تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بجامعة قناة السويس    بعد قليل.. وزير التعليم يفتتح المعرض السنوي لطلاب المدارس الفنية بالقاهرة    رئيس جامعة بني سويف يرأس اجتماع مديري الكليات    أسعار السمك اليوم 30 أبريل.. البوري ينخفض ل70 جنيها بعد المقاطعة    شون وصوامع المنيا تستقبل 57 ألف طن من محصول القمح    سعر الذهب اليوم الثلاثاء في مصر يتراجع مع بداية التعاملات    بعد عودة بروتون ساجا.. أرخص 5 سيارات سيدان موديل 2024 بمصر    وزير الري: البحث العلمي والابتكار أساس الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0 -تفاصيل    لدعمهم وتأييدهم لفلسطين.. جامعة كولومبيا تنفذ تهديدها وتفصل عددًا من الطلاب    خبير يكشف أهمية رئيس مجلس الرئاسة في البوسنة والهرسك إلى مصر    نصف نهائي الكبار.. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء    حسين لبيب يكشف مفاجأة عن هدفي الزمالك الثاني والثالث ضد دريمز    الأهلي يختتم تدريباته اليوم استعدادا لمواجهة الإسماعيلي.. اليوم    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة دون إصابات في فيصل    السجن المشدد 10 سنوات لعاطل لاتجاره في الهيروين بالإسكندرية    خلال 24 ساعة من ضبط 10798 مخالفة مرورية متنوعة    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بالأسعار    هل وجود سيدنا موسى في مصر حقيقة أم جدل؟.. "الافتاء" ترد علي زاهي حواس    "رقبتي ليك يا صاحبي" أحمد السقا يوجه رسالة إلى كريم عبد العزيز    عاجل.. "الصحة" تحسم جدل الإصابة بجلطات بسبب أسترازينكا في 9 تصريحات رسمية    أسترازينيكا: لقاح كورونا يسبب أثارا جانبية مميتة| فما مصير من تلقي اللقاح؟    وزير المالية: مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة يؤكد قدرة الاقتصاد المصرى على جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية    «تمويل التنمية الأمريكية» تدرس تمويل استحواذ «أكتيس» على محطة رياح جبل الزيت    مؤسسة ساويرس تقدم منحة مجانية لتدريب بحارة اليخوت في دمياط    "صدى البلد" يحاور وزير العمل.. 8 مفاجآت قوية بشأن الأجور وأصول اتحاد عمال مصر وقانون العمل    مصادر: من المتوقع أن ترد حماس على مقترح صفقة التبادل مساء الغد    الأرصاد تكشف موعد ارتفاع درجات الحرارة (فيديو)    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    أمير الكويت يزور مصر على رأس وفد رسمي رفيع المستوى اليوم    سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    طريقة عمل السجق بالبطاطس بمكونات سهلة وطعم شهى    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    إمام: شعبية الأهلي والزمالك متساوية..ومحمد صلاح أسطورة مصر الوحيدة    اليوم.. استئناف فتاة على حكم رفض إثبات نسب طفلها للاعب كرة شهير    اليوم.. الحُكم على 5 مُتهمين بإزهاق روح سائق في الطريق العام    هل يرحل مارسيل كولر عن تدريب الأهلي؟    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    شقيقة الأسير باسم خندقجي: لا يوجد أى تواصل مع أخى ولم يعلم بفوزه بالبوكر    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن سلسلة غارات عنيفة شرق مخيم جباليا شمال غزة    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإبداع الصادق ذاكرة تحفظ روح الشعب
نشر في صباح الخير يوم 02 - 09 - 2020

مثلما حمل الفلاح المصرى فاسه على كتفه وارتحل لأول مرة فى السبعينيات.. كان «الخروج الكبير» لمثقفينا أقرب إلى «الظاهرة» التى التمس لها البعض الأعذار. بينما رأى فيه جزءًا من آخر «قطفة» لأجيالنا المثقفة نوعا من «الهروب الكبير» وليس «الخروج الكبير» وشتان بين المعنيين.
