عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    طالبوا بصفقة لتبادل الأسرى.. شرطة الاحتلال تعتقل 7 متظاهرين في تل أبيب    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    الزمالك يتحدى دريمز في مباراة العبور لنهائي الكونفدرالية الإفريقية    حطموني بعد 23 سنة والآن مفلسة، أيقونة المطبخ الجزائري تستنجد بالرئيس (فيديو)    الأرصاد: اليوم طقس حار نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    كينيا: مصرع 76 شخصًا وتشريد 17 ألف أسرة بسبب الفيضانات    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    محافظ الإسكندرية يطلق مبادرة توظيفك علينا لتشغيل 1000 شاب وفتاة    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    عاجل.. قرار مفاجئ من ليفربول بشأن صلاح بعد حادثة كلوب    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    أسعار الأسماك واللحوم والدواجن والخضروات.. اليوم 28 أبريل    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    بعد جريمة طفل شبرا، بيان عاجل من الأزهر عن جرائم "الدارك ويب" وكيفية حماية النشء    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    بشرى للموظفين.. 4 أيام إجازة مدفوعة الأجر    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صبرى موسى مغامرة الكتابة والحياة
قراءة فى كتاب
نشر في صباح الخير يوم 20 - 03 - 2024

هو ابن البحر والنهر والصحراء، صبرى موسى الكاتب والروائى والسينارست الذى أمتعنا بكتاباته الصحفية والأدبية، وارتياده لعوالم مختلفة فأمده سفره الدائم، وعشقه للطبيعة بطراز نادر فذ من الكتابة، فتفرد بلغة خاصة، وتميزت رحلته فى الكتابة والحياة بالمغامرة والجرأة لاكتشاف الأعماق الإنسانية، وأشواق أبطاله لعناق الوجود بحثًا عن السعادة والإحساس بالأمان.
عَبَّر صبرى موسى فى تجربته الأدبية عن نفس تواقة لعالم عادل، ورغبة عارمة فى التوحد مع الطبيعة، واكتشاف ثرواتها، وتعاطف مع الإنسان المعاصر، وصراعه مع عالم قاسٍ يريد أن يحوِّله إلى آلة!، ويتحكم فيه عقل إلكترونى، ورغم مباهج ومظاهر يُسر الحياة العصرية فإنها قد أورثت نماذجه الإنسانية عُسرًا، وربما إخفاقًا فى مواجهة الحياة، ومع ذلك فإن بطولتهم تتمثل فى القدرة على الصمود، والصعود إلى مغامرة الحياة بما يمتلكون من شغف وحب، وإيمان عميق بأن اكتشاف الحياة يعنى أن تعيشها.


ويأتى كتاب «صبرى موسي- ساحر الكتابة- سيرة وأوراق واعترافات» لأيمن الحكيم، أحدث دراسة عن حياة صبرى موسى وأدبه، وقد صدر الكتاب عن دار ريشة للنشر والتوزيع عام 2024.
وفصول الكتاب تبرز ملامح شخصية صبرى موسى كاتبًا ومبدعًا وإنسانًا، وتضع أمامنا ملامح رحلته فى مشوار الحياة والكتابة، فتبدو المغامرة ملمحًا مهمًا من ملامح رحلته فى مشوار الحياة والكتابة، والتى استطاع أيمن الحكيم إبرازها من خلال فصول كتابه، وجمع الوثائق والمصادر التى تؤرخ لرحلة صبرى موسى وكتاباته، وحواراته عن جوانب حياته الإنسانية مع الكاتبة الصحفية أنس الوجود رضوان رفيقة درب الكاتب المبدع صبرى موسى، والتى أمدته بالمعلومات والوثائق ليصبح الكتاب متفردًا فى مادته، ونسيجًا متكاملًا لسيرة حياة ثرية بالعطاء الأدبى والفنى والإنسانى
فى عشق المكان
ومن أهم ما وثقه الكتاب من أوراق صبرى موسى، ما يكشف عن هذا العشق للمكان فهو ابن البحر والنهر والصحراء، وقد اكتشف هو ذلك منذ بداياته الأولى فيصف فى أوراقه ما شكِّل وجدانه، وما جعله فارسًا للتأمل والأدب والفن، فيقول صبرى موسي:
لا أعتقد أن هناك امتيازات معينة يمكن أن يتمتع بها الإنسان إذا ولد فى النهر، لكنى لسبب لا أدريه ظللت معتزًا بمسقط رأسى هذا، وأكاد أكون موقنًا أن هذا المناخ الذى أمضيت طفولتى وصباى فيه كان له الأثر الأكبر فى تشكيل مزاجى الذى يميل إلى التأمل والفن.
