ما إن تحدثنا عن موضوعات كثيرة تخص الفتيات ومشاكلهن، والأمور التى تعنيهن إلا ونجد أن سوء الاختيار هو القاسم المشترك فى كل تلك القضايا. سوء الاختيار قد يوقعنا فى المتاعب والأحزان والآلام، سوء الاختيار قد يكون سبباً فى الفشل.. ولكن ما هو أكثر سوءاً هو ألا نتعلم من سوء اختياراتنا ومن خبراتنا السيئة والمريرة أحياناً. جاءتنى رسائل عديدة من فتيات يتحدثن فيها عن الألم ويتحدثن عن خوفهن من الارتباط أو الدخول فى تجربة جديدة بسبب الخوف من الألم. وإحدى هذه الرسائل كانت هى المفجر الرئيسى لموضوعنا وجلستنا المغلقة. رسالة مريم بعنوان بواقى امرأة!! قالت مريم: ربما يكون الخوف من الارتباط موجوداً لدى كثير من البنات خاصة من تعرضت منهن لمشكلة وألم سابق.. فأنا مطلقة ومررت فى زواجى بمواقف مهينة بعد أن كان الكلام السائد فى وقت الارتباط هو الكلام المعسول والوعود الوردية ثم جاء الطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، جاء الطلاق بكل ما تحمله الجملة من مشاعر حزينة.. كسر للنفس.. ومحاولة الآخر فى تحطيمى. لأننى مطلقة صغيرة ورغم أننى لم أكمل الخامسة والعشرين.. فكثير ممن حولى يقنعوننى بضرورة التفكير والارتباط والزواج مجدداً، لكننى خائفة، خائفة من الفشل مرة أخرى، وهذا لأن المجتمع ربانا كفتيات على أن من تفشل فى الزواج.. فهى امرأة فاشلة، أما الرجل فلا يحاسبه المجتمع بهذه القسوة.. وبالطبع هذه هى تركيبة النفسية العربية أو الشرقية للمجتمعات!! أما السبب الآخر.. فهو أننى غير واثقة فى هذا المجتمع الذى أفرز لنا، ويفرز كل يوم نماذج عديدة من أنصاف الرجال، حيث إننى ألاحظ أن الكثيرين منهم يملؤهم الغش والكذب والطمع والاستغلال. المشكلة الحقيقية هى أن المطلقات أمثالى اللائى سبق استخدامهن لا يلاقين سوى سوء التعامل معها سواء من رجل جديد أو من أهله أو من عدم رضا المجتمع عنها. لا أنكر أن هناك خوفاً داخلياً من فكرة الارتباط مجدداً، خوفاً من تجربة أخرى غير موفقة.. فإذا كنت خائفة فإن المجتمع يزيدنى رعباً.. لهذا كلما شعرت ببداية تجربة جديدة.. أقول فى نفسى: خلينى قاعدة معززة مكرمة عند أهلى، بلا جواز بلا وجع قلب!! المسألة لا تعنى مريم فحسب، وما طرحته مريم لا يخص التجربة التى تعرضت لها فحسب، بل إنه يطرح جوانب عديدة لمشكلات تعانى منها الكثير من الفتيات مثل سوء الاختيار، فكيف لا تكتشف الفتاة أثناء ارتباطها أو خطوبتها أن هذا الشريك- كما وصفته مريم- غشاش وكذاب وطماع ومستغل؟! هل يستطيع الرجل أن يخفى كل هذه الصفات أو يمثلها قبل الزواج؟ هل الكثير من الفتيات لا يملكن مهارة اختبار الشريك فيما قبل الزواج لمعرفة شخصيته وتفهم سلوكه ورصد أخلاقياته ونمط معاملته معها ومع الآخرين؟ للأسف كثير من الفتيات لا يعرفن ولا يفهمن كيف يتأملن العلاقة بمن يحببن- أو بمن يتصورن أنهن يحببنهن- وهذا ما يوقعهن فى العديد من المشكلات.. والتى تصبح فيما بعد مادة هائلة للحزن وللألم. الطرح الآخر- الذى أوجعنى- فى رسالة مريم هو ما قالته عن صورة المطلقة خاصة المطلقة الشابة أو الصغيرة.. والتى يعتبرها المجتمع أو بعض أنصاف الرجال- أنها بواقى امرأة سبق استخدامها.. وهى صورة قاسية وموجعة ومريرة.. ولكنها للأسف حقيقية فى بعض الأوساط وفى ثقافة الكثيرين فى هذا المجتمع.. وهذا إن دل على شىء.. فإنما يدل على أن المجتمع قاس ولا يحترم التجارب الإنسانية البديهية، فالفشل خبرة مثل النجاح، والألم فى التجربة مشاعر تكمل مشاعر السعادة، ومن لا يشعر بالألم لن يفهم معنى السعادة، للأسف هذه النظرة السخيفة والساذجة تدل على أن المجتمع لا يرقى بثقافته الإنسانية، وعدم احترام البعض لتجارب الآخرين، تدل على أننا نعيش بمنهج الأبيض والأسود فى حكمنا على الأمور، وهذه نظرة ساذجة وسطحية. كما أحزن على مجتمع يفشل فى تربية رجاله ونسائه على العدل حتى العدالة فى الحق فى التجربة- غير متاحة- حتى تجربة الألم والفشل غير متكافئة فى مجتمعنا!! كنت أقول وأردد كثيراً.. إن المجتمع الذى لا يحترم كبار السن والأطفال والمعاقين.. ليس مجتمعاً نبيلاً ولا متحضراً ولا قوياً، وأزيد بأن المجتمع الذى لا يحترم أصحاب التجارب الفاشلة ويعينهم على تجاوزها، فهو مجتمع قاس، والمجتمع الذى لا يدرب شبابه وبناته على الاختيار المتوازن، فهو مجتمع غير صالح للتطور. أقصد بالمجتمع هنا آباء وأمهات.. لا يفهمون معنى التربية العادلة السوية، أقصد بالمجتمع مدرسة ومؤسسة تعليمية تهتم بالعلم هذا وإن اهتمت به أساساً- ولا تهتم ببناء الإنسان وشخصيته- مدرس أو معلمة- لاتبنى القيمة الإنسانية أثناء تدريسها للعلوم الجامدة، ولكنهم يرصون المعلومات بطريقة أنهم قدموا وقاموا بدورهم وأخلوا مسئوليتهم الاجتماعية تجاه أجيال لا تعرف الفرق بين الحب والإعجاب، بين الصداقة والزمالة، بين العلاقة الصادقة وبين العلاقات الهوائية غير المتوازنة، أتحدث عن مؤسسات دينية تقهر المشاعر وتعلم الأجيال والأطفال معنى الخوف من الله- لا حب وتقديس وإعزاز الله- وهو الأهم و الأبقى، مجتمع فشل فى تجميع شبابه تحت سقف ثقافى واجتماعى يدعم بناءه النفسى والعقلى. لكننا فى هذا المجتمع مسئولون عن سوء اختيارات البنات والشباب، لكننا للأسف لم نتعلم ولم نتدرب على حسن الاختيار.. والشواهد على ذلك كثيرة وواضحة.؟