1 - تغريبة
قلت للدكتور غالى شكرى فى محاولة فتح جسر الكلام أن الاغتراب لم يكن يوما من تقاليد الثقافة المصرية.. ربما كان هناك أفراد سافروا فى بعثات أو غيرها بعكس إخواننا من شعوب كالسوريين واللبنانيين والمغاربة تعتبر الحياة فى بلاد أخرى غير بلادهم جزءا – تقريبا – من طبيعتهم.. فلماذا فى السبعينيات- بالذات – «هان» على بعض مثقفينا أن يغتربوا.. هل كان الخلاف مع النظام السياسى قويا إلى درجة اقتلعت أو خلخلت جذور البعض؟
دفعة واحدة ألقيت بكلماتى ليبدأ نوع من «المونولوج» عن الغربة أو التغريبة لماذا وكيف و.. لم أفعل سوى محاولة «عنونة» المونولوج ثم أمعنت الإنصات للدكتور غالى الذى تأهب ثم أمسك بأول الخيط. والحقيقة أن هناك أسبابًا بالغة الصعوبة والتعقيد كانت وراء «الخروج الكبير» لأعداد المثقفين المصريين فى السبعينيات.. إنه خروج شمل جميع الاتجاهات فليس اختياره بعينه هو الذى ترك البلاد وكان فى العادة عندما تحدث بعض الظروف السياسية ويضطر بعض المثقفين للمغادرة، فإن الذين كانوا يفعلون ذلك كانوا المتضررين من الحدث السياسى، لكن الذى حدث فى السبعينيات فى مصر أن اتجاهات متباينة تماما ومن بينها اتجاهات كانت مؤيدة للسياسة القائمة خرجت، وهذا يؤكد أن السبب السياسى كان أحد الأسباب لكنه ليس السبب الوحيد لخروج المثقفين.. هناك أسباب شخصية بالنسبة للعديدين لكن هناك سببا عاما واضحا وراء هذا الخروج هو «النفط».. فمع بداية السبعينيات حدثة الهجرة الواسعة للصحفيين وأساتذة الجامعة وغيرهم وكان الاتجاه أساسا نحو الدول البترولية.. القليلون جدا سافروا لأوروبا، يعنى لم يكن النفط وراء خروجهم لأن المؤسسات الثقافية كالصحف والمجلات المهاجرة لم تظهر فى أوروبا إلا مؤخرا ربما أوائل الثمانينيات وهذه الصحف والمجلات اعتمدت أساسا على العنصرين السورى واللبنانى ممن تركوا لبنان بعد الحرب الأهلية واستعانت بالعنصر المصرى المقيم فقط فى مصر بحكم حاجتها إلى مادة مصرية.
2 - كان النفى اختياريا
الدولة لم تنف أحدا.. كان النفى اختياريا.. أنا مثلا وجدت نفسى لا أكتب.. ممنوعا من الكتابة وأنا لا أطيق ذلك فليس لى عمل آخر تقولين يمكنك أن تكتب وأنت هنا.. كان مستحيلا فى ذلك الوقت.. كنت ممنوعا من السفر وحصلت على إذن بالسفر بعد تدخلات عديدة، أنا خرجت من مصر فى مايو 1973 بعد إدراج اسمى ضمن قائمة ضمت 120 كاتبا وصحفيا طردتهم ما سمى وقتها بلجنة النظام من عضوية الاتحاد الاشتراكى، وكان ذلك معناه أيضا الطرد من العمل.. لابد هنا أن أشير إلى أن الأهرام لم يطردنا من العمل لكن لم نعد نذهب إلى أعمالنا.. عندما سافرت كنت متصورا أن غيبتى عن مصر لن تتجاوز الأسبوعين.. كان لى كتابان يطبعان فى بيروت لكن الغيبة استمرت ثلاثة عشر عاما منها ثلاث سنوات فى بيروت وعشر فى باريس.. فى بيروت لم أشعر بالغربة أبدا.. لأن لبنان كانت بيئة عربية تماما بعدما استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تجذب كثيرين جدا من البشر والمؤسسات ذات الطابع العربي.
فترة إقامتى فى لبنان كانت مثمرة جدا.. لى فائدتها أدخلت فى تكوينى أشياء جوهرية مثلا «كالفكرة القومية» لم أزدد إيمانا بها لكنى أدركت معنى أن تكون ثقافة عربية واحدة رغم الشتات.. فى لبنان قرأت وعايشت.
