- فى أكثر من مرة تجمعنى جلسة مع مجموعة سيدات من الحاصلات على أعلى الشهادات تفاجئنى إحداهن بآراء غريبة من عينة ماذا تريد المرأة أكثر من هذا؟ ولماذا تجاهد فى سبيل أن تحصل على وظيفة أخرى تضاف إلى ما حصلت عليه؟ أو لماذا تريد أن تزاحم الرجال فى هذه الوظائف؟ وأن أكرم لها أن تقبع فى بيتها وتحتمى به.. والمفاجأة الأغرب أن أجد أغلب الموجودات يوافقنها على هذه الآراء، وأجدنى أكاد أكون أنا الوحيدة المعترضة وتتحول الجلسة إلى هجوم علىَّ وعلى هذه الأفكار «اللى جابتنا ورا» على حد تعبيرهن، ترى، ماذا حدث لعقول النساء فى مصر هذه الأيام ؟؟ سؤال مرعب والإجابة عليه أكثر رعباً، لأن ما حدث هو عملية تخريب متعمد وإهدار لجهود نساء ورجال تحدوا الجمود والتخلف حتى تصل المرأة إلى هذه المكانة منذ أكثر من قرن مضى.. والآن ونحن نحتفل بأكثر من عيد للمرأة، ربما يكون من الواجب إلقاء بعض الضوء على هذه الجهود، لعل بنات اليوم ونساءه يدركن حجم الردة وغياب الوعى الحادث لهن اليوم، وبالمرة نقول لهؤلاء العظماء شكراً .. ياريت كنتم بيننا الآن. - رفاعة الطهطاوى كان أول من فطن إلى أهمية أن يكون للمرأة دور فى المجتمع، وكأن كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين» قنبلة موجهة للعقل المصرى آنذاك، وفيه دعا إلى التعليم المختلط للفتيان والفتيات واعتبره ضرورة من أجل «تسهيل وتحسين عملية عقد القران». كما أكد على أن «تعليم المرأة يجعلها قادرة على مشاركة الرجل فى الأحاديث وتبادل الآراء، ويعزز مكانتها فى قلوب الرجال، ويحميها من الهلاك فى وهدة الأوهام والطيش فتتحول من امرأة جاهلة إلى متعلمة». وأدرك أيضاً أهمية الدور الإنتاجى للمرأة، فربط بين التعليم والعمل بقوله: «إن التعليم يساعد المرأة لأن تحدد لنفسها مكاناً فى الحياة، يعوِدها على العمل، فالعمل فى الحقيقة، يصون المرأة ويدنيها من الفضيلة، وإذا كانت بطالة الرجل مدانة فإنها عار كبير بالنسبة للمرأة». - وجاء قاسم أمين ليخطو بهذه الأفكار خطوات واسعة عندما أخضع قضية تحرير المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية للمنطق العلمى، فقد كان من المؤمنين بتطبيق مبادئ المنهج العلمى عند تناول قضايا المجتمع والأسرة، فرأى أن «الحضارة تبنى على العلم الطبيعى والرياضى، لأنه إذا تقدم العلم وظل الفكر على حاله نتيجة لتمسك الناس بقديمهم وتراثهم كما هو حادث اليوم فهنا تحدث الازدواجية والخلل فى المجتمع»، وقد أراد قاسم أمين أن يصلح الخلل القائم فى مسألة المرأة بناء على ما أثبته العلم الطبيعى الحديث من أن المرأة مساوية للرجل عقلاً، وأكد على أنه إذا كانت هناك ثمة اختلافات فيزيولوجية وتشريحية بين الرجل والمرأة فإن هذه الاختلافات لا تعنى البتة أن الرجل أفضل وأرقى من المرأة، ولا يرجع هذا الاختلاف إلى الفوارق الطبيعية إنما إلى الاختلاف فى التربية مما تراكمت آثاره عبر الأجيال، فأدت إلى التباين بين