لايختلف اثنان على قيمة وقامة سميرة أحمد فهى من الفنانات القلائل اللائى استطعن الاستمرارية والتواصل بين الأجيال الفنية، وإذا تساءلنا عن سر نجاحها الفنى منذ بدايتها للآن سنجد أنفسنا مبدئيا أمام فنانة استثنائية تؤمن برسالة الفن وانعكاسه على الجمهور، لذلك لا تندهش عندما تكون «اختياراتها» هى كلمة السر لنجاحاتها، ومنذ بدايتها إحساسها لايكذب تجاه ما يعرض عليها من أعمال فنية وصدق إحساسها يتأكد مع رد فعل جمهورها تجاه ما تقدمه لهم؛ لذلك لا يأتى «حب الجمهور» بمختلف أجياله لها من فراغ. ولعل اختياراتها السينمائية والتليفزيونية هى أبرز دليل، وسوف نتوقف فقط عند أفلامها السينمائية التى قدمت من خلالهم أدواراً، ليس منطقيا موافقة البرلمان على مشروع قانون بشأن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة دون الالتقاء بأشهر ممثلة «عاهات».. لعبت سميرة أحمد دور العمياء خمس مرات ومرة واحدة دور الخرساء ودور المجنونة مرة، وسوف نتوقف فقط عند دورها فى فيلم «الخرساء» لعدة أسباب أهمها أنه الفيلم الوحيد الذى تناول شخصية الخرساء دون أن تنطق بحرف طوال أحداث الفيلم، على عكس أفلام أخرى قدم فيها أبطالها شخصيات «أصماء» فى مشاهد قليلة مثل نور الشريف فى فيلم «الصرخة» ومحمود ياسين فى فيلم «الأخرس» ومريم فخر الدين فى فيلم «وحيدة»، وأعتقد أن عزوف النجوم عن أداء شخصية «الأصم» بأعمالهم الفنية ناتجة عن حتمية فقدان الشخصية التى يجسدونها لعنصر الصوت، وهو أحد أدواتهم التمثيلية المهمة التى ستخصم من نجاحهم فى شباك التذاكر، على عكس أدائهم لشخصيات مختلفة سيستخدمون فيها جميع أدواتهم التمثيلية؛ ومن جهة أخرى نجد عزوف منتجى الأفلام عن صناعة أفلام تعكس حياة وهموم «الصم والبكم» مما جعل هذه الفئة مهدرة الحقوق على جميع المستويات. أشهر خرساء ومن هذا المنطلق كان لابد من الالتقاء بسميرة أحمد التى لعبت بطولة فيلم «الخرساء» وحصلت على جائزة التمثيل الأولى عن دورها به وهو يعتبر من العلامات المميزة والفارقة فى مشوارها الفنى وبسببه اعتذرت عن بطولة فيلم «السفيرة عزيزة» الذى حقق إضافة كبيرة لسعاد حسنى وأصبح الجمهور يطلق عليهم اسم الفيلم ولذلك قصة ترويها على لسانها أشهر «خرساء» فى السينما.. هذه الفترة كنت وقعت بطولة فيلم «السفيرة عزيزة» مع الشركة المنتجة له وحصلت منهم على عربون ومخرج الفيلم طلبة رضوان كان لديه أصرار على وجودى معه . وعندما رشحنى المخرج حسن الإمام لبطولة «الخرساء» قرأت الرواية واتخذت قراراً بالتنسيق بين الفيلمين وعدم التنازل عن أحدهما، وبالفعل أقترح عبد العزيز فهمى مُديرتصوير فيلم «السفيرة عزيزة» بأن أصور فقط لمدة ساعتين معه ثُم أتفرغ باقى اليوم «للخرساء» ، لكن حسن الإمام رفض تماما وقال الدور يحتاج تفرغاً كاملاً، وبالفعل رجعت العربون واعتذرت عن «السفيرة عزيزة» ورشحت لهم سعاد حسنى لأننى من أشد المُعجبين بها.. إحساسى بأهمية موضوع الفيلم هو الذى دفعنى لاختياره وأنا عادة أسير خلف إحساسى لأن عمره ماخذلنى، وأذكر أننى حصلت على مائة جنية كأجر عن الفيلم من الحاج وحيد فريد ولم أناقشه لكن وقتها كان أجرى يعادل هذاالرقم. لغة الصُم والبُكم تحتاج مُمثلاً من العيار الثقيل خاصة إذا كانت الشخصية تنتمى لبيئة متواضعة وأكدت على هذا الرأى سميرة أحمد: فترة التحضير للفيلم ذهبت مع المخرج حسن الإمام مدرسة خاصة بالصم والبكم بالمطرية لمدة ثلاثة