فيتحدث عن «رأس البر» مسقط رأسه وذكريات صباه فيقول: «فى تلك الأيام السعيدة أمكن لى أن أتعرف جيدًا إلى النهر وإلى البحر بل إننى قد ذهبت بعيدًا مع أقرانى فى أواخر الصيف إلى الصحراء الرملية التى تقود إلى بحيرة المنزلة أكبر بحيرات مصر، واكتشفنا البحيرة أيضًا، وتعرفت إلى الريف حول البحيرة، هذه الطبيعة الجميلة المحاطة بالماء من كل جانب كانت مرتع صبايّ فى إجازات الصيف من المدرسة، ولأنها طبيعة غنية بعنصر العمل، فقد ساعدت على منح وجدانى نوعًا من النضج المبكر، حيث شاركت فى كثير من أعمال الزراعة والتجارة، والصيد، والبيع والشراء.


وحبه للمغامرة لم يكن وليد المصادفة فهو كما يقول أيمن الحكيم: «حفيد أصيل لهؤلاء الصيادين المغامرين من أهل دمياط القدامى الذين استبد بهم الفضول لاكتشاف الضفة الأخرى من البحر المالح فركبوا البحر فى رحلة بحث شاقة استمرت أجيالًا ابتلع منهم البحر الآلاف، لكن فضولهم لم يفتر، ومغامراتهم لم تتوقف، حتى أمكنهم أن يكتشفوا أن هذا البحر ينتهى عند بلاد الروم فسموه بحر الروم المالح».
ومن هنا كان صبرى موسى حاملًا لهذه الصفة الأصيلة فى محبة المكان، ووريثًا لهذه المحاولات الأولى للرغبة فى الاكتشاف وفى أوراقه يذكر أنه عندما كان يشعر بانفلات خيط القصة القصيرة من يديه فإنه كان يستعيده بطريقته الخاصة فيقول: «وكنت قد بدأت أشعر بثقل جسدى من الجلوس، والانقطاع عن الشارع فقررت أن أذهب إلى مكان ما مُغاير كل أسبوع، وأعود معه بحكاية، مستعينًا بجدول السكة الحديد، وأمزج كل أشكال الكتابة».


فكان يتخير بشكل عشوائى بلدة أو قرية أو مركز من المراكز التى يمر بها القطار فيقضى فيها يومًا أو يومين، ويذهب إلى الأسواق، ويستمع إلى الناس، وحوارات المقاهى ويتأمل نماذجها البشرية، وغالبا ما كان يعود من كل رحلة بقصة أو بعديد من القصص ويقول هذه الفترة: «تلك كانت فترة الاختبار والتجريب وقد أنتجت أكثر من مائة قصة، اخترت نصفها تقريبًا وأصدرته فى كتاب: «حكايات صبرى موسي».
