قال الدكتور حسن حنفي: "أن نقول هذه ثقافة فاشية أو نازية أو صهيونية، تعد نظرة عنصرية للثقافة لأن الثقافة ليست عالما مغلقا، بل هي ظاهرة حية والكائن الحي يتفاعل بين البيئة العضوية والبيئة التي يعيش فيها"، جاء ذلك في مؤتمر "الموروث والوافد في الثقافة العربية" الذي تعقده الجمعية الفلسفية المصرية بكلية الآداب جامعة القاهرة في الفترة من 11 إلي 13 ديسمبر الجاري. حنفي قال في كلمته الافتتاحية: تأجل هذا المؤتمر من العام الماضي نظرا لبعض التوتر الذي شاب العلاقات بين مصر والجزائر نتيجة مباراة كرة قدم، وكان ما يقرب من 20 أستاذا جزائريا حاضرا فيها، وأضاف: البعض يبني والبعض يهدم ولكن البناء هو الأبقي. وأردف: البوذية انتقلت من الهند كموروث إلي الصين كوافد، وكونفوشيوس موروثا في الصين انتقل إلي اليابان، وثقافة مصر القديمة انتقلت إلي اليونان، اليهودية والمسيحية أصبحا موروثا في الاسلام في العصر القديم، ولكن الإسلام أصبح وافدا في المسيحية واليهودية في العصر الحديث، والعصر الحديث في بدايات عصر النهضة أصبح وافدا إلينا. وقال: تتكون الثقافة من عنصرين وتقوم علي ساقين وتنظر بعينين، موروث دون وافد ثقافة محلية ثابتة لا تتطور، ووافد دون موروث نقل وتقليد واغتراب وتغريب، كما هو في كل مشاريع الترجمة التي تزدهر في مصر ولبنان الآن، إنهم يزهون بالمصطلحات، لكن هل نقل المعلومات علم، لا فرق بين أنصار الوافد وأنصار الموروث هما متشابهان في نقل للمعلومات مع اختلاف المنبع، والتحدي في إيجاد العلاقة بين الوافد والموروث يقع علي عاتق الأفندي الذي يعمل بجهاز الدولة البيروقراطي، لكنه صاحب فكر مستقل عن جهاز الدولة. وتابع حنفي: الموروث يغلب علي الجمهور والوافد يغلب علي النخبة، البداية ثقافية والنهاية قد تكون صراعا علي السلطة كما يحدث الآن، فالنخبة تتمسك بالوافد والشعب يتمسك بالموروث، والتفاعل بين الموروث والوافد هي بداية الطريق لكن ما مستوياته وكيف يتم؟. وأكد: الموروث قد يتحول إلي وافد، فترجمة التراث الإسلامي إلي العبرية واللاتينية حولها من موروث إلي وافد بالنسبة للثقافات الأخري، وتساءل حنفي في نهاية كلمته: إذا لم يكن هناك تفاعل بين الموروث والوافد فماذا يكون الحل لما نحن فيه؟ الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف أشار إلي أن قضية الوافد والموروث قضية قديمة قدم الحضارة العربية والإسلامية، وقال: من الواضح أن الاهتمام بها سيمتد في المستقبل لأنها لم تحسم في الماضي ولا في الحاضر، واجتماعنا الآن دليل علي ذلك، وهناك نقاشات دارت حول مصطلحي "الأصالة والمعاصرة" خرجت من النقاش الموضوعي إلي مجرد تبادل الاتهامات. وأضاف: لا توجد أمة عريقة في التاريخ تبدأ من نقطة الصفر وتتحرر من إنجازات الآخرين، وابن رشد استبعد أي اعتبار ديني في الاستفادة والأخذ من الوافد الثقافي، واشترط أن يكون الوافد هو موافقته للحق أو عدم موافقته له، والاتجاه الذي سلكته الفلسفة الإسلامية كان توفيقيا بين الوافد والموروث، ومستحيل الآن في ظل ثورة المعلومات وغيرها أن ننفصل عن ثقافات الآخرين، ولم تسلم العلوم الدينية من التأثر بالوافد الثقافي، بل إن تفسير القرآن الكريم لم يسلم من الوافد الخارجي فيما يعرف بالإسرائيليات. وتابع: كما نرفض القطيعة مع الوافد الثقافي نرفض القطيعة مع الموروث، وفي نفس الوقت نحن لسنا عبيدا للموروث ولا يعني مجرد محاكاة السابقين في كل شيء فهذا مخالف للعقل والدين. فزمن المعجزات قد انتهي من أزمان بعيدة، والحلول لن تهبط علينا من السماء. وقال الدكتور سعيد توفيق، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة: نحن نعاني حالة واضحة من الفصام فثقافتنا إما قائمة علي الموروث دون تمحيص أو تأويل، وإما ثقافة تعتد بالوافد وتمجده، وهو ما نجده عند كثير من المثقفين خاصة في المغرب العربي. وأضاف توفيق:هناك فرق بين الوافد والدخيل، فالوافد يلقي ترحيبا من أبناء الثقافة التي ينتقل إليها في حين أن الدخيل يظل جسما غريبا علي هذه الثقافة، والموروث في الثقافة العربية ليس هو فقط الذي تم إنتاجه في الجزيرة العربية. وتناول الدكتور الصاوي أحمد الصاوي، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة قناة السويس، شخصية الشيخ الصيني محمد مكين باعتباره أحد أهم المسلمين الصينيين الذين أحدثوا تأثيرا متبادلا في الثقافتين الصينية والعربية، وقال: هو شيخ وعلم من علماء جيل المسلمين الأوائل في الصين ولد عام 1906، التحق بجامعة الأزهر عام 1936، ويعد أول من أدخل تعليم اللغة العربية في الصين، أراد أن يدخل الثقافة الإسلامية إلي الصين رغم أن الصين كانت وقتها شيوعية علمانية، وترجم من الصينية إلي العربية، وألف عددا من الكتب منها "موجز عن تاريخ العرب"، والآن بفضله هناك أكثر من20 كلية تدرّس اللغة العربية في الصين. وتحدث الصيني الدكتور نبيه داي شياو تشي، قائلا: المسلمين الذين دخلوا الصين أثروا تأثيرا عظيما فيها ونحن نسميهم "المتصينين العرب" إنهم يتكلمون اللغة العربية أو الفرنسية ويعيشون أجيالا متعاقبة، وكانوا يحصلون علي أرقي الدرجات العلمية والوظيفية، هناك الآن 100 ألف طالب بالصين يتعلمون اللغة العربية، و300 طالب صيني يدرسون بالأزهر حاليا، والثقافة العربية ليست غريبة في الصين فقد أصبحت شيئًا عاديا، في الصين أكثر من 40 ألف مسجد مقارنة ب20 ألف كنيسة.