أزمة تقدم سن الزواج أو "العنوسة"، ذلك اللفظ القاسى الذى تستخدمه وسائل الإعلام وتتداوله الألسنة فى كل مكان وينزل مثل السوط على جسد كل فتاة وفتى تجاوزوا مرحلة الشباب أو كادوا أن يتجاوزوها دون أن يوفقوا فى العثور على ابن أو بنت الحلال. هذه الأزمة لها أبعاد كثيرة بعضها نفسى، وبعضها خرافى، وبعضها يدل على تخلف عقليات كثيرة فى هذا المجتمع، وروتين قاتل وتفكير حكومى عقيم يتعامل مع الأمور كلها بمنطق جامد وضيق الأفق، وإليكم أمثلة مضحكة مبكية من أبعاد أزمة العنوسة فى مصر المحروسة .. الجانب النفسى فى الموضوع معروف للجميع، ويجعل الفتاة التى تجاوزت سن الزواج تشعر وكأنها أصبحت عبئاً ثقيلاً على أسرتها، مما يجعلها تستجيب أحياناً لضغط الأهل لقبول أى عريس يتقدم للارتباط بها، حتى ولو كانت متأكدة مائة بالمائة أنه غير مناسب لها، وأنها لن تكون سعيدة معه، وهو ما يتسبب بعد ذلك فى الطلاق المبكر الذى زادت نسبته بشدة فى السنوات الأخيرة، وخاصة بين حديثى الزواج، وقد تدفع هذه الضغوط العائلية الفتاة إلى الانحراف رغبة منها فى اصطياد عريس بأى طريقة، وقد يقودها إلى الاكتئاب، وحتى إلى الانتحار فى بعض الأحيان . أما الرجل العانس فهو يدفن همومه، وعجزه عن توفير تكاليف الزواج، أو سوء حظه فى الاختيار، وفشل محاولاته العديدة فى الارتباط، إلى دفن هذه الهموم فى الإفراط فى التدخين أو تعاطى المخدرات والخمور، أو محاولة الهروب من الواقع بالاستغراق فى القراءات الدينية واللجوء إلى "الدروشة" أو حتى التطرف الدينى، أو الانغماس فى جلسات الأنس مع الأصدقاء على المقاهى، أو إدمان "الشات" على شبكة الإنترنت، أو أى شىء يعوضه عن هذا الفشل فى إثبات رجولته وقدرته على إيجاد شريكة لحياته. أما البعد الخرافى فيتمثل فى بعض المعتقدات لدى عدد كبير من الأسر حول أسباب جلوس البنت لسنوات طويلة بدون زواج، رغم تقدم العرسان لها فى بعض الأحيان، أو امتناعهم عن طرق بابها فى أحيان أخرى، وفى الحالتين يعلقون ذلك على شماعة "الأعمال السفلية" ويمارسون طقوساً معروفة لطرد الأرواح الشريرة، أو فك العمل، وقد يلجأون إلى دجالين ومشعوذين، وينفقون كثيرا من الأموال فى سبيل تخليص بنتهم من هذا "العمل السفلى" المزعوم، والغريب أننا ونحن فى الألفية الثالثة لا تزال نسبة كبيرة من الناس تعتقد مثل هذه الأشياء التى تزيد حالة الفتاة التى تجاوزت سن الزواج النفسية سوءاً، وترسخ عندها عقدة يصعب حلها من أنها محكوم عليها بالعنوسة والفشل بفعل قوى خفية شريرة لا تعلمها، وقد تسىء الظن فى محاولة تخمين من هى، ببعض الأهل والأقارب والجيران أو المعارف الذين يطالهم الاتهام بتدبير المكيدة وتجهيز عمل سفلى لها حتى تلزم بيت أبيها ولا تغادره أبداً إلى بيت العريس المرتقب. وهناك بعد آخر روتينى حكومى عقيم، تتعامل من خلاله الدولة مع هذه الظاهرة عن طريق وزارة الشئون الاجتماعية التى تحولت منذ سنوات إلى وزارة التضامن الاجتماعى، والمضحك أن الوزارة تمنح معاشاً للفتاة العانس كان يبلغ منذ عشر سنوات مضت 15 جنيهاً فى الشهر، ثم زاد مؤخراً إلى 50 جنيهاً، والمخجل هو الشروط التى تفرضها الوزارة للحصول على معاش العانس، وأهمها ألا يقل سن الفتاة عن 35 سنة، وأن توافق على إجراء فحص طبى دورى للتأكد من أنها لا تزال عذراء حتى تكون مستحقة لمعاش العانس!.. وبالطبع هذا البند المتخلف فى قانون التأمينات والمعاشات المصرى لا يوجد له مثيل فى أى بلد محترم أو غير محترم، متحضر أو متخلف.. وعمار يا بلدنا!.