الصخر والبحر
أمدته الصحافة، وخاصة كتاباته على صفحات مجلة «صباح الخير» منذ نشأتها زادًا وافرًا من أدب الرحلة بحكم تنوع البيئات والأمكنة التى كتب عنها وخاصة رحلاته وتحقيقاته الصحفية عن الصحراء الغربية وعن الصحراء الشرقية التى عاش فيها عامًا، فتعرف على طرقها وناسها، ومهندسى الجيولوجيا وعمال المناجم، فأحس بجمال الصحراء وكتب عنها فى كتابه «الصخر والبحر- مصر كما رأيتها فى الستينيات»، ويقول عن هذه التجربة: «فاستقرت الصحراء فى نفسى، وبعد ذلك كان ممكنًا أن أكتب رواية «فساد الأمكنة»، وهى الرواية التى يلعب فيها المكان دورًا رئيسيًا، وعرف هناك جبل «الدرهيب» معرفة حب ومودة، وأصبح هذا الجبل رمزًا للأرض وخيراتها، وحيث أصبح بطله «نيكولا» عاشقًا للجبل ويود أن يكون عظيمًا وقويًا مثل الطبيعة فهجر بلاده، واستقر بجوار جبل «الدرهيب»، ومن أوراق صبرى موسى نتعرف على ارتباطه بالطبيعة فى صحراء مصر الشرقية، وكيف ولدت روايته الرائعة «فساد الأمكنة»؟ فيقول: «فى ربيع عام 1963، أمضيت فى جبل «الدرهيب» بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان ليلة خلال رحلتى الأولى فى تلك الصحراء، وفى تلك الليلة ولدت فى شعورى بذرة هذه الرواية، ثم رأيت «الدرهيب» مرة ثانية بعد عامين، خلال زيارة لضريح المُجاهد الصوفى أبى الحسن الشاذلى عند «عيذاب»، وفى تلك الرؤية الثانية للدرهيب أدركت أننى فى حاجة لمعايشة هذا الجبل والإقامة فيه إذا رغبت فى كتابة الرواية، وقد وافقت وزارة الثقافة على تفرغى من نوفمبر 1966 إلى نوفمبر 1967 للإقامة فى الصحراء حول جبل الدرهيب لجمع مادة روايتى».


وفى أوراق صبرى موسى نلمح فلسفة المكان كما يراها كاتبنا فيقول: «أحيانًا يُخيل لى أن «الدرهيب» فى «فساد الأمكنة» قد تحول إلى رمز للأرض بشمولها، وأن «نيكولا» يجتهد على طريقته ليكون الإنسان فى شموله، لقد وضعته الرواية فى مواجهة كل الأسئلة التى يطرحها الجبل، حول فكرة الوطن والزواج أو الأسرة، الجنس والعمل والصداقة، وقد بدت الأسئلة التى يواجهها «نيكولا» عنيدة وقاسية للدرجة أنه يُسلِّم بعجزه فى النهاية، ويرغب- هربًا من هذا العجز- أن يتحد بالطبيعة الأم، فيصبح حجرًا أو صخرة من صخور الجبل فيصبح بالتالى قويًا وعظيمًا مثل الطبيعة».
وقد نُشرت روايته تلك مسلسلة على صفحات «صباح الخير»، ثم صدرت عن الكتاب الذهبى فى يونيو عام 1973، وحصل بها على جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب، وكان على رأس اللجنة حينذاك توفيق الحكيم، وعام 1975 حصل بها صبرى موسى على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما فازت أيضًا بجائزة الحصان المُجنح «بيجاسيوس» الأمريكية عام 1977، فترجمت إلى الإنجليزية، وقد تواصلت رحلة كاتبنا فكانت المغامرة الجديدة التى توهج بها خياله فكرة رواية «السيد من حقل السبانخ»، والتى نُشرت مسلسلة على صفحات «صباح الخير».


بعد أربعة قرون قادمة!
بخيال جامح استطاع صبرى موسى أن يتصوَّر الإنسان فى عام 2480، أى بعد أربعة قرون من الفترة التى بدأ فيها كتابه «السيد من حقل السبانخ»، والتى كتبها بعد سفره إلى أمريكا، وأسفرت رحلته عن تأمل حياة الإنسان فى مجتمع الوفرة والرخاء والرفاهية، لكنه يكاد أن يفقد إنسانيته وأن يتحول إلى آلهة، فاقدًا متعة الحياة، ورغم أن بعض النقاد وصفوها بأنها من أدب الخيال العلمى إلا أن كاتبنا يراها رواية واقعية، تدور أحداثها فى المستقبل ،ولذلك كان سعيدًا بقراءة عبدالوهاب المسيرى لروايته، والتى نشرها بمجلة «القاهرة» وقال فيها: رواية «السيد من حقل السبانخ» لا تُبشر، وإنما تحذر وتُنذر، وتقدم تعريفًا للنموذج العقلاني/ المادى بعد أن تحقق، وتكشف لنا ما تحقق للإنسان فى حضارة، أسست على العلم فحسب، وكذا على الرؤية العقلانية فحسب.
أما علاء الديب فكتب عنها يقول: «إننا أمام رواية تبحث عن معنى السعادة، وعن معنى الإنسانية، وعلى الرغم مما فيها من طرافة وخفة دم إلا أن شعورًا حزينًا متشائمًا، يرسم لك حالة من الحصار داخل تلك الورطة التى هى الحياة».
