فى ديسمبر الماضى تشكلت لجنة «إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال» فى السودان بناء على قانون «تفكيك» نظام 30 يونيو 1989 وإزالة التمكين الذى اعتمده مجلس الوزراء السودانى فى نوفمبر الماضى لتفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير. وفى الوقت الذى تكثف فيه اللجنة جهودها لاسترداد مئات الملايين من الدولارات لصالح الشعب من قيادات النظام السابق (حزب المؤتمر الوطنى المنحل)، ورموز التنظيم الإخوانى، أكد خبير فى الشأن السودانى أنه عقب انتهاء عمل اللجنة سيتم الكشف عن زيف ادعاءات مشروع الإخوان للإنقاذ فى السودان. وقال محمد شمس الدين، الكاتب الصحفى السودانى ل«صباح الخير»: إن المعادلة الفكرية ليست من أدوار اللجنة لكن النتيجة ستكون لصالح السودان لكشف حقيقة حقبة الإسلاميين التى عاشتها البلاد فى عهد «البشير». وتوقع «شمس الدين» أن تغيب شمس الإسلاميين وفى القلب منهم «جماعة الإخوان» عقب انتهاء المرحلة الانتقالية بالبلاد، معتبرًا أن الجماعة تعيش مرحلة من التخبط ظهرت فى قيامهم بأعمال من شأنها تخريب الأمن والاقتصاد فى صورة «ثورة مضادة» والجماعة تتحرك بإشارات من التنظيم الدولىلجماعة الإخوان الإرهابية فى محاولة لفرض أمر واقع «إما هم أو الفوضى». ولفت إلى أن إخوان السودان كانوا على مر التاريخ تابعين لإخوان مصر باعتبارها تحتضن منصب المرشد العام للجماعة، وعقب سقوطهم فى 30 يونيو 2013 بمصر اقتربت نهايتهم فى السودان، فالسمكة تفسد من الرأس، متوقعًا ألا يعيد الصندوق الانتخابى الإخوان للمشهد السياسى فى السودان مرة أخرى. تمكين الإخوان وأشار «شمس الدين» إلى أن الرئيس السابق البشير طيلة حكمه كان يمكن ويكرس لجماعة الإخوان على المستويات كافة، وكان هناك وجهان للجماعة حيث كانوا يفعلون مفردات الجماعة ويستخدمون مصطلحات سياسية على الملأ لخداع المجتمع الدولى،مشيرًا إلى أن هذا التمكين صاحبه الفساد بشكل كبير سواء فى مستويات الحكم وحتى القضاء حتى أنه تم الكشف فى أحد مؤتمرات لجنة إزالة التمكين أن أحد القضاة كان يعمل فى جهاز أمن يخص حزب المؤتمر الوطنى وموالى لجماعة الإخوان بشكل كامل. وليس هذا فحسب – والحديث ل«شمس الدين» ف«سودان البشير» كان ملاذًا لكل قيادات الإرهاب بدءًا بأسامه بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، مرورًا بكل الجماعات الأخرى، حتى أن العديد من إخوان مصر هربوا إلى الخارج عقب ثورة 30 يونيو عبر بوابة السودان، وبانتهاء حقبة البشير انتهت مرحلة التمكين التى أصل إليها حسن البنا منذ تدشين الجماعة. وبحسب أدبيات الجماعة، ترى أن سقوط الخلافة فى العام 1924 هى التى أدت لضعف العالم الإسلامى، وأن إعادة الخلافة هو الحل الأمثل لإعادة هيبة العالم الإسلامى وفى سبيل ذلك تسعى لإسقاط كل الحكومات، وإقامة حكومة مركزية، لأنها ترى أن «الحدود تراب». وثيقة التمكين فى عام 1992، عثرت قوات الأمن على وثيقة سرية مكونة من 13 ورقة، فى منزل القيادى الإخوانى خيرت الشاطر، تمحورت حول سبل التغلغل فى الدولة، تمهيدًا للاستيلاء على الحكم، والتى وضعها مصطفى مشهور، المرشد الخامس