اكتشف بلدك من جديد.. فكرة بدأناها أنا وزملائي بالمجلة.. ولتكن دعوة إلي كل محبي «أم الدنيا» فهي تستحق منا كل الحب لكي نحافظ علي كل ما تركه لنا أجدادنا من أجل الأجيال القادمة. بعد الانتهاء من مشروع ترميم وتطوير دير الأنبا أنطونيوس بالزعفرانة محافظة البحر الأحمر الذي يعد أول دير أنشئ في العالم ..ينسب هذا إلي الأنبا أنطونيوس أول الرهبان في العالم وأب جميع الرهبان. لذلك كان لابد من زيارة لهذا المكان الجليل . • بداية الرحلة يصحبنا في هذه الرحلة الأستاذ فرج فضة الذي يشرح لنا أن تاريخ إنشاء الدير يعود إلي القرن الرابع الميلادي، ويتكون من سبع كنائس هي «كنيسة الأنبا أنطونيوس، كنيسة الرسل، كنيسة السيدة العذراء، كنيسة الملاك، كنيسة بولا، كنيسة القديس مرقص» فيما تعد كنيسة الأنبا أنطونيوس هي أقدم مباني الدير، ويتكون الدير من ثلاثة طوابق، ويمكن الوصول إلي صحن الدير عن طريق قنطرة علوية تمتد إلي المبني المجاور له، فيما يحيط بالدير سور استراحة ومتحف وعدد من القلايات يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار يضم بداخله العديد من المباني الأخري. من ناحية أخري أوضح فضة: إن كنيسة الأنبا بولا بدير الأنبا أنطونيوس تحتوي علي العديد من الرسومات الجدارية رسمت عام 1713م بواسطة أحد الرهبان، استعمل في ألوانه أكاسيد طبيعية تم الحصول عليها من الجبال المحيطة. وأشار إلي أنه رغم بساطة هذه الرسومات فإنها واضحة وجذابة ومنها رسومات للسيدة العذراء، ورسومات أخري يرجع تاريخها إلي بداية القرن الثالث عشر الميلادي 1231-1232. ويقع الدير علي سفح جبل الجلالة القبلي بصحراء العرب علي مساحة 18 فدانًا، وتأسس هذا الدير في القرن الرابع الميلادي 361-362م وتضم مكتبته 1438 مخطوطة يرجع معظمها إلي القرن ال13 الميلادي، وقد تم العثور علي أقدم نموذج من اللغة القبطية في هذا الدير والتي كانت عبارة عن مجموعة كتابات وجدت تحت كنيسة الرسل التي تعتبر الأقدم بين كنائس الدير المكون من ست كنائس. وكان المجلس الأعلي للآثار قد انتهي من ترميم دير الأنبا أنطونيوس، بالإضافة إلي الانتهاء أيضا من ترميم دير الأنبا بولا بعد صيانته. • مصر أم الرهبان «إن اردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط للفقراء وتعال اتبعني فيكون لك كنز في السماء» من إنجيل متي الإصحاح 19 الآية 21 هكذا نشأت الحركة الرهبانية في مصر وانطلقت منها إلي ربوع العالم ومن هؤلاء الأنبا أنطونيوس وكان أول دير في مصر يحلو لمؤرخي الغرب العلمانيين أن يجعلوا الهروب من الاضطهاد واحداً من بين أسباب نشأة الرهبنة في مصر أثناء الحكم الروماني والحقيقة التي تتردد بين صفحات التاريخ الكنسي تبين عكس ذلك حيث كان الرهبان هم دائما في مقدمة أشجع المسيحيين الذين قابلوا الاضطهاد بشجاعة نادرة ولم تنشأ الرهبنة بسبب الخوف من السيف بل انطلاقاً من مبدأ إيماني مسيحي وكان الأنبا أنطونيوس أكبر دليل علي صحة هذا الكلام وهو يعد اول الرهبان في مصر والعالم ولد في سنة 251 ميلادية بقرية كوما - كمن العروس حاليا بمدينة هيروقليبوليس ماحنا حاليا مركز الواسطي بمحافظة بني سويف. ثم توفي