ولمست.. ورأيت ودخلت فى حوارات مع الإخوان العرب ما كان لى أن أدخلها لو لم أعش فترة فى بيروت. أدركت عديدًا من القضايا الثقافية العربية ليس فقط عبر الكتب لكن من خلال «الكتب البشرية».. الأدباء والفنانين والتشكيليين والسينمائيين لأن فى لبنان كانت هناك وحدة لمجتمع الثقافة كما كان الأمر عندنا فى الأربعينيات فتجدين التشكيلى الذى يهتم بالشاعر والسينمائى الملم بفن الرواية والروائى عاشق التشكيل.. وحدة الفنون بديهية وجدتها فى بيروت.
3 - من رحيل إلى رحيل
ما أن بدأت الحرب الأهلية حتى وصلتنى رسالة من المستشرق الفرنسى «جاك بيرك» يعرض على العمل فى جامعة «السوربون باريس 3» فى هذا الوقت كنت قد انتهيت من رسالتى للدكتوراة وفى انتظار المناقشة.. أيضا تزامن مع هذا العرض أن وصلت الأمور فى بيروت إلى حد ضرب الصحف ورأيت زميلى «إبراهيم عامر» يموت أمامى فلم يعد هناك مجال للتفكير فغادرت لبنان
4 - باريس
أنا فعلا فكرت فى العودة لمصر سنة 1976 ولم تكن هناك أى مشكلة لكن أنا كنت انتهيت بالفعل من الدكتوراة التى حملت عنوان النهضة والسقوط بين عصرى محمد على وجمال عبدالناصر دراسة فى الفكر المصرى الحديث.
فاتجهت إلى فرنسا.. هناك اشتغلت فى الجامعة وساهمت فى تأسيس مجلة الوطن العربى وكان صاحبها نفسه صاحب جريدة المحرر التى عملت فيها ببيروت.. فى باريس اشتغلت فى الجامعة والصحافة وطبعا الاستفادة من باريس كبؤرة حضارة لا تحتاج منى لمزيد من الإفاضة.
لم يحدث لى أى انبهار بباريس فقد كنت أعرفها بالإضافة إلى أن الواحد كان رايح وعنده رؤية نقدية للأشياء عموما بحيث يخضع كل شىء للسؤال.
ونفس الحضارة هناك تساعد على أن تضع كل شيء موضع السؤال.. هى ليست حضارة يقينية أو إيمانية.. لكنها تساعدك لو كنت تملكين الاستعداد وأنا لا أنكر.. أنا شديد الاعتزاز بما استفدته من فرنسا.. وبالمناسبة أنا أعتبر أنه من المكاسب العظمى التى حصلت عليها نتيجة فرنسا «تربية أولادي» أنا عندى 4 بنات وولد.. أولادى كلهم تعلموا فى السوربون. ناهد ماجستير فى علم اجتماع السينما.. إلهام مدرسة علم اجتماع حاليا فى جامعة الفيوم بعد 12 سنة دراسة فى فرنسا، وائل أولى دكتوراة فلسفة بالسوربون، هدى ليسانس تاريخ وسوف يستمران حتى نهاية تعليمهما بالسوربون، بعد صمت لم يستغرق أكثر من وهلة استطرد:
وطبعا جامعتنا المصرية من المعاهد العلمية العريقة وكنت أتمنى أولادى يكملوا فيها لكن طالما البداية كانت هناك فلا مفر.
• شعرت بالحاجة هنا لأن أحول «المونولوج» إلى «ديالوج» فقلت : لكنك اعتبرت تعليم أولادك فى السوربون من مكاسب الغربة.
- رد: أنا اعتبرتها كذلك لأسباب منها أنه فى هذه الفترة بالذات كانت خيرة الكوادر الجامعية فى مصر هاجرت إلى دول النفط.. ايضا كان النظام التعليمى فى مصر وصل لمرحلة من التخلف أو التجمد وأظن أن هناك ثغرات عديدة حتى الآن فى التعليم بالإضافة إلى أن أولادى كانوا أصلا متعلمين فى «الليسيه».
