جرس إنذار أطلقه تجمهر فى مكتب للتموين بقرية القرين داخل محافظة الشرقية بسبب تأخر صرف الحصص التموينية فالتف أصحاب الحصص التموينية حول سيارة السلع حال وصولها من أجل أسبقية الحصول على حقوقهم فيما فشل التاجر فى السيطرة على الموقف لتسود الفوضى. الواقعة تبدو عادية ولكنها مؤشر على أن اللهث وراء الغذاء قد يمنح الجوعى لحظة خاصة تحركهم فيها صرخات أطفالهم وأسرهم الباحثة عن الطعام لفعل أى شىء فكان سبب التجمهر الرئيسى فى الشرقية أن السيارة محملة بالزيت والسكر الذى لم يصرف منذ فترة. وقبل شهرين أعلنت إحدى السلاسل التجارية الشهيرة جدا عن عرض خاص للأرز لا يمكن الصمود أمام سعره المغرى لتتزاحم الأسر ويبدأ شجار عنيف للحصول على السلعة انتهى بعضها بإصابات كانت بسيطة ولكنها مؤشر أيضا على أن البحث عن الغذاء بسعر مناسب قد يستدعى المجازفة أحيانا فى حين يتكرر المشهد مع أى تخفيض كبير على سلعة استراتيجية يحتاجها البيت المصرى. • الفقر والغضب قبل قرارات الحكومة فى أوائل نوفمبر بتحرير سعر الصرف وتحريك ثمن الوقود ورفع أسعار الغاز الطبيعى كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن أن عدد المواطنين تحت خط الفقر المدقع تجاوز ربع السكان ولكن الآن يبدو الموقف غامضا بسبب ما جرى للفقراء والطبقة المتوسطة تحت وطأة التضخم. ورغم أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء كان أكثر تفاؤلا حين أكد أن معدل التضخم وصل إلى 29.6% كان البنك المركزى واضحا بأنه قفز إلى أكثر من 30.8% فيما أكد وزير المالية أنه لا يزال لم يصل إلى الذروة بعد ومن المتوقع أن يبدأ فى التراجع فى منتصف العام الجارى تقريبا. ولا أحد يتمنى أن تندلع شرارة الغضب لأن وقائعها سيئة للغاية ليس فقط على مستقبل الاستثمار فى مصر وحسب بل على المجتمع والنسيج الأسرى الذى بدأ يتهتك مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات فى الوقت الذى أجرت فيه الحكومة تعديلا وزاريا من أجل تصحيح المسار وعلاج الانعكاسات السلبية التى طرأت على المواطنين جراء الإصلاح الاقتصادى. ويحاول محدودو الدخل احتمال الواقع الاقتصادى بكل ما فيه من قسوة فى حين حرص وزير الكهرباء على ضرورة التأكيد على رفع أسعار الفواتير مجددا فى المرحلة المقبلة فكل ما يدور من أخبار يؤكد أن المواطن سينفق أكثر للحصول على نفس ما كان يحصل عليه من سلع وخدمات قبل ذلك، ويحاول المواطنون احتمال الأوضاع الاقتصادية التى تتعلق بالغذاء ولكن تبقى أزمة نقص الكثير من الأدوية وارتفاع بعض الأنواع المستوردة فى الصيدليات وظهور السوق السوداء لتوفير الأدوية الناقصة بأسعار كبيرة وهى عوامل تضغط على محدودى الدخل باستمرار. وبدأ الدولار فى الانخفاض داخل البنوك وهو ما منح بارقة أمل للكثير من المصريين ولكن تبقى الأسعار بحاجة إلى انضباط أكبر فلم يصلها بعد ارتفاع سعر الجنيه فى الفترة الأخيرة. • جرس إنذار اعتبر الدكتور صلاح هاشم أستاذ التنمية والتخطيط أن المواطن المصرى يشعر دائما أن حصته التموينية هى حق أصيل له لأنه غير قادر على شرائها بأسعار السوق الحالية مما يعنى