والداه وعمره حوالي 20 عاما وكانت له أخت صغيرة قام علي رعايتها بدلا من والديه وكان القديس أنطونيوس يداوم علي الصلاة بالكنيسة وذات يوم أثناء صلاته سمع الآية التي تقول «إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط للفقراء وتعال اتبعني فيكون لك كنز في السماء» فانتبه القديس أنطونيوس لهذا القول واعتبر أنه قرئ خصيصا له فخرج من الكنيسة وباع ممتلكاته التي ورثها بعد وفاة والده ثم وزع ثمنها علي الفقراء والمحتاجين محتفظا بالقليل لأخته الصغيرة التي أودعها في بيت لرعاية العذاري وتفرغ هو للنسك والعبادة بعد أن تلقي تعاليمه الدينية في مدينة أرسينوي بالفيوم ثم سافر بعد ذلك إلي الإسكندرية في أعقاب فترة اضطهاد مكسيميانوس قيصر دقلديانوس للمسيحيين عام 311 ميلادية. عندما وصل القديس أنطونيوس إلي الإسكندرية ذهب للسجون ليتفقد المقيدين والمسجونين بها وكان يتنكر بينهم حتي لا يعرفه أحد من الحرس ليشجعهم ويعزيهم ويشد من أزرهم وعندما كان يأتي الجند لنقل المسجونين لأماكن الإعدام كان يذهب معهم ويعضدهم ويقوي من إيمانهم وبعد أن هدأت الاضطهادات عاد القديس إلي خلوته في البرية بمكان قرب النهر حيث شيد هناك دير الميمون وظل به حوالي 20 عاما قضاها في النسك والصلاة .. وعندما عرف الناس مكانه أتي عدد كبير منهم لزيارته والتردد عليه فقرر ترك المكان خوفا من أن يصيبه الغرور ففكر أن يتجه إلي طيبة العليا حيث لا يعرفه أحد وبينما هو يفكر في هذا الأمر سمع صوتا من السماء يقول : '' إذا كنت ترغب حقيقة في الهدوء فارتحل إلي الصحراء الداخلية فوجد بعض البدو علي وشك الرحيل في ذلك الطريق فتقدم منهم وسألهم ليذهب معهم إلي الصحراء وقبلوه بكل ارتياح كأنهم تلقوا أمرا من العناية الإلهية وسافر معهم متوغلا في الصحراء الشرقية مسيرة ثلاثة أيام وثلاث ليال حتي وصلوا لمكان أحبه القديس أنطونيوس فسكن في مغارة بمفرده وكان يأكل من ثمار النخلات الموجودة بجوار عين مياه عذبة يشرب منها كانت تنساب من بطن الجبل .. مازالت هذه العين تنساب حتي الآن من بطن الجبل وهي المصدر الرئيسي لمياه الشرب للرهبان والزوار وبعد أن ظل القديس في هذا المكان عدة أعوام يدرب نفسه علي الوحدة والنسك والصوم والصلاة وفي تعلم علوم اللاهوت والعقيدة وتفاسير الكتاب المقدس أراد الله أن يجعله مصباحا وقدوة للناس ومنحه موهبة الشفاء وإخراج الأرواح الشريرة فذاع بذلك صيته وصار الناس يذهبون إليه من كل مكان ورغب كثيرون منهم أن يقيموا بجواره ويتمثلوا بسيرته وبعد إلحاحهم المستمر وإصرارهم علي البقاء معه في هذا المكان استجاب لطلبهم مما جعله يشيد لهم مكانا للعبادة والسكني ووضع لهم قوانين ونواميس ليسيروا بموجبها وكانت هذه هي بداية تأسيس أول دير في العالم .. وقد أسس ايضا القديس أنطونيوس ديرا بالفيوم عام 305 ميلادية وتوفي عام 356 ميلادية بعد حياة حافلة بالعطاء للدين المسيحي استمرت أكثر من 106 أعوام.. ومنذ إنشاء الدير حتي الآن مازال المصريون والأجانب يأتون إليه من كل مكان لعلهم يأخذون جزءاً من حكمة هذا الراهب العظيم . حقا إن مصر أم الدنيا بما فيها من آثار لكل الأديان علي مر العصور .