• قلت يعنى أنت نجوت بأولادك ؟
- رد «هم نجوا».. وأنا مبسوط إن أنا ساهمت وقدرت أعلمهم لأن التعليم مرحلة بالغة الأهملية لكن فى النهاية بنت زى «إلهام» عاشت عمرها فى فرنسا واتعلمت هناك رفضت تشتغل هناك وجت واستلمت عملها فى جامعة الفيوم دون الشعور بأى غربة.. يعنى من باريس للفيوم مباشرة وكانت سعيدة ورفضت كل إغراء للبقاء.
• تساءلت : رفضت لماذا مع أن البقاء بعد 13 سنة كان أمرًا «ورادًا» ؟
علا إيقاع صوته بعض الشىء:
- لا.. البقاء لم يكن واردا أبدا.. فأنا لم أرفض العودة يوما لكن لتعقد بعض المسائل السياسية لم يكن من الممكن العودة إلا فى سنة 1985.
• استفسرت : لماذا بالتحديد 1985 وليس 1981 ؟
- أوضح : كان فيه قضية لابد من الحكم فيها.. وبالفعل بعد الحكم فيها عدت.. لكن من ناحية الدولة «الرئيس مبارك» فتح الباب على مصراعيه للعودة ولولا ذلك ما كان يمكن أن يكون للحكم فى القضية أية قيمة.. كان فيه ترحيب من مصر بعودة الناس بل «وحض» على هذه العودة وفى سنة 85 عاد محمود أمين العالم ومحمود السعدنى والفريد فرج وأنا.
كان قرار العودة من حيث المبدأ موجودا دائما يعنى راجع.. راجع لكن فيه فترات من السنوات.. وأنا بالخارج كنت مرغما فيها على الغربة.. «إقفلى لحظة وأنا أقولك..».
• طاوعت د. غالى وأغلقت التسجيل لأساله لماذا أوقفه ؟
- قال لى ربما يكون الكلام الذى أقوله غير قابل للنشر.. قلت ليس لنا أن نتخيل محاذير لا وجود لها فى الواقع فليكن «البوح» كاملا.. قال: زى ما تشوفى واستأنف.
«أنا أصدرت كتابا بالفرنسية والعربية والإنجليزية اسمه «الثورة المضادة فى مصر» يؤرخ للسبعينيات وكان هذا الكتاب أحد الأدلة الكبرى فى القضية التى أشرت إليها.. كان كتابا ضد سياسات معينة وبالتالى استوجب سحب جواز سفري.. كانت لحظة شديدة المرارة، كنت فى القنصلية أنا «والعالم» هو جددوا له الجواز لأنه لم تكن هناك قضية ضده وأنا سحبوا جوازى لوجود القضية..
حصلت على اللجوء السياسى فى فرنسا.. كنت الوحيد فى هذا الموقف لأننى الوحيد الذى أصدرت مثل هذا الكتاب رغم أنه كتاب هادئ جدا.. غير حاد.. أكاديمى أعيد نشره فى ظل الرئيس مبارك فى كتاب الأهالى، لكن الحكم فى تلك الفترة رأى أن صاحب الكتاب يستحق العقاب.. لا يمكن أن أصف لحظة سحب الجواز، ربما يذكرها معى «العالم» كانت حالتى صعبة جدا أحسست أنهم سحبوا منى هويتى.
ومن سنة 78 حتى 81 كان مستحيلا عمل أى شىء.. كلمت كل المسئولين الذين كانوا يفدون لباريس بلا جدوي.. ومن 81 حتى 82 أيضا نفس الشىء لكن سنة 1982 أنا رفعت قضية ضد وزارتى الداخلية والخارجية وهنا أشعر بالامتنان العميق لذكرى الأستاذ فتحى رضوان، الرجل قام بجهد غير عادى سواء على صعيد القضاء أو على الصعيد الشخصى.. وفى 85 حسمت القضية لصالحى وحكم برد الجواز.. خبر رد الجواز وصلنى بمكالمة من القنصل رفيق صلاح الدين.. قال لى مبروك تقدر تأخذ جواز سفرك فى أى وقت.
