من الصعب تقييم عمل فنى مأخوذ عن رواية، لأن المغامرة بتقديم رواية يُعد سلاحًا ذا حدين، فإما أن ينجح العمل وإما أن يكون نموذجا مشوها لا يمكن نسيانه أو مسامحة صناعه للأبد، كنت متشوقة لهذا العمل لأكثر من سبب أولها فكرة الرواية نفسها وهى تدور فى مرحلة زمنية شيقة جدا وثرية فى كل تفاصيلها سواء كان المسرح الذى تدور فى كواليسه أسرار وحواديت أبطال الرواية، فعالم المسرح وكواليسه لطالما كان عالما سحريا شيقا لكل من يطلع على أسراره وحياة أهل هذا العالم وتلك المرحلة الزمنية بأناقتها وملابسها الأنيقة وألوانها المبهجة وكذلك أحداثها السياسية الغنية جدا. أما أبطال العمل وتلك الكوكبة من النجوم فكانت أحد عوامل الإغراء لانتظار عمل مثل هذا بفارغ الصبر، عمل أشبه بسيمفونية موسيقية هادئة أحيانا وصاخبة أحيانا أخرى وفقا للأحداث.. أفراح القبة عمل متكامل بكل المقاييس وعناصره الفنية مكتملة سواء الصورة أو السيناريو والحوار والتمثيل لكل أبطال العمل والموسيقى التصويرية والتصميم لملابس العمل. تبدأ الأحداث بالكاتب «عباس كرم» والمسرحية التى قام بكتابتها لتُعرض على مسرح فرقة الهلالى ليُفاجأ أعضاء الفرقة أن المسرحية تحكى عن قصة حياتهم الحقيقية لينكشف المستور وخطاياهم التى يعرفونها والتى لا يعرفونها أيضا عن بعضهم البعض، لنبدأ مشاهدة «تحية عبده» التى التحقت بالفرقة وعلاقتها بكل فرد من أفرادها وكيف انتهى الأمر بقتلها وأصبح الجميع مُشتبهًا فيه. خلافات شابت العمل منذ بدايته واعتذار محمد أمين راضى عن استكمال كتابة السيناريو والحوار لباقى الحلقات وأخبار عن انسحاب منى زكى وأخرى تؤكد عدم انسحابها وبعد حالة من الهدوء خرج العمل إلى النور بقيادة محمد ياسين الذى أثرى الدراما الرمضانية بحالة سينمائية الهوى شديدة الجاذبية، عالم سحرى يأخذنا إليه كل يوم بزوايا وكادرات ومشاهد مونودراما أكثر من رائعة للأبطال ولم تصب المشاهد بالملل رغم طولها أحيانا. • تناقضات مختلفة منى زكى تمردت على كل التابوهات فى هذا الدور فهى عادت به إلى الشاشة بعد غياب منذ أن قدمت مسلسل آسيا، وجاءت شخصية تحية عبده لتكون علامة فى تاريخ منى زكى الفنى لتخرج عن الشكل النمطى للفتاة الرقيقة الهادئة لنشاهد الأنثى الطموحة اللعوبة التى قد تستغل أى فرصة لتصل إلى مرادها فى عالم الفن والفوز ولو بدور واحد صامت فى مسرحية، وهذا يرجع إلى نشأتها فى أسرة لا تعلم شيئًا عن المبادئ، كانت منى كالفراشة التى ينتظرها المشاهد بين كل مشهد والآخر لمتابعة وهجها وتعبيرات عينيها وحتى الأغنية التى قدمتها مع إياد نصار والتى حققت مشاهدة عالية عليyoutube وهى أغنية «الهاشا باشا تاكا» للفنان شكوكو. • دور عمره أما إياد نصار فهو بالنسبة لى فى أحد أدوار عمره التى لم يقدم مثلها فى الأعوام الماضية التى كان نمطيا فيها إلى حد ما، قدم شخصية طارق رمضان الفنان بتناقضات مختلفة فهو شديد البهجة أحيانا واكتئابى مستسلم أحيانا أخرى، عاشق مخلص وتارة أخرى أنانى متخاذل يتخلى عن حبيبته، أجاد إياد نصار تقديم الدور بمنتهى البساطة بعيدا عن أى مبالغة حتى فى مشاهد المونودراما كان أداؤه سلسًا. جوهرتنا الغالية الفنانة سوسن بدر التى لا تدخل عملا إلا وتترك الأثر فيه إلا أنها فى دور بدرية فاقت كل الحدود فى التوحد مع الشخصية وطريقة الأداء الساحرة الغامضة، طوال الحلقات تتسم بالغموض فى كل تصرفاتها حتى تبدأ تنكشف الأمور حلقة تلو الأخرى، بدرية الأم التى ليس لديها أى مبادئ تتعلق بالشرف أو الفضيلة فيما يتعلق بتربية البنات، بل إنها تحث بناتها بتقديم أى مقابل مادامت المصلحة المكتسبة تستحق. أما جمال سليمان فرغم الانتقادات التى وجهت له ولأدائه إلا أننى لا أستطيع تخيل هيئة سرحان الهلالى على فنان آخر، بملابسه وطبقة صوته ولكن المأخذ الذى لا أستطيع مغفرته للفنان الكبير هو عدم إتقانه للهجة المصرية حتى الآن رغم مرور هذه السنوات على تواجده فى الأعمال الدرامية المصرية، ورغم وجود مبرر درامى أن سرحان الهلالى أصوله سورية ولكن اللكنة كانت غير مريحة للمتفرج فى بعض الأحيان. الجميلة وصاحبة الطلة المبهرة «صبا مبارك» يضفى وجودها على أى مشهد وهجًا وبهجة مهما بلغت قسوتها، فشخصية درية تلك الفنانة المستبدة شديدة الأنوثة والفاقدة لكل المشاعر الإنسانية فإننا أحيانا نشاهد الحزن والانكسار فى ملامحها، فهى رغم كل تلك القسوة تحب وتغار على رجلها وعلى نجوميتها وتنتظر الأمومة، كل هذه المشاهد جسدتها ببراعة ورغم شر درية فإنك لا تستطيع أن تكرهها وألا تتعاطف معها. المتألق صبرى فواز الذى حتى إذا صمت فمه تنطق عيناه وتضيئان المشهد الذى يقدمه، يقدم دور «كرم يونس» الملقن الذى ضاع عمره على هذا المسرح وحياته الزوجية التى تدمرت فى كواليسه، جسد انكسار الزوج المخدوع المتحامل على نفسه لكى تستمر الحياة بمنتهى البراعة ليتحول شعوره بالكراهية إلى لامبالاة تجلده وتجلد من حوله وأولهم زوجته بما يحمله من ضغينة لها ولسرحان الهلالى، يظهر هذا فى مشاهده مع زوجته والحوار بينهما، وكذلك أثناء متابعته كمتفرج للفصول التى تستدعى مواقف من حياته وأسراره فى المسرحية. • عودة صابرين أما الفنانة صابرين فكانت فى إجازة من التمثيل منذ أن قدمت مسلسل «أم كلثوم» عادت منها بمسلسل «أفراح القبة» وكانت فى حالة شحن وتمرين طوال الأعوام الماضية فى انتظار هذا العمل، صابرين قدمت مشاهد الانكسار بإجادة جعلت المشاهد يتعاطف مع هذه المرأة التى لم تنصفها الأيام ولا الظروف «حليمة الكبش» التى خذلتها الأيام والأشخاص التى ظلمها الجميع حتى ابنها عباس. رانيا يوسف أخذت الراقصة والصورة الذهنية عنها إلى منطقة أخرى، منطقة أكثر إنسانية، فهى الأخت الكبرى التى ضحت من أجل أشقائها وظلت تعانى طوال حياتها بسبب هذه التضحية، تظهر غيرتها فى بعض المشاهد وسرعان ما تذوب وتضعف باستدعاء مبررات تلك الغيرة والقسوة فتجبرك أن تتعاطف معها ومع ما قدمته من تنازلات حتى حلم الأمومة الذى أجبرت على التخلى عنه لمصلحة شقيقتها. سلوى عثمان كانت فى أفضل حالاتها ودور مختلف تماما وأداء مميز لشخصية أم هانى المرأة التى تقوم بتفصيل الفساتين ولا ترتديها، تشاهد النجوم وتعيش معهم ولا تعيش حياتهم. أما عباس الذى قدمه الفنان الشاب محمد الشرنوبى وهو موهبة تنضج عامًا بعد آخر، فكان خير من يقدم هذه الشخصية التى تعكس جانبًا كبيرًا من الغموض وعدم الاتزان وأبعادا نفسية مختلفة خاصة فيما يتعلق بعلاقته بوالديه. تصميم الملابس لعمل مثل هذا فى منتهى الصعوبة فلا مجال للأخطاء وإلا سيكون الفشل هو الخيار الوحيد لأن الجمهور أصبح يتسم بذكاء ووعى كاف بشكل كل مرحلة تاريخية والملابس الملائمة لها، بل إن معظمنا متعلق بمرحلة الستينيات وأناقتها وأزيائها، فلن يغفر بعضنا أخطاء متعلقة بهذه المرحلة، وهذا هو الاختبار الذى نجحت فيه مونيا فتح الباب بجدارة، فشاهدنا ملابس أبطال العمل كتحفة فنية من الستينيات سواء الفنانات وأناقتهن أو بساطة بنات الطبقة الفقيرة . •