقل تقدير هي من الأصحاب الأقباط الطيبين المسالمين المحبين لهذا الوطن، العاشقين لترابه، الساعين لخدمته في صمت ودون ضجيج وبلا متطلبات وأنظر حولي فأجد رشاد كامل الذي تشرف برئاسة تحرير «صباح الخير» ولم نشعر أن هناك تفرقة أو انحيازاً أو اضطهاداً لجانب علي حساب آخر فالكل تجمعهم الصداقة وتربط بينهم زمالة وسنوات طويلة من العمل والذكريات ولقد كانت مجلة «صباح الخير» دائماً بالنسبة إلي الجميع تنويراً من أرض مصر الطيبة ومن شعبها المحب للحياة فيها امتزج القبطي بالمسلم وارتبطا برباط مقدس ليس له نظير في أي مجتمع آخر علي وجه المعمورة.. نسأل الله أن يحمي هذه الأرض الطيبة المباركة وأن يحفظها من كل شر. سلمت يامصر بأقباطك الذين هم جزء من نسيج هذه الأمة ومسلميك الذين دافعوا عن أقباط مصر وأسبغوا عليهم الحماية منذ عمرو بن العاص وحتي يومنا هذا.