أنا رجعت فى نفس الأسبوع.. شفت البيت طبعا كانت طبقة سميكة من السواد تغطى الجدران.. رحت الأهرام.. لقيت نفسى مفصولا وأذكر للتاريخ أن الأستاذ إبراهيم نافع قال لى: «اعتبر نفسك كنت فى إجازة لكن ده بيتك أهلا وسهلا بك» ولابد أيضا أن أنوه برسالة كتبها كل من الأستاذين توفيق الحكيم ونجيب محفوظ إلى إبراهيم نافع دون طلب منى ولم أعرف بها إلا من إبراهيم نافع الذى قال لى إنها وسام على صدرك بما تحمله.. الرسالة نموذج لكيف تكون العلاقة بين الأجيال.. وفعلا تسلمت عملى بالأهرام سنة 87.
محاولة» لوصل ما انقطع
فى عاميتنا المصرية شديد الحكمة قول شعبى أثير «اللى ما تصبحه ولا تمسيه ما تعرف إيه اللى بيجرى فيه».. وقديما قال فيلسوف يونانى : إنك لا تنزل إلى النهر الواحد مرتين، استشعر خيطا بين المعنيين «هو التغير» الذى لا يبقى شيئا على حاله ويجعلنى بحاجة لأن أفهم جيدا كيف لكاتب أن يصل ما انقطع بعد غياب ثلاثة عشر عاما.
فتحت سرداب الكلام ولم يطل انتظارى لكلمات د. غالى أنا لم أنقطع عما يدور.. فى الخارج لم أكتب مقالة واحدة من كاتب أجنبي.. كل ما كتبته كان عن «الثقافة المصرية» أساسا والعربية عموما.. أصدرت عشرة كتب محورها الثقافة المصرية.. دافعت عن الثقافة المصرية فى أقسى الظروف لأنه تصادف أن السنين العشر فى الغربة واكبت بَعْد مصر القسرى عن العرب.. هوجمت الثقافة المصرية لا بدافع مبدئى أو سياسى أو رغبة فى تعديل المسار لكن كان الهجوم – من وجهة نظرى الشخصية – تفجير «المكبوت» ضد مصر.
• استفسرت كان الرصيد المكبوت «غير ودى» ؟!
- أفاض «الإحساس بالعنصرية إحساس موجود عندنا كلنا بل عند العالم كله عموما فيه «حتة» الإحساس بالتفوق وكل واحد يوجد لهذا الإحساس الحيثيات المناسبة، لكن فيه فرق بين أن الواحد «يحاصر» هذا الإحساس أو يتركه يستفحل، فى ظل غياب مصر هناك فئات عربية اتخذت موقفا ليس ضد النظام المصرى أو الحاكم إنما ضد مصر وضد الثقافة المصرية كثقافة مصرية.. هؤلاء بالتأكيد لا يعبرون عن الأمة العربية لكن «استعمال» هذا الجانب العنصرى واكب ظرفا تاريخيا معينا هو «الظرف النفطي». أنا أرى أن فيه ظاهرة اسمهاعنصرية النفط.. مثلها مثل الوحدة العربية القديمة وكنت أدعوها وحدة انفصالية.. مبنية على أسس غير وحدوية كذلك بالنسبة لظهور النفط.. أحدث «عنصرية نفطية» سواء بالسلب أو الإيجاب.. يعنى سواء كنت منتجا أم مستهلكا للفنط هذه العنصرية أنا لمستها بنفسى عند بعض المثقفين وهنا أنا حريص على كلمة «بعض».. وهذا البعض كان له ذلك فى الوقت الضعيف السيطرة والصوت العالي.. وفى فرنسا كان جزءًا من الصحف المهاجرة يفسح صفحاته لهذه «النعرات» التى كانت تنال من الشعب المصرى ومن الثقافة المصرية.
