يعتبر جيل الستينيات جيلا مغلقا لا نكاد نعرف سوي القليل عن الجوانب الشخصية لرواده، وجاءت رسائل عبد الحكيم قاسم، التي أعدها الزميل محمد شعير، لتضيء الجوانب المخفية في هذا الجيل، ولتحقق أمنية قاسم في نشرها، سواء وهو علي قيد الحياة أم بعد رحيله. بهذه العبارة افتتح الشاعر شعبان يوسف الندوة التي نظمتها ورشة الزيتون لمناقشة كتاب: "نوية الحراسة .. رسائل عبد الحكيم قاسم" للكاتب الصحفي محمد شعير، الذي قال: إن رسائل عبد الحكيم قاسم نص مفتوح، وكل كتاباته سيرة ذاتية، وكان شخصية ملتبسة في انضمامه للإخوان، ثم اعتبارهم كائنات لا يجوز التعامل معها، ثم تحوله للماركسية ودخوله السجن، ثم اغترابه وعدم ارتباطه بأي تنظيمات سياسية، فقد كان إحساسه بعدم التحقق دافعه للهجرة، حيث كان يريد تحرير نفسه من عبودية المكان، وكانت تشغله مسألة الهوية. وأضاف شعير: الثقافة العربية ثقافة سر أكثر من كونها ثقافة اعتراف، علي عكس الثقافة الغربية، التي تبلغ رسائل تشيكوف فيها عشرين مجلدا، وكذلك رسائل ديستوفسكي التي وصلت لاكثر من عشرة مجلدات، في حين تصادر رسائل طه حسين، رغم مرور أكثر من سبعين عاما علي صدورها. واختلفت الناقدة عبلة الرويني مع شعير الذي ذهب إلي أن رسائل عبد الحكيم قاسم تنتمي إلي أدب الاعتراف، في حين أراها كتبت بقصدية أدبية، وتذكرنا بالرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم، فالمغزي من رسائل قاسم أن تكون خطابا أدبيا، وقسم كبير منها تم إرساله إلي أدباء ونقاد ليسوا بالضرورة من اصدقائه، وقالت: كان قاسم حريصا علي أن يقدم نفسه ويتأمل ذاته وأفكاره ويختبرها، ويتيح الفرصة للنقاد والقراء لتحليل إبداعه وكانت عينه علي التاريخ والأجيال القادمة لكي تطلع علي أدبه ويبدو في الرسائل إحساسه بالغربة والحنين، وعندما كان يشتد به الحنين يتمسك بالبقاء في ألمانيا، ولذلك يخلو أدبه من الفكر الألماني، حتي المصريين المقيمين معه في المانيا كان يفر منهم، لأنهم غرباء، وكان يتواصل معهم عن طريق الكتابة، وبالرغم من أن رسائل قاسم غارقة في الحنين فإنه لم يسقط توازنها. وقال الروائي يوسف القعيد إن رسائل قاسم يتناول فيها عناء الكتابة والتوقف عندها، ويتضح ذلك من خلال رسائله إلي محمد صالح وبطرس الحلاق ومحمد روميش، يشرح فيها الكتابة نفسها، وهناك تداخل للشخصيات في الرسائل، وطالب القعيد محمد شعير بضرورة نشر الرسائل التي تلقاها قاسم من أصدقائه أيضا.