بعد أن غيب الموت الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولى العهد السعودى بعد رحلة صراع مرير مع المرض أصبح المنصب الذى شغله الراحل الكبير وللمرة الأولى فى تاريخ الأسرة السعودية الحاكمة شاغرا وقد استطاع الأمير نايف بن عبدالعزيز الابن رقم 23 من أبناء الملك عبدالعزيز أن يعوض الغياب الطويل لولى العهد بعد أن تم تعيينه نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى احتفاظه بمنصبه كوزير للداخلية وهو المنصب الذى تولاه خلفا للأمير فهد بن عبدالعزيز الذى كانت وزارة الداخلية أيضا هى المنصة التى انطلق منها إلى ولاية العهد ثم تبوأ بعد ذلك عرش المملكة. لكن حظ الأمير نايف بن عبدالعزيز قاده للصدام مع مجموعات إرهابية لم تعهدها المملكة من قبل ودخل الأمير نايف فى معارك رهيبة لتفكيك الخلايا العنقودية التى انتشرت فى أنحاء المملكة واستطاع بجهود مضنية أن يقضى على بؤر الإرهاب بعد أن اخترق هذه التنظيمات وجفف مصادر تمويلها ولعل نجاح الرجل فى أداء مهمته الأمنية على الوجه الأكمل جعلت أسهمه الأعلى وسط أفراد الأسرة السعودية ، حيث أصبح الأمير نايف هو أول ولى عهد يتم ترشيحه بعد أن أعلن الترشيح الملك عبدالله بن عبدالعزيز لجميع أعضاء هيئة البيعة وهو الأمر الذى نال رضا الجميع ، وقد احتفظ ولى العهد الجديد بمنصبه كوزير للداخلية تماما كما حدث من قبل مع الأمير عبد الله عندما كان وليا للعهد ورئيسا للحرس الوطنى ومع الأمير سلطان الذى شغل أيضا منصب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.. ولكن تبقى ولاية العهد هذه المرة مختلفة تمام الاختلاف، فهذه هى المرة الأولى التى تشهد فيها المملكة تغييرا فى ولاية العهد بسبب غياب ولى العهد، ففى السابق كان غياب الملك دائما هو السبب المباشر فى التغيير ، ولكن غياب الأمير سلطان هذه المرة جعل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ربما يكون الملك الوحيد الذى شهد عصره تعيين اثنين من أولياء العهد، ولعله أيضا أى الملك عبدالله هو ولى العهد الوحيد الذى تحمل أعباء المسئولية كاملة فى قيادة بلاده بعد أن تعرض ملك السعودية فى تلك الأيام الملك فهد إلى أزمة صحية عنيفة ، وقد لعب الملك عبدالله إبان توليه ولاية العهد دورا عظيم الأهمية ، خصوصا فى عودة المياه إلى مجاريها بين القاهرة والرياض ، وذلك عقب القطيعة التى أعقبت زيارة الرئيس السادات رحمه الله إلى القدسالمحتلة ، وحتى بعد مجىء مبارك إلى الحكم لم تشهد العلاقات أى انفراجة إلا بعد أحد مهرجانات الجنادرية فى بداية الثمانينيات عندما حرص ولى العهد فى ذلك الوقت الأمير عبدالله بن عبدالعزيز على دعوة وفد مصرى من الكتاب والأدباء والصحفيين وكان هؤلاء خير سفراء لبلادهم ومن بين أبرز الذين دعاهم الأمير عبدالله فى هذه الأيام الولد الشقى السعدنى الكبير وعمنا وتاج الرأس يوسف إدريس رحمهما الله ، وما إن هبطا أرض المملكة وعلم بالأمر القائم بالأعمال المصرى الأستاذ سيد أبوزيد حيث ذهب إلى حيث يقيمان وسأل السعدنى فى البداية عن إمكانية أن يصحبهما فى زيارة ولى العهد، فأحال السعدنى طلبه إلى يوسف إدريس.. وهو يسأله.. يا عم يوسف سيد أبو زيد السفير المصرى فى السعودية عاوز يروح معانا مهرجان الجنادرية ويقابل ولى العهد.. ويصمت الدكتور يوسف إدريس قليلا وكأنه يتفكر فى الأمر.. ثم يصدر فرمانا فوريا ويوجه كلامه لسيد أبو زيد قائلا: - إنت جاى معانا بكرة مقابلة ولى العهد!! وفى الصباح كان سيد أبوزيد بالفعل وجها لوجه مع ولى العهد فقد تقدم السعدنى للسلام على الملك عبدالله وقت أن كان وليا للعهد قائلا: يا أفندم أنا جبت معايا واحد مصرى صاحبنا من غير دعوة.. وبابتسامة ودودة أجاب المسئول السعودى الرفيع: أهلا بك يا محمود وبصديقك وبكل الأخوة المصريين ثم أضاف ولى العهد: كل