للإخوان، الذى كان هاربًا خارج مصر آنذاك. وتتعلق الوثيقة بخطة الإخوان من أجل استخلاص الحكم (التمكين) عبر التغلغل فى طبقات المجتمع الحيوية، وقطاعات الطلاب والعمال والمهنيين، وقطاع رجال الأعمال والفئات الشعبية الأقل قدرة، باعتبارها حجر الزاوية فى خطة التمكين. وتنفيذًا لتعليمات مؤسس الجماعة الإرهابية «البنّا» بضرورة استفادة الجماعة مما أسماه «عصر التكوين»، دعا «مشهور» فى وثيقة التمكين إلى حشد الطاقات، والتنسيق بين المؤسسات والتعاون بين القيادات؛ لتمكين الجماعة من الحضور فى كل الأقطار، ومن ثم إعلان ميلاد الدولة الإخوانية المزعومة، وعند وصولهم للحكم فى عام 2012، لجأوا إلى التهديد بالعنف واستعماله لاحقًا عقب سقوطهم. وبعد أشهر على وصول الإخوان إلى سدة الحكم سعت الجماعة إلى «أخونة مصر» حيث عيّن الرئيس الإخوانى 8 وزراء و5 محافظين و8 فى مؤسسة الرئاسة من الجماعة، ونجح رجال جماعته فى اختراق مفاصل 20 وزارة من خلال تعيين مستشارين للوزراء ومتحدثين إعلاميين ورؤساء للقطاعات ومديرى مكاتب الوزراء، إضافة إلى تعيين 5 نواب محافظين، و12 رئيس حى ومركز، و13 مستشارًا للمحافظين. رسائل المؤتمر الخامس وقال منير أديب، الخبير فى شؤون الإرهاب الدولى: إن حسن البنا، منذ اللحظة الأولى لنشأة تنظيمه فى مارس 1928 وضع أدبيات التمكين بدأها بالفرد المسلم والأسرة والمجتمع والحكومة والخلافة وأستاذية العالم، وتأتى مرحلة التمكين الأخيرة وقبلها الدعوة ثم الصدام ثم التمكين وهو الثمرة التى يرجوها. وأضاف أديب ل«صباح الخير» أن البنا أقام التنظيم ولم يستخدم السلاح ولم ينشأ الذراع العسكرى سوى فى فبراير عام 1939 بعد رسالة المؤتمر الخامس أى عقب مرور أكثر من 10 سنوات كاملة من نشأة الجماعة، وخلال تلك الفترة لم يطلق رصاصة واحدة لأنه يدرك أن ثمة مراحل يمر بها التنظيم، وخلال المؤتمر قال «البنا»: إن فريقًا من الناس يتساءلون «هل فى منهاج الإخوان أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم؟ وما وسيلتهم إلى ذلك؟».وأجاب: «الإسلام الذى يؤمن به الإخوان يجعل الحكومة ركنًا من أركانه، فهو حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحد منها عن الآخر». وأكد فى خطبته الموثقة فى كتاب «رسالة التعاليم»، «الإخوان لم يروا فى حكومة من الحكومات من ينهض بهذا العبء، وليعمل الإخوان لذلك»، وكان من بين الحضور شاب فى عامه الثامن عشر، يصغى إلى تعليمات الشيخ الملهم الذى بايعه قبل سنوات ثلاث، وهو مصطفى مشهور الذى أصبح فيما بعد مرشدًا خامسًا للجماعة (1996-2002)، فلم تمر عليه خطبة «البنّا» مرور الكرام، بل حفظها وأضاف عليها، ليضع ما تُعرف ب «خطة التمكين» التى خطّ فيها وسائل الجماعة للوصول للحكم وتم ضبطها لدى «الشاطر» فيما عرف بقضية «سلسبيل». شرعنة العنف أوضح «أديب» أن استخدام الجماعة للنصوص الدينية وتطويعها سياسيًا منذ عهد البنا تهدف إلى شرعنة العنف، فحينما قال مؤسس الجماعة «القوى شعار الإسلام وسنستخدمها فيما لا يجدى غيرها » كان يقصد أن العنف وسيلة للتغيير، ومرحلة «الإخوان بالاستخلاف» تسبق التمكين واعتمدت أدبيات