إن بطل الرواية «هومو» يعيش فى مدينة فضائية فى عصر «العسل»، وهو العصر الذى أصبح العلم فيه هو الحقيقة الوحيدة المجردة، وفيها لكل شخص خادم آلى «روبوت» يُنظم له كل شئون حياته اليومية، لكن «هومو» فلاح حقل السبانخ يتمرد على عصر «العسل»، ويرفض تلك الحياة الخالية من المشاعر، والخيال، وعندما يرفع راية العصيان، ويتبعه آخرون، لا يُسمح لهم بالعودة من جديد، فهم داخل دائرة بلاستيكية مُعلقة فى الفضاء الكونى والزمن لا يمكن أن يعود بهم إلى الوراء، وهنا يعود «هومو» مهزومًا مفتقدًا سعادته.
حادث النصف متر
صراع الإنسان مع العلم فى رواية «السيد من حقل السبانخ»، وصراع الإنسان مع الطبيعة فى رواية «فساد الأمكنة» سمة من سمات العالم الروائى لصبرى موسى، فبطله أيضًا فى رواية «حادث النصف متر»، انهزم فى صراعه مع أفكاره التقليدية الموروثة فخسر حبه وسعادته، وهجرته حبيبته وتزوجت من عرف مكانتها، وقدَّر إنسانيتها، أما بطل حادثة النصف متر فقد تخلى عنها لأنه لم يكن الرجل الأول فى حياته، ويصوِّر كاتبنا فى روايته موقف بطله، ودهشته أمام هزيمته العاطفية بعد أن هجرته فتاته وتزوجت الآخر:
ولم أكن ساعتها أعلم أنها ستكون تفاحة حزنى، وما كان باستطاعة أى عرّاف ذائع الشهرة، يجيد قراءة الغيب فى الرمل والفنجان والورق أن يجعلنى أصدق، أنه بعد عامين من هذا الحادث الصغير الخاطف الذى لا تكاد تزيد مساحة الأرض التى وقع عليها عن نصف متر، سوف ينحنى أمامى رجل طويل لا أعرفه، ويطلب منى بطريقة عصرية مهذبة أن ابتعد عن هذه الحسناء، لأنه سوف يتزوجها.
وقد انتظرت هذه الرواية عشرين عاما أو أكثر كى تتحول إلى فيلم سينمائى بسبب ما أثارته وقتها من صدمة لقيم المجتمع المحافظ، وكانت الرواية قد صدرت عام 1962، ويقول عنها صبرى موسى فى أوراقه:
روايتى الأولى «حادث النصف متر» كانت تتحدث عن علاقات الحب فى مجتمعنا الشرقى، وما يكبلها من خداع اجتماعى، وتقاليد مغلوطة، ومفهوم مزيف وخاطئ لفكرة الشرف يؤدى بها فى النهاية إلى الفشل والانكسار، والفتاة عادة هى التى تدفع ثمن الفشل، بينما يزهو الشاب بانتصاراته الزائفة، ويتحرك كالطاووس، دون أن يدرك أنه مليء بالانكسارات فى الداخل».


من أيقونات السينما المصرية
مغامرات صبرى موسى الإبداعية لم تقتصر على عالمه الأدبى القصصى والروائى، لكنها امتدت إلى كتابته لسيناريوهات العديد من الأفلام السينمائية الشهيرة التى تعد علامات وأيقونات السينما المصرية مثل فيلم «البوسطجى» عن قصة ليحيى حقى تحمل العنوان نفسه، فى مجموعته القصصية «دماء وطين»، وفيلم «قنديل أم هاشم»، عن رواية ليحيى حقى بالعنوان نفسه، وفى هذين الفيلمين، وغيرهما استخدم صبرى موسى لغة سينمائية عبَّر فيها عن رؤيته لقضايا مهمة منها ضرورة الإيمان بالعلم كقيمة وممارسة.
