«موهبتى من وأنا صغيرة كانت رسم وقص أشكال وترتيبهم بجانب بعضهم، لم اكن أعرف إنهم مجال تخصص فى الكلية.. كنت دائما أحاول أرسم الشكل لأقرب للواقع». بعد انتهائها من الثانوية العامة قررت «مى عبدالله» الالتحاق بإحدى الكليتين، إمّا الفنون الجميلة أو التربية الفنية، كتبت رغبتها الأولى بالتنسيق كلية الفنون الجميلة، وبالفعل التحقت بها عام 2012 لتقضى بها 5 سنوات تمارس هوايتها المفضلة.. «ناس كتير قالولى هتدخلى نحت تعملى إيه وتشتغلى إيه بعد ما تتخرجى .. ده قسم مُتعب وصعب ومش أى حد ينجح فيه .. وأنا نفسى فكرت كتير فى الموضوع ده وكنت مترددة وخايفة مالقيش شغل بعد التخرج لأن مجالات الفن عمومًا صعب الشغل فيها إلا إذا كان فى موهبة حقيقية».. تساؤلات كثيرة راودت «مى» طرحتها هى على نفسها وطرحها عليها جميع من حولها حتى والديها، إلى أن حسمت قرارها والتحقت بالقسم الذى شعرت بالانتماء إليه، وشعرت بأنه المتنفس لكل أشكال الفنون النابضة بداخلها، قسم النحت.. «مى عبدالله»، الملقبة بنحاتة المنيا، وأبهر بفنها وموهبتها الأجانب قبل العرب، كانت قد قررت التخصص فى دراسة النحت والالتحاق بهذا القسم بعد ما انتهت من السنة الإعدادية الأولى بالكلية، التى درست فيها فنونًا مختلفة من رسم وتصوير ونحت وغيرها، وشعرت هى وأساتذتها أن لديها ميلًا لفن النحت بالأخص، فهى تحب تجسيد الأشياء والأشخاص لأقرب صورة واقعية لها، حتى وصلت لعامها الجامعى الثالث، وطلب منها هى وزملاؤها فكرة بحث ومشروع يقومون بتنفيذه، فكانت إشارة الانطلاق.. وفى السنة الرابعة اختارت أن يكون مشروع تخرُّجها، هو استكمال مشروعها هى وزملاؤها، فى تجسيد شخصيات الزمن الجميل، مبررة اختيارها هذا بأنها الشخصيات التى عشقناها ولانزال رُغم رحيلهم عنّا، فبمجرد نظرك إليهم تبتسم تلقائيّا دون سبب، هكذا جسدتهم «مى» فى مشروعها الذى ضم ثمانية تماثيل، وحصلت به على المركز الأول وكرّمتها جامعة المنيا ومحافظتها، ثم عُينت فيما بعد معيدة بكليتها.. «أركز على أكتر حاجة بتميز الشخصية اللى أجسّدها ومعروف بها بين الناس»، فبجانب تمتعها بموهبة النحت إلى أقرب صورة واقعية تمتعت أيضًا بتصويرها الكاريكاتورى الواضح للشخصية المرسومة، ومزجها بين الجانبين بطريقة أبهرت جميع مَن رأوا أعمالها وشعروا كأنها نماذج تنبض بالحياة، وكأن النحاتة الموهوبة أعادت بفنها الحياة لهم، فصورت محمد رضا بلبس المعلم كما ظهر فى معظم أفلامه، وجسدت مارى منيب بعقدها وابتسامتها المعهودة، وجاء النابلسى بصورة حسب الله السادس عشر المعروفة بفيلم شارع الحب، وعلاء ولى الدين بعفويته وطيبته وابتسامته الطفولية التى عشقناها، وفيروز وعبدالحليم وأم كلثوم، وعبدالفتاح القصرى بهيئته بابن حميدو، وغيرهم كثيرون كما عهدناهم بأفلام الزمن الجميل. ابتسامة من الحجر والحديد والخشب «بنشتغل بخامات كتير صعبة وتقيلة، أحجار بازلت، وحديد، ونحت بالطين، وجبس، وخشب، وعلى حسب نوع النحت.. فى نحت مباشر بيكون قدامنا حجر كبير صلب أو جبس ونبدأ نشكّل فيه عن طريق الحذف بأزميل أو شاكوش، ونشيل من الكتلة دى لغاية ما نوصل للشكل المطلوب.. وفى النحت العادى عن طريق هيكل حديد نبدأ نجسّد الشكل عليه بالطين الطرى»، تلك هى أدواتها وخاماتها للعمل، التى وصفتها بأنها ليست بالخامات السهلة الاستخدام على الإطلاق، وعمل فنى ليس بالهين على الفتيات بالأخص كما ذكرت.. فن النحت معروف بحاجته لمجهود جسدى وعضلى، ولكن «اللى بيحب حاجة بيستمتع بتعبها وبتهون صعوباتها وقتها، وأنا اخترت الحاجة اللى موهوبة فيها عشان كدة بقيت مميزة»، «اشتغل على نفسك واجتهد وانت هتطور»، عاملان أساسيان ذكرتهما «مى» لنجاح أى فنان.. تظهر صعوبة فن النحت وتجسيد الشخصيات أيضًا فى نقطة أخرى ذكرتها نحاتة المنيا، فتجسيد الشخصية أو المجسم يتطلب صورًا واضحة لجميع زوايا الشىء المطلوب تجسيده، ومعلومات كثيرة، إلى جانب ضرورة مشاهدة أعمال الشخصية التى سيتم نحتها لمعرفة تفاصيلها ومعالم شخصيتها حتى يتم التعبير عن ذلك فى التمثال المنحوت، فجميعها عناصر لا بُدّ من الانتباه لها»، فالنحات يحول الشىء من صورة إلى تمثال من خلال نحت الشكل 360 درجة، ودى عملية ممكن تاخد أسبوعين أو شهر»، هكذا قالت، فأحيانًا ما يستغرق منها العمل الفنى يومين أو أسبوعين أو شهرًا، ويتوقف هذا على طبيعة العمل المجسّم وحالتها المزاجية هى أيضًا واستعدادها النفسى والجسمانى.. شاركت الفنانة التشكيلية مى عبدالله فى الكثير من المعارض الجماعية ببعض أعمالها، إلى أن أقامت معرضها الفردى الأول فى جاليرى الزمالك أواخر 2018 بنحو 22 تمثالًا تقريبًا، وبحضور وزيرة التضامن الاجتماعى د. غادة والى، ولاقت أعمالها استحسان نقاد من غير المصريين والعرب، الذين لا يعرفون الشخصيات المنحوتة، وانصب ثناؤهم على العمل الفنى.. وشاركت «مى» فى منتدى شباب العالم 2017 بشرم الشيخ، بمجسم وتمثال خاص بفكرة المنتدى، وحصلت على جائزة من دار الهلال، وكرّمتها جامعة المنيا مرّتين وتم وضع تمثالها للفنان عبدالفتاح القصرى بمتحف الفن الحديث داخل الجامعة، كما تم منحها درع الجامعة مرّتين، وتم تكريمها بحفل عيد العِلم بجامعة المنيا عام 2017، كما تم تكريمها مؤخرًا بملتقى بصمة إبداع بالقاهرة وشاركت فيه بتمثال للفنان علاء ولى الدين؛ حيث وافق تاريخ ذكرى ميلاده.