لو صح أن الطاقة لا تفني ولا تستحدث فأنه من الممكن أن ندعي أن العلم والمعرفة الزائدة في مجال تكون في كثير من الأحوال علي حساب مجالات أخري.. وهذه المجالات قد تكون شخصية ولها علاقة بالأخلاق والعلاقات الإنسانية، وما أكثر العلماء الذين نجحوا نجاحاً منقطع النظير في تخصصهم، ولكن كانوا فاشلين أشد الفشل في علاقتهم بالمجتمع أو الأصدقاء أو حتي علاقاتهم العائلية، كما كان الحال بالنسبة لكثير من النواحي في حياة «البرت أينشتين» أو «اسحاق نيوتن» وحتي في حياة رجل أقدره وأحترمه أشد الاحترام وهو «بول ديراك»، لقد ذكرت قبل ذلك الكثير عن العالم الفذ الشجاع «رتشارد فينمان» وعبقريته ونظرياته العلمية المهمة لي شخصيا وكذلك عن أمانته العلمية ولكن علاقاته النسائية وعلاقاته بزوجات حتي تلاميذه تدعو فعلا إلي التعجب والحقيقة تدعو إلي النفور منه وعدم الاحترام.. ولكن علي الأقل في الغرب هذا شيء وهذا شيء آخر. كان «لورد برتراند رسل» بطلاً من أبطال حركة السلام ومنع الأسلحة الذرية في الخمسينيات وقام بمظاهرات عديدة في العاصمة البريطانية أدت إلي صدامات مع «سكوتلنديارد» وإلقاء القبض عليه وكان زميلاً في هذه الحركة «لبرناردشو» الكاتب المسرحي الأكبر في تاريخ بريطانيا بعد شكسبير علي الرغم من أن شو إيرلندي مائة في المائة، بالإضافة إلي ذلك فإن «رسل» هو من أكبر مؤسسي «الفلسفة التحليلية» أي «العلمية» وأعماله قد تكون أهم من أعمال «فرجه» الألماني وكذلك أهم من أعمال «ريشن باخ» عالم الطبيعة والمنطق الألماني، كان «لرسل» بسبب نشأته وتعليمه في المدرسة الكبري في بريطانيا، واسمها «ايتن» أفكار متطرفة عن الحرية لتعويضه عن عدم وجود حرية في «إيتن» ومن السهل تفهم ذلك ولكن أفكاره عن الحرية الجنسية من الصعب قبولها خصوصا عندما لا يجد أي شيء مخجل من علاقته مع زوجة أستاذه وزميلة في العمل لدرجة أنه كتب عن ذلك كما لو كانت هذه تصرفات تدعو إلي الفخر. لقد عرفت في حياتي كثيراً من العلماء الذين يشار لهم بالبنان العلمي وبعضهم من حملة جائزة «نوبل» وحملة جائزة «فيلد» ولكن باستثناء القليل منهم لا أحب أن أكون مكانهم أو أن أناسبهم «فلهم خلقهم ولي خلقي» وحتي لو ظل الشرق شرقا والغرب غربا «وعنهم ما اجتمعوا» وهذا ما قاله «كبلنج» البريطاني وليس أنا. الشرق شرق والغرب غرب ولن يتقابلا من حق القارئ أن يسأل ماذا أريد أن أقول بصراحة ودقة من فتح هذا الملف؟ وهو ما سأجيب عنه غدا.