مع بداية عام جديد تتجدد الأمانى والأحلام فى صورتها الوردية لكن فى مثل هذه الظروف الدقيقة والتاريخية التى تمر بها مصر، لن تكون الأحلام وحدها كافية كما لا نحتاج فقط إلى رؤية سياسية وعسكرية، إنما نحتاج أكثر الاستماع إلى رؤية ثقافية وطنية لأن المثقفين هم ضمير الأمة، والأمة التى لا تستعين بمثقفيها أمة بلا ضمير ينبهها ويستوقفها إذا ما أخطأت، ويراجعها إذا ما وقعت فى المحظور، وقد جاءت كلماتهم ترسم لنا سيناريوهات المستقبل فى ظل صعود إسلامى يزيد من ضبابية المشهد مع حتمية وقوع صدام ثقافى مع هذه التيارات فى الأيام القادمة. مؤكدين فى كلمات أخيرة لهم بأن أى تيار سياسى سيقف فى وجه حركة التاريخ فمصيره الفشل، ولسنا متخوفين من أى أحد يحاول أن يشدنا للخلف والتاريخ يشهد فكما لم تنجح الأنظمة الديكتاتورية فى تكميم الأفواه وحجب الإبداع الجيد فإن تلك التيارات المتشددة ستلقى نفس المصير إذا ما حاولت إخماد عقولنا. توقع الكاتب محمد السيد عيد مرحلة أكثر غموضا فى الأيام القادمة حيث قال موضحا إنه من الصعب حتى الآن توقع سيناريو واحد للأحداث التى ستشهدها السنة الجديدة بل هناك سيناريوهات متعددة ترجع إلى تعدد الأطراف المشاركة فى العملية السياسية ومنها التيار الإسلامى الذى يمثل هو الآخر انقساما فى حد ذاته إلى تيارات متفاوتة فى خبرتها السياسية ودرجة تشددها الدينى من إخوان وسلفيين وجماعات إسلامية. والتى سيحاول بعضها فى الفترة القادمة أن يزايد فى تشدده باعتباره إحدى القوى التى أفرزها لنا الصندوق الانتخابى، ولكننا نريد أن تظهر قوته فى وضع برنامج واضح يحدد من خلاله موقفه من الفنون بجميع صورها ومن المرأة وكيفية التعامل معها والسياحة والاقتصاد ولاسيما البنوك ومعرفة طرق المعاملات وهل ستكون ذات طابع إسلامى أم ستكون معاملات عصرية، على أساس أن ما جاء فى تراثنا الاقتصادى ربما لا يصلح لوقتنا الحالى، خاصة أن هناك أشياء كثيرة لم يحددها القرآن والسنة إنما حددها الفقهاء فى عصورهم. وأضاف أن نظرة الإسلاميين للفن والثقافة تتصادم مع رؤى أغلب المثقفين التى تقوم على حرية التعبير وإنهاء كل أشكال التدخل والرقابة والوصاية على الإبداع. فالمثقفون يتوقون إلى فتح المنابر والنوافذ على شتى الاتجاهات دون قصرها على أيديولوجية أو اتجاه بعينه، مضيفا: »لا أظن أن هذا التوجه الذى ارتضته الجماعة الثقافية منذ عصر التنوير الأول فى بداية القرن الماضى يناسب فكر الإخوان المسلمين أو السلفيين الذين لا يرحبون بالفن الذى يقوم على أساس التشخيص مثل النحت والتصوير وفنون السينما والمسرح والأعمال الأدبية«. كما أننى أتصور أن هذه التيارات ستولى اهتماما خاصا بالثقافة والإعلام والتربية والتعليم لأنهم يريدون السيطرة على العقول ومن هنا فلن يقف المثقفون متفرجين إذا عبث هؤلاء بعقول أبنائنا بما يناسب أفكارهم وتوجهاتهم ولن نستسلم لأمر واقع إنما سنحتشد فى الميدان وسنعود بثورة تقضى على أى فكر قد يعيدنا إلى الوراء. لذلك أعتقد أن الفترة القادمة لن تمر بهدوء لأن التشدد ستواجهه عاصفة أخرى من الثقافة لإنقاذ مصرالتى لا يمكن أن تنزلق ويسيطر عليها أصحاب الفكر المتشدد ولا أتوقع تراجع العمل الثقافى وخصوصًا الإبداعى منه فى حال حكم الإسلاميين لمصر، لذلك أدعو كل المثقفين المؤمنين بالديمقراطية وحرية التعبير إلى الاتحاد فى جبهة واحدة، فى مواجهة هذه