الجنسين، فالفارق قد صنعته فى الأساس الظروف الاجتماعية التى استمرت دهراً طويلاً وفرضت على المرأة هذه المكانة المتدنية. - وكانت دعوته إلى رفع الحجاب مرتبطة إلى حد بعيد بالدعوة إلى المشاركة الاجتماعية للمرأة فى مختلف نواحى المجتمع، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما تناول تناولاً علمياً تأثير الحجاب فى البناء النفسى والجسدى والعصبى للمرأة فيقول: «إن الحجاب من شأنه أن يخل بنظام الجسد، وهو يضعف الأعصاب، مما يجعل القوى النفسانية تختل». وفوق كل هذا فقد رأى أن الحجاب هو بمثابة أثر من آثار الاستبداد الذى كبل الحياة السياسية المصرية لمدة طويلة. فقد فُرض الحجاب - فى رأى قاسم أمين - قديماً على المرأة لإعلان ملكية الرجل لها واستئثاره بها، أما الآن، وقد مضى هذا الاسترقاق إلى حال سبيله، فكيف نقبل أن يظل مظهره موجوداً فى مجتمعنا. إن الخلاص من الحجاب بمعناه الكريه أول خطوة فى سبيل حرية المرأة وتقدم المجتمع. ويقول: «انظر إلى البلاد الراقية تجد أن المرأة فى رق الرجل، والرجل فى رق الحاكم، فهو ظالم فى بيته مظلوم إذا خرج منه» ويضيف: «إنه لا الإسلام، ولا طبيعة الأشياء، ولا خصائص ضعف المرأة وقصورها، هى التى ميزت بين الرجال وبين النساء وإنما هو الاستبداد الذى جعل من المرأة إحدى فرائسه، فكبلها بالقيود والأغلال، ومن ثم فإن تحررها مرتبط بتحرر الرجل من الاستبداد، أى بتحرر المجتمع ككل». - هذا ولم يفت قاسم أمين تناول مسألة عمل المرأة واستقلالها الاقتصادى، إذ يقول: «لو تبصر المسلمون لعلموا أن إعفاء المرأة من أول واجب عليها، وهو التأهل لكسب ضرورات الحياة بنفسها، هو السبب الذى جر ضياع حقوقها، فإن الرجل لما كان مسئولاً عن كل شىء، استأثر بالحق فى التمتع بكل حق، ولم يبق للمرأة حظ فى نظره إلا كما يكون لحيوان لطيف يوفيه صاحبه ما يكفيه من لوازم تفضلاً منه، على أن يتسلى به». - وعلى عكس قاسم أمين الذى حاول أن يطرح القضية طرحاً علمياً مستنداً إلى المنهج العلمى فى دراسة التاريخ والمجتمع، سعى محمد عبده إلى التوفيق بين العلم والدين، ولم يقف عند حد الدعوة، بل تجاوزها بإصدار العديد من الفتاوى التى تمتعت بالروح الليبرالية وبالرغبة فى إظهار الإسلام كدين يتلاءم ومتطلبات العصر، وذلك خلال الفترة التى شغل فيها منصب مفتى الديار المصرية. ففى دعوته إلى تحرير المرأة وقف بشكل خاص ضد مسألة تعدد الزوجات وسعى إلى حلها بالشكل الذى يتناسب وروح الشريعة، انطلاقاً من إيمانه بأن «خليص العالم الإسلامى من الانحطاط» يتوقف على توجيه الجهود لإصلاح العلاقات الأسرية الزوجية. وقدم آراءه فى مسألتى النفقة وفسخ عقد الزواج فى دراسة مستندة إلى الشريعة وصاغها فى إحدى عشرة نقطة، كانت أهمها الخاصة بإعطاء المرأة حق فسخ عقد الزواج إذا تصرف معها الزوج بقسوة أو سمح لنفسه بضربها أو شتمها. وقد أثرت هذه الفتوى تأثيراً كبيراً فى تشريعات البلدان الإسلامية الأخرى