قبل سنوات قليلة كان النجوم يكررون دائما أن الفرق بين السينما والتليفزيون أن الجمهور يذهب باختياره لدار العرض، بينما المسلسلات تدخل على الناس بيوتهم بالتالى يجب أن تراعى حرمة هذه البيوت والأطفال الذين يشاهدون هذه الأعمال بجوار آبائهم، الآن عندما يحتج أحد على ما وصل إليه الحوار فى بعض المسلسلات يقولون إن المشاهد بيده ريموت كونترول ويمكنه الذهاب إلى محطة أخرى فى ثانية واحدة.. وهو كلام حقيقى بكل تأكيد لكن ما يراد من ورائه باطل. لماذا لم تعد حجة الريموت كونترول ذات قيمة؟، لأسباب عديدة أولها أن القنوات الفضائية باتت تهتم أكثر بالمسلسلات التى تكثر فيها التوابل من ألفاظ وايحاءات ورقصات ويتكرر عرضها على معظم القنوات وهى ظاهرة زادت بشدة هذا العام فمسلسلى «العار» و«زهرة وأزواجها الخمسة» على سبيل المثال يتم عرضهما على 10 قنوات فضائية مصرية وعربية على الأقل، بالتالى إذا استخدمت الريموت ستجد نفسك محاصراً بين عدد قليل من الأعمال والبحث عن المسلسلات الهادفة سيكون مهمة صعبة حتى أن هناك من الجمهور من استسلم لبعض المسلسلات لأن ما يريده غير متاح أمامه، فمسلسل هادف مثل «ماما فى القسم» يعرض فقط عبر التليفزيون المصرى وقناة الراى، ومسلسل له أهمية سياسية مثل «الجماعة» أيضا متوافر على التليفزيون المصرى والقاهرة والناس، وهكذا كلما زادت أهمية العمل قل انتشاره. سبب آخر يدحض حجة الريموت وهى أن المشاهد إذا غير المحطة عندما يفاجئ باللفظ الجارح أو المشهد الفاضح فإنه يفعل ذلك بعد «وقوع الفاس فى الراس» كما يقولون، ثم ليس مطلوباً من المتفرج أن يمسك بالريموت ويظل مستعداً طوال الوقت خوفاً من أن يسمع أطفاله تعبيراً يفشل هو فى تفسيره. والكلام على حجة الريموت يتكرر مع اسطوانة الواقعية المشروخة التى يتشبس بها الكثيرون هذه الأيام وكأن الدراما هدفها نقل ذوق الشارع للناس، بدلا من الارتقاء بهذا الذوق وتقديم النماذج الإيجابية والتحذير من النماذج السلبية لكن دون خدش حياء المشاهد. المفارقة أن أحداً من صناع هذه المسلسلات لو تعرض لموقف محرج وتعدى عليه أحد باللفظ فى الشارع وحكى ما حدث له لأصدقائه فإنه بالتأكيد لن يكرر الشتيمة التى لحقت به كما نفعل جميعا، لكنهم لا مانع لديهم بحجة الواقعية أن ينقلوا الألفاظ عبر شاشة التليفزيون للملايين، بينما كانت أفلام زمان تقدم الأحياء الفقيرة وأصحاب الأخلاق الفاسدة فى قالب درامى محترم لأن الدراما ليست فيلماً وثائقياً كما يدرك الجميع. و«صباح الخير» عندما تفتح هذا الملف لا تقود فقط من تلقاء نفسها مبادرة لتقييم سلبيات دراما هذا العام، لكنها تنقل رأى الناس لصناع تلك المسلسلات، الذين للأسف يطلقون تصريحاتهم الدفاعية طوال الوقت، بينما المشاهد الحقيقى لا يجد من يسمع صوته، حتى استطلاعات الرأى يتم تفصيلها على حسب أهداف كل قناة، وحتى لو كانت حقيقية فهى تتكلم عن الأفضل دائما لا الأسوأ أيضا، تتكلم عن ما يفضل