تخرج زوجتى من غرفة النوم وابننا تيم يقفز أمامها، وتسألنى: كيف ترى الصبى؟ أنظر إلى الصبى من أعلى إلى أسفل. من الواضح أننى كنت أتوقع هذا التحول. ومع ذلك كان بمثابة صدمة. قبل ساعة كان يرتدى ملابس اللعب، يتتبع الغزال عبر الأعشاب الطويلة فى الحديقة. والآن، يبدو فى زى المدرسة شخصا آخر. وهو أمر مقلق. فقد بدا بالنسبة لى شخصا مختلفا. أجبت عن سؤالها: بالفعل غريب. تطلع تيم إلينا وتساءل: كان فعلا يبدو غريبا. قلت: أنت لا تبدو غريبا. رؤيتك مرتديا الزى المدرسى هى الغريبة. هذا ما فى الأمر. وقالت له زوجتى: بابا يمزح فحسب، تبدو أنيقا للغاية. اذهب الآن واخلعه قبل أن يتسخ. يعود تيم إلى حجرته وهو مازال متحيرا. تدير زوجتى المقعد وتطلب منى أن أكون إيجابيا، فسألتها عم تتحدثين؟ أجابت بقولها: أعرف أنها لحظة صعبة بالنسبة لك، لكنه أول أيام المدرسة بالنسبة له. إنه بحاجة لأن يدرك أنك تدعمه. هكذا رددت عليها: بالطبع أدعمه. كل ما كنت أقصده أننى أراه غريبا فى هذا الزى. وعلى كل حال، يبدو كما لو أن الصبى استدعوه لأمر ما، مثل التجنيد للخدمة العسكرية، فتصرخ زوجتى: إنها روضة الأطفال، وليس الجيش. فنحن سنسترده فى نهاية اليوم. بالنسبة لها أنه أمر لطيف، أن تراه فقط فى نهاية اليوم. لكننى اعتدت على أن يكون حولى. تقول فى سخرية: لن تستطيع أن تجعله يجرى حول الحديقة معك بقية حياته. ثم تذهب لتؤدى بعض المهمات وتتمدد على الأريكة محملقا فى التليفزيون. عند بدء الدراسة يتصرف الناس كما لو أن هناك شيئا جيدا يحدث، الليلة قائظة الحرارة، ولا أستطيع النوم. وعندما أبعد الغطاء عنى، يبدو أننى أستطيع أن أشعر بتغيير كبير يحدث فى الظلام من حولى، شىء ضخم وبطىء وقاس، مثل سفينة تدور فى ميناء. والزمن يدور، كما لو كان ناقوسا ميتافيزيقيا، فالصيف يصبح شتاء، والصبى ماذا سيصبح. وماذا أكون أنا؟ وفى الصباح التالى، كانت زوجتى تضج بالانفعال عند الإفطار. وظلت تقوم من مقعدها لالتقاط صور للصبى ويتصل والدها، كما يتصل والدى، ويبلغوننى كم ينبغى أن أكون فخورا. وربما كنت فخورا. نسيت فقط منذ فترة طويلة كيف تبدو مشاعر الفخر. فغالبا ما كنت أشعر بالخوف. وتيم بالنسبة لى لا يبدو صبيا كبيرا، على الرغم مما يقولون. وهو يبدو اليوم فى زيه متضائلا، طفلا أكثر منه فى أى وقت مضى. تلقى زوجتى نظرة على ساعة الحائط، وتقوم. تقول: حسن، من الأفضل أن نسرع، أليس كذلك يا تيم؟ أنت لا تريد أن تتأخر فى يومك الأول! أجلس هناك بينما هى ترفع الأطباق من فوق المائدة، وأسمع صوت مفاتيح السيارة وهى تخرجها من حقيبة يدها. ثم أسمع نفسى أقول: دعينى أوصله، اسمحى لى. فتجيب زوجتى: لا بأس. سوف أوصله فى طريقى إلى العمل. ولكننى أصر على أننى أريد ذلك. ثم إن المدرسة فى الاتجاه العكسى للعمل. وستكون حركة المرور سيئة. تفاجئنى بعرض أن أذهب معها فى السيارة، فأقترح أن أتمشى معه. سوف يستغرق ذلك عشر دقائق. تقول: وماذا لو أمطرت الدنيا؟ ثم ترضخ على مضض. أقول فى ابتهاج زائف، اتفقنا، لنبدأ هذا الأمر! يطلق الصبى صيحة فرح، ويقفز عاليا ثم ينطلق إلى الصالة حيث حقيبته الضخمة. تقول لى زوجتى، من دون أن تبذل جهدا لإخفاء استيائها: هل ستوصله إلى هناك مباشرة؟ تظاهرت بأننى لم أسمع، وأخذت معطفه من على المقعد، ثقيل ورمادى مثل بقية الزى. تزم شفتيها معا، ثم تحيلهما إلى قبلة من أجل تيم. وتقول له: سوف تمضى وقتا رائعا، وسوف يكون لديك الكثير من الأصدقاء! ثم تغلق الباب بعد أن توجه صوبى نظرة إنذار أخير. وفى الطريق، يسألنى تيم: هل هى تشبه مدرسة الحضانة؟ أقول له: ليس بالضبط فيسأل من جديد: لماذا يذهب الناس إلى المدرسة؟ ألم تخبرك والدتك؟ بلى، قالت فقط إن الجميع يذهب.. حسن.. هم يذهبون ليتعلموا. ليتعلموا ماذا؟ ليعرفوا العالم وما هو السبب؟ أتردد. أتذكر ما قالته زوجتى عن ضرورة أن يكون المرء إيجابيا. أريد أن أكون إيجابيا. أقول: «حتى يعلموا. حتى يستطيعوا الحصول على وظيفة عندما يكبرون. يتفكر تيم للحظة، ثم يقول: هل ذهبت إلى المدرسة يا بابا؟ بالطبع. لكنك لا تعمل. أقول: أنا آخذ راحة. ثم توقفت. ولم يقتنع تيم بهذا. يقول: إذا أنا الآن فى المدرسة، فهل ستحصل على وظيفة جديدة؟ هذا هو المقرر. هل ستعود ترسم المبانى وتشيدها؟ نعم يوجد بالفعل الكثير من المبانى يا والدى. أقول: أعلم ذلك. توجد بنايات فى كل مكان. هذا صحيح إذا لماذا يريدون مبانى جديدة؟ لأن.. هذه المبانى سوف تصبح قديمة؟ متى؟ متى ماذا؟ متى ستصبح قديمة؟ قريبا؟ أضحك قائلا لنفسى: لقد حاز موهبة أمة فى الاستجواب. ولكننا الآن وصلنا إلى بوابة المدرسة، والسيارات تصدر أصوات قعقعة وهى تفرغ ركابها الصغار، والكاميرات تئز وتطن، رجال ونساء ينحنون لمنح أطفالهم قبلة التوديع، ويبقون هناك راكعين على الأرض المفروشة بالحصى، كما لو كانوا يركعون أمام مذبح فراخ يتسم بالقسوة. وفجأة انزعج الصبى وتساءل: لماذا يبكى هؤلاء الناس؟ أقول بلا إقناع: بعض الناس يحبون أن يبكوا. ثم، وحتى أصرف انتباهه: هل أحضرت غذاءك؟ يرد بالإيجاب، فأقول: إذا فأنت مهيأ بالكامل! سأعود عند الثانية لأخذك. استمتع بوقتك! نظر بلا حماس إلى الأطفال الآخرين وهم يعبرون البوابة. يبتعد عنى قبل أن أقول أى شىء آخر. أشاهده وهو يسير بصرامة فوق الحصى، وأتابعه وهو يعبر عتبة الباب ويختفى بالداخل. وأظل هناك شاخصا، إلى أن يغلق باب المدرسة. ويقف بقية الآباء ملوحين، ينظرون إلى بعضهم البعض بوجوه محملة بالأسى على نحو مضحك. ثم يمسحون دموعهم ويستقلون سياراتهم. وفورا تصبح الشوارع مهجورة. كما لو كانت الحياة هربت من العالم، وحتى ضوء الشمس يبدو ضعيفا وباهتا، كإضاءة شاحبة فى بيت للمسنين. ليس هناك سوى أن أعود إلى البيت. أشرع فى العودة، ثم يجذب شىء ما ناظرى. أتوقف وأعود على عقبى. وأتابع من بعد. أتابع لبعض الوقت... إنها زوجتى وراء الشجرة تراقبه وتراقبنى وفى عينيها دموع..