وفى الرواية والفيلم عُولجت «فاطمة» بزيت القنديل ففقدت بصرها، وحاول ابن عمها الطبيب إسماعيل العائد من أوروبا علاجها ثائرًا على فكرة علاج العين بزيت القنديل مما عرضه فى الفيلم لغضب وبطش أهالى الحى الذين يرون أن هذا الزيت طاهر ومقدس، وقادر على تحقيق المعجزات وشفاء الأمراض، وكان هذا رأى بعض المشاهدين أيضا، لكن نهاية الفيلم التى اختارها صبرى موسى تتفق مع الخط الدرامى للرواية، ومع اللغة السينمائية التى ابتكرها صبرى موسى لتعبّر عن موقف يحيى حقى نفسه عندما رأى أن التكيف مع الخرافة هو ذوبان فى سائل الجهل.
وقد استعان صنّاع الفيلم بواحد من أشهر أطباء العيون وقتها وهو الدكتور إبراهيم شكرى الذى قام بدور المستشار الطبى للفيلم، أمر كان جديدًا على السينما المصرية، ولفت نظر عديد من النقاد الذين كتبوا عن الفيلم.
وقد حصد الفيلم تسع جوائز عام 1968، ومن بينها جائزة السيناريو والحوار لصبرى موسى، والقصة ليحى حقى، كما حصد الفيلم جوائز فى الإخراج والتصوير والتمثيل والمونتاج والديكور والإنتاج.
قضايا اجتماعية مهمة
وقد تميزت روايات صبرى مرسى وسيناريوهات أفلامه بمناقشة القضايا الاجتماعية المهمة وخاصة ما يتعلق بقضايا المرأة فكان فيلمه «حادث النصف متر» المأخوذ عن رواية له بالعنوان نفسه، يتسم بدلالة عميقة يصفها صبرى موسى فى أوراقه فيقول:
وبالطبع انكسارات الأفراد، وهزائمهم تؤدى فى النهاية إلى انكسار الوطن وهزيمته، وتلك الإسقاطات التى استخلصها النقاد من الرواية بما كشفته من عورات اجتماعية وسياسية فى المجتمع.
وكان بعض النقاد قد فسروا الرواية والفيلم بتفسير سياسى لافت، ويعتبرونها من الأعمال الإبداعية التى تنبأت بنكسة يونيو 1967.
وعلى صعيد آخر كان سيناريو صبرى موسى لفيلم «البوسطجى» بما تميز به من لغة سينمائية وأضاف بعض الشخصيات لقصة يحيى حقى، ليكشف عن ازدواجية تعامل الأب الذى ذبح ابنته لتورطها فى علاقة عاطفية بينما يقيم علاقة غير شرعية مع خادمته، والتى ينتهى أمرها أيضا إلى المصير نفسه الذى انتهت إليه حياة ابنته، فيدين الفيلم هذا العنف وهذا التوحش فى معاملة المرأة ،كما يدين هذه الازدواجية التى تؤدى إلى جرائم القتل، وإزهاق الأرواح، وقد عزّز يحيى حقى حينذاك سيناريو الفيلم قائلا فى مقال له فى جريدة «المساء»:
اختلف الحكم على سيناريو الفيلم، وأنا لا أملك إلا الثناء عليه إذ كان تسلسل المشاهد، وتركيب بعضها فوق بعض يسيران باتصال مقنع مريح لا يقطع تخلخل وركود أو غموض أو حشو لا طائل تحته، والإضافات التى أدخلها على القصة خدمت الفيلم كرضا الأب لخادمته بما لا يرضى به لابنته.
كما كتب صبرى موسى سيناريوهات عدد من الأفلام المهمة مثل فيلم «الشيماء» عن قصة على أحمد باكثير، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا، وكان عرضه الأول بتاريخ 28 أغسطس 1972، وهذا العمل الذى يُعد واحدا من أبرز ما قدمته شاشة السينما من أفلام دينية، كان يتميز بلغة سينمائية بليغة، وتضمن عددا من الأغنيات الدينية الجميلة بصوت سعاد محمد، وتنوعت رحلة صبرى موسى فى مجال كتابة السيناريو بين الاجتماعى والدينى والفنى والأدبى، ومن الأفلام المهمة التى كتبت السيناريو لها فيلم (ميزان القلوب»، وهو فيلم روائى قصير عن الباب شنودة، وبطريرك الكرازة المرقسية، وأخرج الفيلم أشرف فهمى.