الناس مشاهدته، لا عن المسلسلات التى صدمت الجمهور خصوصا من لديه أطفال يسألون عن كل كلمة غريبة تصل لهم من خلال شاشة التليفزيون. الأمثلة على التجاوزات اللفظية وغيرها كثيرة جدا فى رمضان هذا العام، فى مسلسل «الحارة» على سبيل المثال يضرب «فتوح أحمد» ابنه بعدما اكتشف تعاطيه المخدرات، لكنه بين كل ضربة وأخرى يوجه له الشتائم المتكررة وكأن شتيمة واحدة لا تكفى، الأمر نفسه يتكرر مع «عبد الله مشرف» وابنه فى نفس المسلسل، وهو العمل الذى ضرب رقمًا قياسيًا فى نقل الألفاظ المسفة من الحارة إلى التليفزيون، من بينها على سبيل المثال كلمة «تعويرة» التى عرفنا أخيرا أنها صفة للفتاة المنحرفة «تخصص سيارات» كما تظهر فى المسلسل، ولو كان الآباء يضربون أبناءهم فى الحارة، فهناك مسلسلات أخرى نجد فيها تعاملاً غريبًا بين الابن والأب أو الأم، نقول غريبًا وليس عنيفًا، فى مسلسل «بالشمع الأحمر» لا يجد محمد إمام غضاضة فى أن يقول لوالدته يسرا بصوت مرتفع «إطلعى برا وسبينى لوحدى» وفى مسلسل «نعم مازلت آنسة» تقول منة فضالى لوالدتها «قومى البسى خلصينى» فترد الأم بالمستوى نفسه «أخلصك ليه هو انتى على ذمتى» ؟ أما الإيحاءات الجنسية فحدث ولا حرج، فالفياجرا منتشرة فى مسلسلات هذا العام، ولو تكلم عنها الأبطال بشكل مباشر لكان ذلك أفضل كثيرا من التلميحات التى يرى أصحابها أنها كوميدية فقط، كما رد أحمد عيد على مشهد الرجل العجوز الذى يطلب الفياجرا فى الصيدلية وهو المشهد الوحيد الذى ظهر فيه هذا الرجل أى أن الاستعانة به فقط لزوم الإيفيه كما يقولون، وفى «الفوريجى» لأحمد آدم ورزان مغربى علَّق الكثيرون على المشهد الذى تقول فيه رزان «أنا بنت بنوت ونفسى أكون ست الستات» ليرد عليها آدم قائلا: «طب يالا تعالى أخليكى ست الستات»، وأثناء قوله لهذه الجملة انقض عليها فى محاولة لاحتضانها وتقبيلها ليكمل حديثه قائلا لكن للأسف مش هينفع أعمل كده فى النور!، فيما لم يجد صناع مسلسل «منتهى العشق» أى مشكلة فى ظهور إحدى الممثلات فى برومو المسلسل وهى تستحم وتضع الوشم على كتفها الأيسر، فما علاقة هذه اللقطة بمضمون المسلسل لا أحد يعلم وهل نجحت فعلا فى جذب الجمهور وهل هى اعتراف من صناع العمل بأنهم بحاجة لهذه اللقطات لجذب الناس وكأن الأبطال والقصة ليسوا على المستوى المطلوب؟ أما مسلسلى «زهرة وأزواجها الخمسة» و«العار» فما نشر عن كمية المشاهد التى حذفتها رقابة التليفزيون من مشاهد كافٍ لتخيل حجم ما كان سيتعرض له المشاهد من تلك المسلسلات لكن يجب التذكير بأن رقابة التليفزيون ليس لها سلطة على القنوات الفضائية الخاصة، ونحن بدورنا لا نطالب أبدا بزيادة الرقابة بالعكس نطالب صناع هذه المسلسلات بأن يفوتوا الفرصة على المنحازين للرقابة الشاملة المشددة على الأعمال الفنية بأن يقدموا ما يفيد الناس ويرتفع بالذوق العام ويعرفوا لماذا غضب الجمهور من مسلسلات هذا العام بالتفصيل فى هذا الملف.