رحل الولد الشقي كما كان يطلق علي الكاتب الكبير, فقد عاش حياة طويلة عريضة مليئة بالاحداث الجسام وظل مشاركا فيها بالسلب او بالايجاب بشكل ما طيلة حياته التي جاوزت الثمانين عاما.. وهذه المشاركة تظل اهم مايتبقي من الكاتب الكبير. وهذه السنوات التي تقترب من قرن كامل شهدت مصر فيها العديد من الاحداث المهمة المهمة المليئة بالاحداث المبهجة المليئة- في الوقت نفسه_ بالاحداث المؤلمة, ومن هنا, كان نصيب المواطن المصري الذي نشأ فيها نصيبا كبيرا, خاصة, وان هذا المواطن رفض ان يكون متفرجا في مقاعد المتفرجين, بل هبط الي الساحة وحاول المشاركة فيها.. هبط الي الساحة حين كانت مصر تعج بالكثير من الاخطار خاصة في مجال الصحافة الذي اختاره ليعمل فيه وشهد اختياره_ كمايقول هو_ من شارع محمد علي_ اي من هذا المكان الذي كان يعج بالكثير من المدعين والنصابين الذين كانوا يسعون الي امتهان مهنة الصحافة والكتابة فيها والعمل بها بشكل اقرب الي الهزل منه الي الجد. وهو لهذا بدأ من البداية التي كان يستشهد بها دائما كلما ذكره احد بعالم الصحافة, فهذا العالم الذي سمع_ فيمابعد_ انه ينتمي الي بلاط صاحبة الجلالة, كان ينتمي لديه الي عديد من الشوارع والاحياء الشعبية التي ينتمي اليها الانسان البسيط وليس الانسان الانيق في مكان بعيد عن الجماهير, قريبا من البشر الحقيقيين وبعيدا في تعبيره الذي ردده كثيرا عن' النصابين والأفاقين', ومن هنا, كان لابد ان يودع البلاط الملكي للصحافة كما سمع عنها الي هذا الواقع الحقيقي الذي لم يمارسه الا بالتعبير القاسي العنيف ضد الظلم والفساد قبل ثورة يوليو, ومن هنا, سعي' الولد الشقي' للعمل منذ البداية في صحف ساخرة حادة ودور نشر عامة مثل الكشكول' التي أصدرها مأمون الشناوي وتتلمذ علي يديه إلي أن أغلقت أبوابها. ثم جريدة' المصري' لسان حال حزب الوفد آنذاك, وعمل أيضا في دار الهلال والمصور مرورا بصحف ثورة يوليو كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية حاول ان يعبر فيها عن الانسان البسيط البعيد عن كراسي الحكم والحاكمين. وعلي هذا النحو كان واعيا اشد الوعي بالمكان الذي يختار الاستمرار فيه لصالح الشعب, انه ليس بالضرورة بالنيابة عن مؤلف النص او صاحب هذا العرض وانما هو_ في المقام الأول- بالنيابة عن اللاعب الوحيد في الساحة, وهو الشعب, ومن هنا, حاول الولد الشقي استخدام ادواته للتعبير عن الرمز(الشعب) اكثر من هذا المسئول او ذاك, وهو في هذا كان واعيا واضحا لهذا الدور حين قال انه اذا كان هذا المثقف او الصحف يعمل سفيرا لصالح الحاكم علي المستوي العالمي, فانه_ الولد الشقي محمود السعدني_ يظل سفيرا لعبدالناصر لدي الشعب المصري في الداخل'; فقد كان واعيا اشد الوعي للتكوين المصري الانساني العميق.. لقد عمل الولد الشقي في العديد من الصحف الرسمية حتي بعد ثورة يوليو, لكنه كان واعيا اشد الوعي بالدور الذي يجب ان يلعبه الانسان المثقف, الدور الذي يجب ان يكون مع_ وليس ضد_ الجماهيرالشعبية, خاصة, انه امتلك ادوات هذا الولد الشقي الساخر العنيف في مواجهة الظلم والكبت التي عرفتها البلاد لسنوات بعيدة.. وعلي هذا النحو, فان وعي السعدني_ رحمه الله_ جاوزالكتابة التقليدية الي جزر الكتابة والهدف منها, فلم يهتم بالمنصب او يكتفي باللقب, وانما آثر ان يهبط من مقاعد المتفرجين الي الساحة ليكون مع الشعب عنيفا في استخدام اللسان لكنه العنف الذي يسمح له ان يظل عنيفا في استخداماالعقل اي يكون مع الناس العاديين ومع همومهم. ** وبعد, محمود السعدني, لقد رحل بجسده, لكنه مازال بيننا.. الولد' الشقي' الواعي, الذي آثر ان يترك مقاعد المتفرجين الي صالة الحياة, حيث الشعب ينتظر من يعبر عنه.. رحم الله الكاتب الكبير