القوى الغاشمة العائدة من كهوف الماضى، وأنه قبل الوقوف فى وجهها يجب محاورتها أولا ثم مجابهتها إذا لزم الأمر، لافتا إلى أن هذه الأمور الحادثة الآن بمثابة تحد قوى ونتاجها سيكون فرزا جيدا لمعدن الكتاب والمبدعين لأن »المبدع الحقيقى قادر على توصيل أفكاره إلى متلقيه، وكما لم تنجح الأنظمة الديكتاتورية فى تكميم الأفواه وحجب الإبداع الجيد فإن تلك التيارات المتشددة ستلقى نفس المصير. الثورة لن ترجع إلى الخلف يلخص الكاتب صلاح عيسى وجهة نظره بقوله: هناك وضع جديد ومختلف فالإسلاميون واقع موجود ويفرض نفسه بقوة، مع الأخذ فى الاعتبار أن القوى الجديدة لم تتبلور بعد. ومن البديهى أن المشهد سينطوى على مشاكل جديدة حيث تواجدت سلطة جديدة مختلفة عن السلطات التى عهدتها مصر خلال الستين سنة الماضية سواء السلطة التى سيتولاها الإسلاميون أو غير الإسلاميين وهذا يتوقف على رد فعل الأطراف الأخرى . وأضاف: صعود الإخوان المسلمين إلى مقدمة المشهد السياسى ليس مفاجئا، معتبرا أن المفاجأة تكمن فى صعود السلفيين. وأوضح أن الوضع الحالى فى مصر يتسم بالضبابية إلى حد بعيد،. وإنه من المؤكد أن التيار الإسلامى سيفرض رقابة صارمة على الأعمال الثقافية، وإلا فإنه بذلك سيكون قد تخلى عن جزء من دعوته إلى محاربة العلمانية والديمقراطية. وفى أفضل الأحوال سيقوم الإسلاميون بالحفاظ على نفس آليات الرقابة التى كانت مطبقة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، مع تشديد هذه الآليات. كما أن السيناريو المتوقع حدوث تحالفات بين القوى السياسية المختلفة لكن إن حدثت مثل هذه التحالفات بين الإخوان والسلفيين فسوف يرجع الإخوان إلى الخلف لتشدد السلفيين إما إذا تحالف الإخوان مع الليبراليين فسيكون أوفق لهم لأن هذا سيدفعهم إلى الأمام . والقاعدة العامة التى يتصرف بها الإخوان دائما أنهم يقودون ولا يقادون لذلك فهم يسعون للتحالف مع أحزاب أقل نفوذا منهم حتى يحكموا السيطرة عليها، وفى النهاية فأنا لست متفائلا ولا متشائما بصعود التيار الإسلامى فى مصر، مشيرا إلى أن الإشكالية الكبرى هنا أن هذا يتم بمعزل عما أنجزته الخبرة المصرية من نجاح. كما أشار إلى أن »الأغلبية« لا تعنى »الغلبة«، وأن الوطن يبنى بالشراكة بين الأغلبية والأقلية السياسية لا بالغلبة وأن أى فريق لن يستطيع فرض رؤيته على الشعب المصرى الذى يتسم بوسطيته، و أن الشباب دائما ما يفاجئون النخبة وغيرهم وهو ما حدث فى ثورة يناير، متوقعا أن يفاجئ شباب التيار الإسلامى قيادتهم والنخبة بتبنى رؤية مغايرة للقيادة تكسر حالة الجمود الفكرى، موضحا أن الدولة فى حالة حراك سياسى واقتصادى واجتماعى ستستمر حتى ينتهى العصر القديم، مؤكدا أن الثورة لن ترجع الى الخلف. صدام مع المجتمع يرى الكاتب إبراهيم عبد المجيد أن المخاوف التى تشغل عقل شريحة كبيرة من المثقفين جراء تنامى صعود التيار الإسلامى وعلاقته بالمخاطر التى ربما تواجه مستقبل الثقافة المصرية تعد مخاوف مشروعة ، مؤكدا أن الرهان على شباب الثورة الذين لن يصمتوا ضد أى محاولات لفرض أى وجهات نظر غريبة على المجتمع المصرى. كما أنه يتوقع منهم خاصة فى الأيام القادمة مزيدا من التضحيات فى سبيل ثورتهم. وقال عبدالمجيد إن الثورات فى جميع الشعوب تنجح فى الإطاحة برؤوس الأنظمة ولكن تبقى دائما مخلفاتهم التى صنعوها طوال سنوات حكمهم المستبد ، فمن