الجماعة على نصوص وآيات قرآنية، حيث استخدمت النصوص لتطويع مفهوم التمكين، وواقعيًا فى سبيل ذلك اصطدمت الجماعة بالملك أولًا وبكل الرؤساء من بدءًا من جمال عبدالناصر وانتهاء بعبدالفتاح السيسى. وأضاف الخبير فى شؤون الإرهاب الدولى أن البنا كان يزعم أن فكرة التمكين والاستخلاف ليست بجديدة بل يحض عليها الإسلام فى أكثر من 18 موضع قرآنى كما تشير الجماعة فى أدبياتها وإذا صح ذلك ففكرة الاستخلاف القرآنى أى أن يستخلف الإنسان فى بناء وعمارة الأرض وليس استخلاف الإخوان فى الحكم كما يصورون. شعار العنف وأشار «أديب» إلى أن العنف مؤصل لدى الجماعة ومنذ طرحها الاول وشعار التنظيم سيفين ومصحف وكلمة «وأعدوا» دلالة استخدام الآية القرانية، فهى تعنى فكرة الإعداد من أجل التمكين والسيفين حيث يحمى السيفين المصحف «أى الحق» من وجهة نظر الجماعة، وهى التى استخدمها حسن البنا فيما نطلق عليه التمكين، وشدد على أن أفكار الإخوان مسلحة منذ البداية وإن تأخر استخدام العنف لنحو 10 سنوات (عقب المؤتمر الخامس) فالفكرة ليست دعوة وإنما قائمة على اجتهادات خاطئة للنصوص الدينية. وفكرة العنف طرحها الإخوان عبر أجيال كثيرة ودرست لكل أفراد واتباع الجماعة فى المحاضن التربوية حتى خلقت أفرادًا واتباعًا يدركون أن القوة والعنف جزء من الفكرة، وصحيح لم يستخدموا العنف الجنائى فى كل المراحل التاريخية لكن كلهم يؤمنون بالعنف واستخدام القوة أمر له علاقة بالدعوة التى آمنوا بها، وهو ما ظهر جليا عقب ثورة 30 يونيو لأن الفكرة حاضرة لكن فقط تم استدعائها. «دفع الصائل» وكشف أديب أن الجماعة عقدت «لجنتها الإدارية» عقب ثورة يونيو وظلت اللجنة الشرعية فى اجتماع لمدة 3 أشهر لدراسة فقه «دفع الصائل» وبالفعل أنتجت بحثا لما أسمته «المقاومة الشعبية» لشرعنة العنف وتم توزيعه على مختلف المكاتب الإدارية بكل المحافظات ومنه ظهرت كل جماعات العنف مثل سواعد مصر «حسم»، ولواء الثورة والعقاب الثورى وغيرها. وتابع: «فى أدبيات الجماعة العنف هو المرحلة المفصلية بين الدعوة والتمكين لأن الأفكار لن ترى النور إلا من خلال التمكين، لكن الجماعة استفحلت فى استخدام العنف واستعجلوا مرحلة «التمكين» فنشأت الدعوة على أكتاف مدرس ابتدائى «البنا» وسقطت على أكتاف «محمد مرسى» لأنهم استعجلوا فى كل مراحلهم مفهوم التمكين. وأوضح أن كل الجماعات المتطرفة لديها مفردات للتمكين قائمة على تكفير الآخر وإيجاد أدوات حقيقية لتمكين الأفكار ومن ثم استخدام العنف ضد الآخر حتى الوصول لهذه المرحلة من التمكين، فمثلا الجماعة الإسلامية تضع العنف مباشرة نصب عينيها فتسرع فى تشكيل «ذراع عسكرى« ومثلها تنظيم الجهاد والتى سعت لقتل الرئيسين المصريين الراحلين محمد أنور السادات وحسنى مبارك، لكن الإخوان كانوا أكثر حنكة حيث خلطوا العمل الدعوى بالمسلح للإيهام بأنه ليس لهم علاقة بالعنف لتمرير أفكارهم لمرحلة التمكين ثم استخدموا أدوات التمكين لاحقًا. ورأى «منير» أن الجماعة فشلت فى التمكين بسقوطها فى مصر «الرأس» وانهارت تنظيمًا لكن لا تزال الأفكار حية وهو ما يتطلب بذل المزيد من المجهود لمجابهة تلك الأفكار المتطرفة.