طبعا لم أكن أنا الوحيد الذى دافع عن الثقافة المصرية فى مواجهة هذه النعرات لكن أخص بالذكر أحمد عبدالمعطى حجازى ومحمود العالم.. فرغم خلافنا فى ذلك الوقت مع النظام المصرى إلا أننا قمنا بالدفاع عن الثقافة والمثقفين المصريين.. دفاعنا مسجل.. وتاريخي.. ليس دفاعا بالحق والباطل لكنه دفاع بوضع الأمور فى نصابها.. فهناك أشياء موضوعية لابد أن نكافح بها عنصرية «بعض» المثقفين العرب.. أنا شخصيًا كتبت «اثنتين وثلاثين» مقالة فى مجلة الطليعة لصاحبها رياض أبوملحم، كلها كانت دفاعا عن المثقفين المصريين واحدا واحدا. وللأمانة لم تكن «عنصرية النفط» موجهة ضد المثقفين المصريين وحدهم لكن عانى منها ألوف العمال والعاملين فى كثير من بلاد النفط ولا أريد ونحن فى لحظة التئام تاريخية أن «أنكأ» الجروح
• قلت : برأيك كيف كانت بصمة «الحقبة النفطية» على الثقافة العربية ؟
- قدم لإجابته بقوسين: «أولا لابد من القول أننى لست فى حاجة للتنبيه إلى أن حرب أكتوبر هى التى جسدت قيمة النفط ورفعت أسعاره و.. و.. لكن على أية حال النفط أحدث أثرين فى مجال الثقافة. أمواله أسست مدارس وجامعات ومراكز أبحاث جديدة ومجلات وغيره، وهذا كله «خير للثقافة» لكن نفس هذه الأموال ساهمت من جهة أخرى فى تغيير سلم القيم لدرجة يمكن القول انها أحيانا قلبت هذه القيم رأسا على عقب.. قدم النفط مئات من الوجوه التى أطلق عليها «أدباء وفنانون» وهم فى الواقع لا علاقة لهم بالفن والإبداع !».
قلت: صنعوا نجوما ! رد.. بفلوس النفط!.. أى واحد عنده منبر يقدم عشرات الوجوه وبعضها جنبا إلى جنب مع لويس عوض وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ.. كأنهم متساوون. الأمر الثانى الذى ترك «بصمة نفطية» على الثقافة أنه فرض ذوقا سائدا بل تدخل فى عملية الإبداع لدرجة لا يمكن تصورها.. لا يمكن أن أنسى أنهم طلبوا من كاتب موهوب موهبة كبيرة مرة أن يكتب عشر قصص من «مقاس معين»!.
وهو لا يكتب هذا الحجم.. مع ذلك وافق وأخذ منهم ألفى جنيه بالتأكيد أن مرة واحدة تخلق عادات تستمر.. وهذا ما حدث.. حاجة كده زى «الشم.. شم البترول»!
- أيضا نفس الحقبة النفطية فرضت محرمات معينة لدى الكتاب فهى أساسا نتيجة لأسواق خليجية لها مواصفات فكرية ووجدانية معينة.. استخدمت سياسة الثواب والعقاب مع الكتاب.. حسب مواقفهم العامة وبالذات من هذه الدول.. تحولت الثقافة إلى جزء لا يتجزأ من الوسيلة وهى «الإعلام» بحيث أن الورق المصقول والطباعة الفاخرة دخلا فى البنية الثقافية للمتلقى فأصبح لما تعطى له مجلة ورقها أصفر أو متواضع لا يقرأها.. بينما هو فقير.. هذه قيم بديلة وليست مجرد مسألة شكلية قيم استهلاك مجنون وتفريغ للعقل من أى اهتمام.. قيم تفرز حالة من «الفانتازيا» وعدم الجدية.. يعنى هم اشاعوا رشوة الكتاب ورشوة القراء فاختلت الأوزان.
• تساءلت : هم أشاعوا الرشوة لكن أين مسئولية الذى يقبل أن «يرتشى» هل تبرئه؟
- بدت إجابته أكثر واقعية من سؤالى وقال: شوفى إحنا مش ملايكة.. الكاتب لو بيأخذ فى مصر 200-300 جنيه دول بيخلصوا فى الأيام الأولى من الشهر يعنى هو لابد يكتب.. مش علشان مواجه لكن علشان يعيش لأن معندوش عمل تاني.
