«والنيل على طول بعاده فات أهله وفات بلاده .. جاله يجرى فى ميعاده علشان يرويه، والخير فاض من إيدينا لما النيل فاض علينا.. احميه يا رب لينا يا رب احميه، القمح الليلة ليلة عيده، يا رب تبارك وتزيده»، بتلك الكلمات غنى الموسيقار محمد عبدالوهاب للقمح أشهر أغانيه وأشهر ما قيل فى حبوب القمح، ليظل المصريون جيلًا بعد جيل يتغنون بهذه الكلمات دليلاً على الخير والنعم التى وهبنا الله إياها، معبرين بالألحان شكرًا لله على «لقمة العيش». «بقالى 17 سن باشتغل فى مطاحن الحاج سيد الشرابى، عرفت كل المراحل اللى بتمر بيها حبة القمح لحد بنجمع أطنان من الدقيق ويتم توزيعها على المخابز لخبز العيش، عملية تحويل القمح لدقيق غالبًا ما بتقلش عن 48 ساعة، بنشرف عليها بمجرد وصول أشولة القمح من الشون أو الصوامع ويدخل المطحن على جرارات مخصصة ليه لحد ما تتحول لأشولة دقيق تتوزع للمخابز». هكذا بدأ المهندس عصام محمود أحد المشرفين على عملية خط سير القمح بمطاحن الحاج سيد الشرابى بمحافظة الجيزة حديثه، موضحًا جميع المراحل التى لا نراها ولا نعلم كم من الوقت تستغرقه حبة القمح حتى تتحول إلى رغيف العيش الذى نحمله على الأقفاص من الأفران والمخابز البلدى. «تصلنا مئات الكيلوات من حبوب القمح يوميًا، تدخل المطحن على جرارات ثم تصب فى نقر القمح، مكان منخفض عن الأرض بمسافة حوالى «2 متر»، تخصصه المطاحن لوضع القمح لحد ما تسحبه الساقية». بهذه العملية يبدأ المهندس عصام يومه المعتاد بمجرد وصوله المطحن واطمئنانه على استلام أشولة القمح ودخولها إلى المطاحن، لتوضع تلك الحمولة بنقر القمح، فى انتظار أن تسحبها سواقى المطحن، تلك السواقى التى يبلغ ارتفاعها ارتفاع المطحن بأكمله، والمحتوية على بعض القواديس، وهى عبارة عن أطباق كبيرة الحجم تقوم بسحب القمح إلى أسفل، ثم ضخه لأعلى بداخل «غربال الاستقبال». وتظهر وظيفة غربال الاستقبال من اسمه، يتم تجميع القمح فيه ثم تنقيته من الزلط والقش والحصى وحبات الطين والتراب، ثم المرحلة الثانية والمعروفة ب«صوامع الاستقبال» التى يوضع فيها القمح استعدادًا لغسله جيدًا وتنظيفه، «القمح يمر على أكثر من غربال، لكل واحد فيها وظيفة، وتنظيف للقمح حسب وسع فتحات الغربال حتى إن يصل إلى Dry stoner»، وأوضح المهندس عصام أن هذه الماكينة تكمن مهمتها فى فصل الزلط وحبات الرمل كبيرة الحجم عن حبوب القمح. غسالات القمح «أصبح عندنا حبوب القمح صافية بدون أى شوائب من الأرض باستثناء الطين والتراب.. وهنا ندخل على مرحلة جديدة»، يستخدم العمال مجموعة من الفرش على هيئة أسطوانات محتوية على شرائح ذات أسلاك مجدولة يوضع عليها القمح، ليتسبب احتكاك حبات القمح بتلك الأسلاك فى هرس أى شوائب، ثم وضع حبات القمح بالغسالات الموجودة داخل المطحن، وهى عبارة عن أحواض من الاستانلس ستيل مملوءة بالمياه يوضع القمح بداخله ليتم تنظيفه من أى شوائب عالقة به نتيجة لزرعه ونمو سنابل القمح، وجمعها وفرزها.. إلخ . وبعد أن يتم غسله وتنظيفه جيدًا، يحول إلى «النشاف» وهو عبارة عن جهاز داخل المطحن؛ لتجفيف حبوب القمح من المياه وضبط نسبة الرطوبة بها، وبعد ذلك «بريمة التوزيع» التى يوضع بها القمح عقب تنظيفه ليتم توزيعه على الصوامع الموجودة بداخل المطحن. «أحيانا يجيلنا أنواع مختلفة من القمح، قمح صلب وده يحتاج تنظيفًا وترطيبًا أكثر من القمح العادى»، فالقمح المزروع بالوجه البحرى أكثر رطوبة من القمح المزروع بالوجه القبلى، لأن حرارة الوجه القبلى العالية وشمسه القاسية تجعل حبة القمح أكثر صلابة، ومن ثم مراحل إضافية من الغسيل والترطيب والتجفيف. فصل الدقيق عن الردة «بعد مراحل الصوامع والتنظيف تبدأ مرحلة الطحن، بسحب القمح عن طريق البريمة ومنها للساقية والفرشة كمرحلة إضافية من التنظيف، ثم إلى خزان ومن الخزان على الميزان لتحديد كمية القمح التى سيتم طحنها»، وتابع عصام محمود حديثه عن طحن القمح عن طريق بعض الماكينات المعروفة ب «السليندر» ليتم ضخ القمح بداخلها ثم دشها على عدة مراحل إلى أن تصل إلى طحين، ثم رفعه على المنخل لغربلة ما تم طحنه وفصل الدقيق عن الردة ووضع كل منهما فى خزان منفصل. رحلة يومية لحبة القمح بعد أن تصل إلى الصوامع والشون ومنها إلى المطاحن، فيؤكد عصام أن المطحن لا يتوقف عن العمل نهائيّا، ويتم التبديل فى ساعات العمل بين العمال، ولكن المتابعة مستمرة على مدار 24 ساعة، فالقمح يستغرق ساعات طويلة فى غسله وتجفيفه ربما تصل إلى يومين متواصلين، ولكن إلى أن يجف يكون المطحن قد قام بجميع المراحل السابق الحديث عنها مع حمولات أخرى من القمح، «المصريون عددهم كبير، والمخابز والأفران بتخلص مخزونها فى أقل من ساعتين الصبح، عشان كدة المطاحن مستمرة 24 ساعة». «وأخيرًا تعبئة الدقيق فى الأشولة والردة أيضا فى أشولة أخرى منفصلة، يستلمها المتعهدون من المخابز، ويتم التوزيع للمخابز عن طريق النظام الموضوع من جانب وزارة التموين، التى تحدد لكل مطحن مجموعة المخابز التى يتم التوزيع لها، ومحدد لكل مخبز كم الدقيق الواجب توزيعه بالإضافة إلى نسبة الردة المعهودة التى يتم خبز العيش بها» وهنا تنتهى مهمة المطحن بعد أن يتم التوزيع للمخابز لتقوم هى بدورها بخبز رغيف العيش وتسليمه للمواطن.•