مواطن مصرى هو محل ترحيب فى المملكة.. ثم تقدم السفير سيد أبو زيد وقدم نفسه للملك عبد الله قائلا: أنا السفير المصرى فى المملكة يا أفندم وقد صارحه السفير بأنه حاول مرارا مقابلة المسئولين فى المملكة، وذهبت محاولاته كلها أدراج الرياح فيرد: الملك عبدالله: اطلب المقابلة.. وسوف أنتظرك غدا إن شاء الله ! وهكذا نجحت الدبلوماسية الشعبية فى إعادة المياه إلى مجاريها رسميا بين مصر والسعودية بفضل رحابة صدر ولى العهد السعودى وشعوره بالمسئولية وقد انشرح قلب السعدنى وصدره بسبب هذه الحفاوة التى أبداها ولى العهد للمسئول المصرى وكسره لقواعد البروتوكول وقبوله للضيف الرسمى الذى جاء بغير دعوة فوجه السعدنى كلامه لولى العهد قائلاً: إن الأمر الطبيعى يا أفندم أن يتولى رعاية مصالح المصريين فى السعودية إخواننا السعوديون وأن يتولى رعاية مصالح السعوديين فى مصر أشقاؤهم المصريون ويضيف السعدنى: أنا أعلم وأثق وأطمئن إلى أن الأحوال إذا كانت طيبة بين القاهرة والرياض فإن الأحوال فى الأمة كلها ستكون فى أفضل حال.. ويحصل المنى كله لو أن دمشق انضمت إلى القاهرة والرياض ويرد ولى العهد قائلاً: والله صدقت يامحمود فالعلاقة مع مصر بالذات «ليست بكيفنا» فالشعب السعودى يحب مصر ويعشق المصريين ونحن هنا نعتبر بصدق أن مصر هى وطننا الثانى وقد أوصانا الوالد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بمصر وأهل مصر.. وهذه الوصية لا نحيد عنها أبداً!! وهنا التقط الحديث تحفة عصره وكل العصور عمنا يوسف إدريس الذى ركز بصره على ولى العهد قائلاً: ياسمو الأمير أنا لا أعرف الرسميات وضد البروتوكول والمسميات.. أنا عاوزك تزور مصر ولهذا فإننى أدعوك لزيارة القاهرة.. أنت ومن معك.. وأرجو أن تعتبر هذه دعوة شعبية. وبابتسامة رقيقة يرد ولى العهد السعودى فى ذلك الوقت قائلاً: إن مصر هى بلادنا مثلما هى بلادكم ولا حاجة لأية دعوة لزيارة بلدى الثانى مصر.. وقد اندهش السعدنى ومعه يوسف إدريس لهذا السلوك الذى بدا غريبا على مسئول فى قامة ولى العهد فقد خصص يوما فى الأسبوع من أجل مقابلة أبناء الشعب السعودى والاستماع إلى شكاواهم بنفسه ومتابعة حل هذه المشكلات وقد سأل السعدنى ويوسف إدريس عن عدم وجود إجراءات أمنية تؤمن المكان المتواجد فيه ولى العهد فلا حراسة ولا تفتيش ولا بوابات إليكترونية والكل يدخل لمقابلة ولى العهد ويكفى فقط أن تكون مواطنا سعوديا لكى تلقى كل المراحب الحارة وهو يزيل ملامح الدهشة التى ارتسمت على وجه السعدنى وإدريس.. يعلق ولى العهد: أى أمن هذا الذى نبحث عنه.. هل تذكرون ما حدث للرئيس الأمريكى كيندى الذى مات وسط موكب مهيب وحراسة مشددة.. والرئيس ريجان الذى أطلقوا عليه الرصاص وحوله حراسه وأمنه الشخصى والرئيس السادات رحمه الله الذى قتل وسط المنصة شديدة الحراسة، ويضيف ولى العهد: والله يا إخوان.. لو اجتمعت كل جيوش العالم حولك من أجل تأمين حياتك ومكتوب لك أن تموت عند رب العالمين فى يوم وساعة وزمان ومكان محدد.. فسوف تتم إرادة الله. فإذا حانت الساعة.. فلا مفر.. ولا منقذ.. ولو كنتم فى بروج مشيدة!! وقد صدق العاهل السعودى فها هى الممالك وها هم الأباطرة وحتى ملك ملوك أفريقيا وعميد الزعماء العرب يلقى مصرعه وسط كتائب توفرت لها كل أسباب القوة والمنعة. المهم أن كلا من السعدنى ويوسف إدريس أدركا أن علاقات مصر والسعودية سوف تشهد على أيدى المسئول السعودى الكبير أفضل عصورها، فقد كان عبدالله بن عبدالعزيز فى كل موقع تولاه مهاب الكلمة قادرا على الفعل، عروبى الهوى وقد بلغت العلاقات المصرية السعودية أفضل منحنى لها عندما توج الملك عبدالله على عرش المملكة، وهو الأمر والوضع الذى نرجوه دائماً ونتمنى له المزيد من الازدهار مع مجىء ولى العهد الجديد نايف بن عبدالعزيز.. نسأل الله أن يوفقه لخدمة بلاده وأمته!!