• غلبنى الخوف «هل تغلغلت هذه الآفات فى صُلب الإبداع المصرى»؟
- اكتسى وجهه بمسحة استبشار: واثق سوف تندهشين لو علمت أنها أثرت تأثيرا إيجابيا فى هذا الإبداع.. أنا قرأت رواية قصيرة للمنسى قنديل «بيع نفس بشرية» وأخرى لم تطبع لإبراهيم عبدالمجيد وثالثة صورت حديثا لجمال الغيطانى «البصائر فى المصائر» وكل هذه الأعمال تناقش «الحقبة النفطية» «بجرأة» كتابها مش خايفين من حد.. وبإبداع جديد.. يعنى مش نفس الأسلوب التقليدى اللى كان ممكن يخليك تحسى بالوهم.. لا مباشرة إبداعية.. بلا احتياطات.. أنا «فرحان» بالظاهرة وحاليا باكتب عنها.. كان من الممكن للمرحلة النفطية أن تدمر وقد دمرت البعض لكن مواهب هؤلاء الكتاب أثمرت.. تقاليد الثقافة المصرية.. هذا حادث على مستوى الإبداع الفردى، لكن «حصار البترول» يحاصرك.. يحاصر الناس وأنا يهمنى الناس.. فى التليفزيون والمجلات مازال الجانب السلبى هو الجانب السائد.. هو المهيمن.. فى السينما بيقولوا مفيش نصوص.. لأ.. فيه نصوص اللى عاوز يشتغل لكن للأسف التليفزيون والسينما اللى هما أخطر سلاح ثقافى الآن بيعرضوا «ذوقا بتروليا».
أنا قارئ للأدب والفكر لكنى أيضا مشاهد للتليفزيون وهو يهمنى جدا جدا.. ولا يمكن أتخلف عنه أو عن السينما كوسائط ثقافية غاية فى الخطورة وإلا أظل محدودا فيما يقرأ ثلاثة أو أربعة آلاف.. وللأسف فيه «ترزية فنون» فى أخطر أداتين فى العصر منذ عدت لمصر وأنا أتابع جيدا أعمال التليفزيون.. لم أتوقف إلا عند ليالى الحلمية ورأفت الهجان وهما تقريبا نفس الأعمال التى لفتت نظر الناس.. يعنى الناس ذوقها سليم.. أما يعرضوا مثل الغابة أو البيت الكبير أو ما شابه، الناس لا تهتم لأنهم طول النهار بيكلموا فى ميلودراما قائمة عن مشكلة ناس فى قصر، ودى مشكلة مش ممكن تخطر على بال المواطن المصرى إطلاقا.
• قلت ما الحكم الذى تصدره بعد «طلة» على الساحة الثقافية فى مصر ؟
- أعلن تشخيصا تقريريا: الساحة الثقافية المصرية فى ازدهار يتناقض مع الواقع الاقتصادى والاجتماعى .. فيه انتعاش ثقافى بالمعنى الواسع.. يعنى ليس فقط فى الإبداع بل فى الاقتصاد والاجتماع والفكر.. فيه فى مصر ثقافة و..
• قاطعته ربما للمرة الأولى وفيه نقد ؟
- رد : وفيه نقد.. منذ عدت وأنا أقرأ لنقاد مصريين شغلهم لا يقل عن المستوى الذى كان فى الستينيات.. مجلة زى أدب ونقد أو إبداع أو القاهرة فيها على الأقل ثلاث مقالات من 30 مقالة على مستوى جيد جدا.. من المتابعة والتكنيك.. أنا شايف أن كل الأدباء ذوى القيمة يكتب عنهم. فالنقد فرز.. الناس اللى يجب يكتب عنهم بيكتب عنهم.. حاليا أنا أعكف على كتاب خاص بالرواية المصرية الجديدة.. والشائع أن النقاد يجمعون مقالات فى كتب أو بالعكس يكونون أكاديميين ويكتبون تاريخ الظاهرة، وبالنسبة لى الناقد كالمبدع يعنى عمله.. كتابى سيدور حول الرواية المصرية الحديثة من 1960 حتى 1980.. وكما يختار الفنان.. يختار الناقد أيضا مواده وفقا لرؤية وموضوع وأنا اخترت الكلام عن العلاقة بين الحداثة الروائية المصرية وبين ما جرى فى مصر فى العشرين سنة من 60 الى 1980 وكملامح لهذا العمل أقول هناك عدة فصول منها ما يحمل عنوان «الطريق إلى الروح».. كيف تستلب الروح.. كيف يتم اغتيالها مستندا إلى أعمال الزينى بركات لجمال الغيطانى والهؤلاء لمجيد طوبيا – وفى فصل «بتاريخ الجسد» أعمال حكاية تو لفتحى غانم – زهر الليمون لعلاء الديب – تلك الرائحة لصنع الله إبراهيم – بالنسبة لحركات الطلبة سنة 68 أستند لأعمال شوق النخل «وقالت ضحي» لبهاء إبراهيم ثم تجربة الحرب كما بدت فى «الحرب فى بر مصر» ويحدث فى مصر الآن ليوسف القعيد. وعبدالحكيم قاسم وفاروق خورشيد لهما أعمال تناولت ما سمى بالفتنة الطائفية بطريقة جديدة.