أن غيابها عنه يمثل عبئا ثقيلا عليه. وأوضح هاشم أن التغيرات المناخية فى العالم كله تسببت فى انخفاض مساحة الأراضى المزروعة بالأغذية وهو ما نجم عنه ارتفاع أسعار المحاصيل ليس فى مصر بل فى البورصات العالمية وهو ما زاد من الضغوط على الحكومة فى توفير ما نحتاجه من سلع. وأشار هاشم إلى أن قرارات الإصلاح الاقتصادى تسببت فى تآكل جزء كبير من الطبقة المتوسطة وسقوطها فى براثن الفقر ومن المتوقع ارتفاع نسبته إلى أكثر من 28% وهى النسبة التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء قبل قرارات 3 نوفمبر العام الماضى. وأوضح هاشم أن القرارات الاقتصادية تسببت فى لجوء الكثير من المصريين للبحث عن عمل إضافى ومن لم يستطع أو يجد فرصة لوظيفة أخرى فإنه عادة ما ينتقد أو يتصادم مع السياسات الإصلاحية التى انتهجتها الحكومة فى محاولة منها للسيطرة على عجز الموازنة وهو ما ظهرت بوادره فى محافظة الشرقية من تجمهر الأهالى حول السلع التموينية من أجل ضمان الحصول عليها باعتبارها حقاً أصيلاً لهم. واستكمل هاشم حديثه أن اختيار الشخص المناسب فى المكان المناسب سيساهم فى التخفيف من حدة التوترات الاقتصادية ويمكن علاج الآثار الجانبية لما تعرض له محدودو الدخل وعلى سبيل المثال فإن مصر لديها البحران الأبيض المتوسط ونهر النيل ومع ذلك فإننا نستورد كميات هائلة من الأسماك المجمدة وإذا ما أحسنا إدارة مواردنا فإننا يمكن أن نسيطر على هذا النوع من الاستيراد الذى يهدر النقد الأجنبى ويمكن توفير الأسماك الطازجة بحسن التخطيط لاسيما أن الموارد الطبيعية التى حبا الله بها مصر كثيرة وكبيرة. • المصرى لا ينكسر ومن جانبها توقعت الدكتورة سميحة نصر أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن تندلع ثورة جياع إذا ما ساءت الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر مما يعيشه المصريون حاليا فى حين يمكن تفادى ذلك من خلال العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين. وأشارت نصر إلى أن الدولار فى الفترة الأخيرة انخفض وهو ما يمنح بعض الأمل فى نفوس المصريين من تحسن الأحوال المعيشية فى المستقبل وما يستتبعه من انخفاض لأسعار السلع والخدمات. وأوضحت نصر مصر أن سمات المواطن المصرى الشخصية يمكنها تحمل الكثير من الصعاب التى يتعرض لها من أجل مصر طالما أن هناك هدفا أسمى وهو إعلاء اسم الوطن وعلى سبيل المثال فإن الشعب احتمل المشاكل الاقتصادية التى أعقبت نكسة 1967 ونقص السلع وقتها حتى استطعنا الانتصار فى حرب 1973 وهى دلالة على أن الدولة المصرية عظيمة والشعب المصرى عظيم وقادر على الاحتمال. وأضافت نصر أن المواطنين عليهم تغيير أنماط استهلاكهم الخطأ ونشر ثقافة الترشيد فيما بينهم على الأقل لضمان التمتع بصحة أفضل وتغيير السلوكيات الخاطئة المتبعة فى الغذاء وهو ما سيوفر كثيرا على الدولة مع مرور الوقت. واختتمت نصر حديثها بضرورة العمل على الإنتاج لأن هذه الخطوة ستقى مصر من أى ثورة أو غضب أو احتجاج يتعلق بالغذاء فى المستقبل لأن ذلك سيساهم فى رفع الناتج القومى ويزيد من معدلات التنمية. •