ومن التحديات التى خاضها صبرى موسى هى تحويل كتاب لسميح القاسم الشاعر الفلسطينى إلى سيناريو، وهو كتاب بعنوان «الصورة الأخيرة فى الألبوم»، وأتم كاتبنا السيناريو فى عام 1983، وحمل اسم الكتاب نفسه وكان من المفترض أن يكون الفيلم من إنتاج «ستوديو السينما العربية»، ومن إخراج غالب شعث المخرج الفلسطينى إلا أن السيناريو بقى موجودا فى أدراج صبرى موسى، ولا يزال السيناريو صالحا للتنفيذ والتصوير.
تجارب رائدة
وقد كاتبنا إلى الصحافة المصرية رحلة حافلة بالعطاء فلقد كانت ثمرة مقالاته الصحفية عن الصحراء الشرقية إنشاء محافظة البحر الأحمر، وعندما كتب مقالات عن رحلتنا فى الصحراء الغربية، تم إنشاء محافظة الوادى الجديد.
وفى أوراقه يُسجل ذلك صبرى موسى فيقول:
عندما نشرت رحلاتى إلى الصحراء انتبهت الدولة، وعرفت أن لدينا أماكن يجب النظر إليها، وكان الرئيس عبدالناصر بنفسه يتابع هذه السلسلة، وبعدها أمر بإنشاء محافظتى البحر الأحمر، والوادى الجديد، وظلت المحافظتان كلما احتفلتا بعيدهما القومى توجهان لى الدعوة بالحضور.
ابتكر صبرى موسى بابًا مهمًا فى مجلة «صباح الخير» وهو باب «نادى القلوب الوحيدة»، الذى سرعان ما أصبح أشهر أبواب الرسائل الإنسانية فى الصحافة المصرية، وكانت رسائل القراء إلى الباب تعتمد على المشاعر والبوح بها أكثر من كونها مشكلات، ومن هنا تألقت فكرة الباب فى ذهنه، وخصصه لأصحاب القلوب الوحيدة، ومن أوراق كاتبنا عن هذا الباب يقول:
(بعد لحظة تأمل عميق، رأيت فيها أن المجتمع أخذ يتجه للشكل الفردى بطريقة متزايدة، ومن هنا نشأت فى خاطرى فكرة الباب الذى قد أنجح من خلاله فى جعل الناس يتكلمون معا من ناحية، وتنمية الإحساس لديهم بالتواصل من ناحية أخرى.
وقد استعان صبرى موسى بالكاتبة المبدعة زينب صادق لتساعده فى تحرير الباب الجديد.
وقد شَرُفت بالعمل معهما كاتبة هذه السطور، فكنت أختار قصائد شعرية لأبناء جيلى للنشر فى هذا الباب، واختار المأثورات الشعرية لكبار الشعراء المصريين والعرب لتزين صفحاته، كما نشرت فيه أيضًا بعض أشعارى وكان يقوم الفنان «تاد» بتقديم معزوفته من الرسوم الجميلة المعبرة لتكتمل النواحى الفنية لإخراج هذا الباب بشكل جذاب، وكان يتم طابعته على ورق ملون يتميز عن بقية صفحات المجلة.
كانت تجربة صبرى موسى فى الصحافة تجربة مهمة وطويلة، فقد عمل وهو فى السابعة عشرة من عمره سكرتيرًا لتحرير مجلة «التحرير»، وهى أول مجلة تصدرها ثورة يوليو، ثم استعان به يوسف السباعى ليكون سركتيرًا لتحرير «الرسالة الجديدة»، ورشحه حسن فؤاد للانضمام إلى كتيبة الشبان المبدعين الذين قامت على أكتافهم «صباح الخير».
كما أصدر صبرى موسى أول مجلة تخاطب الجاليات العربية فى أمريكا أثناء إقامته هناك وسماها «بالعربى»، وتولى رئاسة تحريرها، وقد وصل توزيعها إلى 25 ألف نسخة، وصدرت شهريًا، واستطاعت أن تحقق نجاحات استثنائية، وكان يهدف منها إلى تشكيل رأى عام موحد من العرب المهاجرين وربطهم بجذورهم وأوطانهم الأصلية، وإطلاعهم بطريقة علمية وصحفية على ما يمكن أن يسهموا به فى تنمية هذه الأوطان.
لقد استطاع أيمن الحكيم أن يُقدم ترجمة مهمة لسيرة صبرى موسى، ولرحلته الإبداعية والصحفية والإنسانية، والتى تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.