أيام متواصلة ووجدنا الطالبات يدرسون لغة الصُم والبُكم بطريقة علمية على غرار ما نشاهده على التليفزيون «لغة الإشارة» سواء بالبرامج أوبعض الأعمال الفنية، وبالطبع هذه الطريقة لاتتوافق مع شخصية «نعيمة» الفتاة الريفية البسيطة الخرساء التى جسدتها فى الستينيات. لكننى أخذت منهم مخارج حشرجة الأصوات، وقتها تساءل كل من عماد حمدى وزكى رستم عن الطريقة التى سيتعاملون بها مع شخصية «نعيمة» الخرساء فقلت لهم ستكونون خُرسا مثلى وستحدثوننى بالإشارة. «جيل العمالقة» زكى رستم من المٌمثلين القلائل الذين لم ولن يجودالزمان بمثله وعنه قالت سميرة أحمد:كانت لديه نظرة صائبة فى المشاهد التى يلعبها غيره من المُمثلين، وأذكر كنت المفروض آخذ الدقيق لأهل محمد علوان (عباس) لكنه يفاجئنى تحت سلم أهله ويحاول مضايقتى وأثناء رفضى لسماجته يقع من على رأسى الدقيق فما كان من والدة «محمدعلوان» رجاء حسين إلا ضربى بقسوة فتوجهت لمنزل أهلى أشكو لهم فقامت زوجة أبى «زوزو نبيل» بتوبيخى بينما أبى يربت على ظهرى بحنو وفجأة يطرق زكى رستم «والد علوان «الباب ويسأل أين البنت الخرساء التى وقعت الدقيق. كان المفروض المشهد يقفل على كدة لكننى صعبت على زكى رستم وقال للمخرج حسن الإمام حرام نفسد مشهد سميرة أحمد الطويل بجملة بسيطة على لسانى «فين البنت الخرساء اللى وقعت الدقيق»، وبالفعل اقتنع المُخرج حسن الإمام بوجهة نظر زكى رستم ونفذالمشهد بشكل مُختلف تماماً. المخرج الأمريكى أندرو مارتون أشاد بدورك فى الخرساء عن ذلك قالت: بالفعل أندرو مارتون هو مخرج فيلم «وا إسلاماه» حضر حفل افتتاح الفيلم وبعد انتهاء الفيلم هنأنى وأكد لى أننى لعبت الدور أفضل من الممثلة الأمريكية (jane wyman) التى لعبت نفس الدور فى فيلم (Johnny Belind) فى نهاية الأربعينيات. أيضاً حضر عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب ووحيد فريد مُنتجو الفيلم العرض الجماهيرى الأول وهذه أول مرة يحضر فيها محمد عبد الوهاب فيلما شارك فى إنتاجه، ولاأنسى عبد الحليم حافظ عندما كان يحضر مونتاج الفيلم وأقول له الفيلم طويل جداً، ويطمنى ويقول لى لاتقلقى .والحقيقة الإنتاج لم يبخل على الفيلم بأى عنصر وقتها . وأكثر ماأسعدنى هو جمهور بور سعيد عندما حضرت إحدى حفلات الفيلم والمفروض أن فيه مشهد بينى وبين وكيل النيابة باشرح له كيف ضربت أحد الرجال بالفيلم وبعد انتهاء المشهد فوجئت بتصفيق حاد بالصالة، وفى عرض آخر للفيلم ببورسعيد أيضا كانت قاعة العرض بها نسبة كبيرة من الخرس فوجئت بحرصهم على مُقابلتى عند خروجى من السينما ليؤكدوا لى بلغة الإشارة على حبهم لشخصية نعيمة الخرساء وأننى بمثابة أختهم. «الخرساء» تسببت فى دخولك قسم الشرطة بعد منتصف الليل ماهى الحكاية؟ المفروض أننا كنا نصور حتى الثانية صباحاً ووقتها لم يكن حسن يوسف يملك سيارة وقالى وصلينى فى طريقك وقتها كانت لدى سيارة فولكس ومن شدة إرهاقى لم أتمكن من إزالة مكياج شخصية نعيمة الفتاة الريفية وكان وجهى فى غاية السوء وفوجئت بالبوليس يوقفنى لغرابة شكلى ويطالبنى بالرخص فقلت لهم أنا راجعة من التصوير ونسيت الرخص فى البيت فقالوا لى اتفضلى على القسم، وكان خلفى زكى رستم بسيارته وتوجهت للقسم ومعى معظم أبطال الفيلم و فى القسم قالوا لى أرسلى أحداً يحضر الرخصة واجلسوا معانا إلى أن تأتى الرخصة وظل الأستاذ زكى رستم يمزح معى ويقول لى أحضر لك عيش وحلاوة .•