لماذا لا نؤجل انتخابات الشعب؟ هذا المناخ لا يمكن أن يثمر عملا.. أو فكرا.. أو فنا.. إنه مناخ الجنون والإحباط واليأس من كل شىء.. لقد كنت ممتلئا بالحماس والرغبة فى إنجاز عمل يليق بالحدث المبهر الذى تم، ولم أكن أصدق أنه تم!! ولكن مع مرور الأيام تأكدت أنه تم (وما تصورته حلما أكتشفت أنه واقع نعيشه.. ونتنفسه.. ولكن هناك شيئا كالكابوس بدأ (يعشش) داخلى.. إنه الخوف والقلق من كارثة متوقعة.. أو مصيبة ستنسف ما تبقى من الحلم. لقد شعرت أننى داخل دوامة تسحبنى إلى العمق وأنا لا أجيد السباحة.. دوامة من البيانات والتفسيرات ( دوامة من الإجراءات والقوانين..) وعواصف الجماعات الإسلامية المتطرفة التى تزن مدى صلاح الإنسان بطول جلبابه وحجم ذقنه!! والذين بدون ذقون عليهم أن يدفعوا (الجزية) أو يهاجروا فى ستين داهية!! دوامات من الكلام وفتاوى الممنوعات والمسموحات وتخطيطات انتخابات البرلمان.. ومن هى الجماعة التى ستحصل على أغلبية المقاعد.. ومن التى سيكون لها الصوت الأعلى والكلمة النافذة.. وليس لأحد غيرهم أن يكون لهم نصيب من (التورتة).. تورتة السلطة والمصالح والمكاسب.. ولا يهم إلى أين تتجه سفينة البلد. دوامات من المظاهرات ومليونيات كل يوم جمعة.. وهتافات ولافتات وشماريخ واشتباكات وائتلاف وتكسير محلات وسيارات.. وبالضرورة لابد أن تهشم فى طريقك عددا من سيارات الشرطة.. حتى تبدو المظاهرة مثيرة للانتباه وجديرة بالتصوير التليفزيونى والتعليق عليها فى كل برامج ( التوك شو)!! فلا معنى للكلام.. إلا بالصراخ والشتائم والتشكيك والاتهامات بالخيانة كل يوم.. كل يوم.. كل ساعة.. وبعدين ؟! أطنان من الكلام اندلقت علينا حتى لم نعد نعرف كيف نتحرك (ولا كيف نفكر)! عجلة الإنتاج تتأثر بالمناخ العام يوم فوق.. وعشرة تحت وما كان حلما لمشروع قومى يستوعب طاقات الشباب ويحقق دفعة قوية للاقتصاد المصرى (أصبح الحلم مجرد أوراق فى ملف مهجور)! وما كان حلما للتطهير من الفساد والذين نهبوا البلد وابتلعوا كل خيراته.. مازال يتحسس طريقة للظهور من بين دهاليز ومخابئ الجهاز الإدارى العتيق. والآن.. أيها السادة المسئولون عن تسيير الأمور: أرجوكم أصدروا سريعا قراراتكم الحاسمة لبدء العمل الجاد.. بدون مظاهرات مليونية.. وبدون وقفات احتجاجية.. وبدون فوضى.. وبدون برامج الكلام فى التليفزيون المستمرة والمتواصلة على جميع القنوات أرجوكم ازرعوا الهدوء والحكمة والاستقرار حتى ندبر أحوالنا بما يليق وبالمناسبة.. لماذا الاستعجال فى إجراء انتخابات مجلس الشعب الشهر القادم؟ - إن كل الظروف الحالية لا تبشر بانتخابات نزيهة.. وإنما تبشر بفوضى ومعارك بالأسلحة وقتلى وجرحى.. وعلى حد تعبير الكاتب الكبير الراحل (خيرى شلبى) إنها ستكون (معجنة) كما ورد فى التحقيق الممتاز الذى نشرته (صباح الخير) فى العدد الماضى وأجرته الزميلة الشابة (هايدى عبدالوهاب). - وتعبير (معجنة) معناه كما يشرحه خيرى شلبى: (ستكون هناك فوضى عارمة ولن تكون نتيجة الانتخابات معبرة عن احتياجات الشارع الحقيقى، ولن تكون معبرة عن إرادة الشعب المصرى وسيلعب فيها التضليل الدينى الدور الأكبر وتليها الأموال التى ستدخل المعركة بالإضافة إلى رؤوس أموال أجنبية لدعم شخصيات بعينها، وتيارات بعينها.. وفى النهاية فأى انتخابات ستجرى حاليا لن تكون نتيجتها فى صالح الاستقرار السياسى. - هكذا شرح خيرى شلبى رؤيته بكل صراحة ووضوح فهو ابن الأرض الطيبة والذى جال مصر سيرا على الأقدام يرى ويسمع ويحلل ويكتب ويحكى بكل صدق وبراعة ، ولهذا أطلقوا عليه لقب الحكاء الساخر الذى نافس محمود السعدنى فى جلساته المبهجة. وقد أسعدتنى الظروف أن أكون معه يوميا ولمدة عشرة أيام فى رحلة الذهاب والعودة من منازلنا.. أنا من مصر الجديدة وهو من المعادى إلى قاعات تحكيم مهرجان التليفزيون العربى المنعقد فى مدينة الإنتاج الإعلامى.. مشوار طويل يقطعه هو بحكاياته عن الأماكن والبشر ومتعته فى قراءة الوجوه والتى سجلها فى سلسلة من المقالات نشرتها مجلة الإذاعة والتليفزيون تحت عنوان (بورتريه) ضمت شخصيات التقى بها وقرأ لها.. وكيف يراها فى تحليل فنى شديد العذوبة. لقد قال خيرى شلبى كلمته ورحل.. وعلنا نعيد قراءة ما قيل.. وما حدث.. حتى نخرج من الدوامة التى نعيشها الآن !؟