• الذين يحسون بفراغ الساحة النقدية عندنا بعد رحيل د. مندور و«تقتير» كبار نقادنا فى العطاء.. هل هم على حق ؟
- قال : شخصيا أرى إن أحنا مش فى زمن «الأوحد» إحنا فى زمن الفريق.. محدش بيقوم بدور حد.. لكن هناك من يكمل الرسالة.. رسالة عبدالقادر القط ومندور ولويس عوض وعلى الراعى وشكرى عياد.. هناك من يكملها حتى فى غياب منابر واسعة للنقد.
• قلت : أذكر لى أسماء.
- رد : أقول لك.. د. عبدالمحسن طه بدر.. د. جابر عصفور.. رجاء النقاش.. د. سيد البحراوي.. إبراهيم فتحى.
• طرحت تخوفا : هل تؤثر معتقدات الناقد السياسية أو اتجاهه على تناوله العمل الإبداعى ؟
- لأول مرة يلتقط نفسا قبل الإجابة : هذا سؤال مهم جدا.. فى فترة كان الجانب السياسى يشكل نوعا من خداع النظر.. كان اختيار الناقد يعتمد للوهلة الأولى على الجانب السياسي.. هذا أضر بالأدب.. لأن انتماء الكاتب السياسى لا يعنيني.. بل يعنينى عمله الفنى ولا علاقة لى بما يقوله كسياسى شفهيا.. يهمنى عمله الفنى بيقول إيه.. وبيقول إيه مش سياسيا بل ثقافيا وحضاريا وجماليًا أما الانحسار فى الرؤية السياسية فهذه دائرة ضيقة وكلام لا علاقة له بالنقد الأدبى وللأسف إنه اتجاه كان ومازال مستمرا.
• أهلنى «مفتاح قراءة العمل الإبداعى، كما وصفه د. غالى لسؤال إلى أى مدى يمكن أن يكون الإبداع نوعًا من التاريخ للشعوب؟».
- قال باختصار : إنه تأريخ للروح.. الإبداع الصادق ذاكرة تحفظ روح شعب.. وقد تتجسد هذه الروح فى لحظة حضارية.. أو نموذج بشرى.. أو مجرد شعور.
وصف د. غالى ماتلى ذلك فى حوارنا بأننا معا دخلنا منطقة «ساخنة» كان العزف فيها على أوتار تمس فى الصميم «بعض تشوهات» حياتنا الثقافية.
• ماذا يعنى أن ما يكتبه د. إدريس ونجيب محفوظ وفتحى غانم بحسب وصف د. غالى شكرى يعد نوعا من «الكتابة خارج التاريخ» ومن المسئول عن «أمراض» الصفوة المثقفة؟
وظاهرة المثاليين فى الثقافة المصرية ومن أهم أصحاب «الكلمة» من أدباء ما أطلق عليهم بأدباء الستينيات وكيف يستلذ بعض المثقفين بالعزلة عن الناس ثم يتباكون.. و.. و.. و«أوتار» أخرى مازالت جاهزة للعزف.
الأسبوع القادم
د. غالى شكرى وهؤلاء: أحمد عبدالمعطى حجازى. د. يوسف إدريس. صلاح جاهين. فؤاد حداد. إحسان عبدالقدوس. نجيب محفوظ. عبدالرحمن الشرقاوى. جمال الغيطانى. عفيفى مطر. د. أنور عبدالملك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.