الطبيعى أن تظهر هذه التيارات المتشددة والتى صنعت نتيجة الفقر والجهل والمرض الذى تجرعه الشعب المصرى طوال سنوات عديدة من القهر والظلم المنظم ، وأنه يتعين على النظام الجديد أن يتخلص بمنتهى الجدية من تلك العوامل القديمة التى أدت إلى الأوضاع التى نحيا فيها الآن، والعمل على تحقيق الأهداف التى انطلقت من أجلها ثورة 52 يناير المجيدة. وأكد أنه على الكتاب والمثقفين أن يطرحوا هذا الأمر ويصروا عليه من خلال كتاباتهم وإبداعاتهم ، وأن الشعب المصرى قادر على الفرز فهو شعب وسطى فى جميع اتجاهاته وهو يقف ضد التشدد والمغالاة فى جميع الأمور، وتابع قائلا: الشعب المصرى لن يقبل أن يتحدث أحد أعضاء مجلس الشعب القادم المنتمين إلى تلك التيارات المتشددة عن الحجاب قبل أن يتحدث عن ضرورة المساواة التى غابت عن هذا الشعب لعقود طويلة أو قبل الحديث عن مشروعات التنمية التى لابد أن تصل إلى كل منزل فى مصر، خاصة فى الأقاليم والقرى التى لم تصل لها يد التنمية منذ زمن.كما توقع أن تشهد الساحة الأدبية خلال الفترة المقبلة العديد من الأعمال الإبداعية التى تنادى بحرية الفرد ومواجهة الاستبداد و التطرف والتشدد كإفراز طبيعى للحالة التى عليها المجتمع الآن. فالسنة القادمة ستمثل قلقا كبيرا لغموض الكثير من الأمور لأن نجاح التيار السلفى بصفة خاصة سيكون له تأثير كبير فى إحداث نوع من الفوضى لأن هؤلاء ليست لهم علاقة بالسياسة وسيحاولون اختراق القوانين المدنية بما تدفعهم عليه قوانينهم الوهابية .فالصدام قادم لا محالة وخاصة صدامهم مع المجتمع بطبقاته المختلفة. الثورة مستمرة أكدت الأديبة فتحية العسال أن ثقتها فى شباب مصر ليس لها حدود مؤكدة أن الثورة ستظل مستمرة ولا تخشى صعود الإسلاميين فتقول إن صعود التيارات الإسلامية هو صعود طبيعى، خاصة أنها فى مواجهة أحزاب صغيرة العمر، لافتة إلى أن النتائج الأولية لانتخابات المرحلة الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية لا تعكس بالضرورة القوى الحقيقية للإسلاميين فى الشارع لأن آراء العديد من الناس لم تبن على أسس محددة، وتم استغلال البسطاء منهم للتصويت. ورغم ذلك فمصر غير قابلة إطلاقا لأن تتحول إلى دولة دينية ، فالشعب المصرى شعب معتدل، وأشارت إلى أنه ينبغى على تلك التيارات ألا يعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة، ويجب ألا يخونوا غيرهم، ويقللوا من شأن أحد، ويكفروا كل من يخالفهم ، كما أتوقع أن تخرج بعض هذه التيارات المتشددة ببعض التصريحات التى ستخرج الشعب إلى الميدان مرة أخرى خاصة فيما يتعلق بالشأن الثقافى والفنى والتشكيلى، مثلما حدث من رفضهم لأعمال نجيب محفوظ وتغطيتهم لعدد من التماثيل والمطالبة بهدم كل ما يتعلق ويرتبط بالحضارة المصرية، مشيرة إلى أنه ورغم ضبابية المشهد فإن المكتسبات التى حققتها الثقافة المصرية على مدى سنوات طويلة والثبات أمام جميع أشكال القمع والتغييب كانت راسخة من خلال أجيال دافعت عن حرية الإبداع واحترام عقل الإنسان. وترى العسال أن المواطن المصرى شأنه شأن أى مواطن فى العالم لا يمكن اختزاله فى قصة أو رواية، فالشخصية المصرية ثرية ولا يستطيع أحد أن يفرض عليها أى ثوابت لا ترغب فيها. فالثورة مستمرة فى كل ميدان وشارع بمصر لأن الشعب الذى خرج إلى الشارع مطالبا بحقوقه لن يعود حتى تعود إليه كرامته وليس هناك استسلام بعد اليوم.