احتدم الجدال حول القضية الرئيسية التي يطرحها عنوان الندوة الحادية والعشرين للجمعية الفلسفية المصرية وهو الموروث والوافد في الثقافة العربية ففي حين يري الدكتور حسن حنفي رئيس الندوة ومنظمها ان قضية الوافد والموروث في ثقافتنا العربية وكيفية ايجاد سبيل للتفاعل بينهما هي القضية الأكثر إلحاحا علي واقعنا الثقافي المعاصر انتقد الدكتور أحمد عبدالحليم عطية استاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة طرح هذه القضية وقال انها لا تحمل إشكالا فلسفيا كما ان طرحها الآن هو تعبير عن ظرف التخلف والهزيمة. جاء ذلك خلال انعقاد ندوة الجمعية الفلسفية الحادية والعشرين والتي اختتمت اعمالها الاثنين الماضي بقاعة المؤتمرات بكلية الآداب جامعة القاهرة ونظمت الندوة بمشاركة ست جهات هي قسم الفلسفة بجامعة القاهرة والجمعية الفلسفية المصرية ومركز اللغات والترجمة التخصصية بجامعة القاهرة وصندوق التنمية الثقافية وقطاع العلاقات الخارجية بوزارة الثقافة والمعهد السويدي بالاسكندرية وبمشاركة15 أستاذا عربيا من الجزائر والمغرب والأردن وسوريا وهو عدد ضئيل بالمقارنة بالسنوات الماضية بالاضافة إلي30 أستاذ فلسفة من مصر وافتتح الندوة الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف ورئيس الجمعية الفلسفية المصرية وغاب الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة عن الافتتاح. وكان من المقرر عقد الندوة في ديسمبر من العام الماضي ولكنها تأجلت علي خلفية الأحداث بين مصر والجزائر حيث كان مقررا حضور حوالي24 أستاذا جزائريا ولكن حالت الظروف الأمنية دون ذلك, وكان الدكتور حسن حنفي قد رفض عقد المؤتمر بدونهم. وقال الدكتور حسن حنفي في الجلسة الافتتاحية انه لا توجد ثقافة دون وافد وموروث وان الموضوع الأساسي لديه هو كيف تتكون الثقافة من عنصرين, كيف تقوم علي ساقين وتري العالم بعينين مختلفتين هما الوافد والموروث وتابع قائلا ان الثقافة ليست عالما مغلقا فالانغلاق الثقافي سمة للثقافات العنصرية فالثقافة هي ظاهرة يتفاعل فيها الداخل والخارج وأني ثقافة تعتمد علي موروث دون وافد وأي ثقافة محلية متحجرة وتقليد لما قاله القدماء ووافد دون موروث هو تغريب واغتراب وتقليد آخر وان اختلفت مصادره. وانتقد الدكتور حسن حنفي مشاريع الترجمة العربية قائلا ان تلك المشاريع في مصر ولبنان والمغرب العربي تزهو بالحداثة والمحدثين دون ان تحدث تفاعلا بين الوافد والموروث وتساءل قائلا هل نقل العلم علم وهل ترجمة المعلومات والكتب علم؟ واضاف ان غياب التفاعل بين الوافد والموروث تكون نتيجته في احسن الأحوال تجاورا وانفصاما ثقافيا فتصبح الثقافة منشقة وتكون في أسوأ الأحوال صراع ثقافات مثل له الدكتور حنفي بالصراع السياسي بين الجمهور والنخبة فقال ان الجمهور في بلادنا العربية يمثل الموروث وتمثل النخبة الحاكمة الوافد. وقال انه في ظل غياب الوافد كأداة للتفاعل لا فرق بين الشيخ والخواجة فكلاهما مقلد والحل يوجد في الأفندي الذي رأي الدكتور حنفي أنه غارق في البروقراطية في إشارة إلي العوائق التي تكبل عمل المشاريع الفكرية العربية وردا علي اتهامه بأنه يعمق الإزدواجية في الثقافة العربية قال انا لا أؤكد الإزدواجية ولا أنفيها أنا فقط أحاول أن أصفها محاولا ايجاد طريق للتفاعل بين الوافد والموروث كبداية للخروج من عثرتنا. وفرق الدكتور سعيد توفيق رئيس قسم الفلسفة بجامعة القاهرة بين الوافد والدخيل قائلا ان الوافد هو ما تتمثله الثقافة وتهضمه داخلها اما الدخيل فهو ما يظل غريبا داخل الثقافة وغير مقبول. وقال ان المشهد العربي الآن يشهد حالة من الفصام الثقافي بين ثقافة تعكف علي الموروث دون تمحيص ولا تأويل وثقافة أخري تعتز بالوافد وترفعه علي الموروث بخاصة دول المغرب العربي. اما الدكتور محمد عثمان الخشت استاذ الفلسفة ومستشار الثقافي بجامعة القاهرة فقال ان معادلة الوافد والموروث معادلة دائما مانحلها بقدر ما ننتقل إلي مرحلة أخري جديدة فالجدل بين الوافد والموروث وحل التناقض بينهما يؤدي إلي التطور وبناء الحضارة فحين استلهم الغرب موروثاتنا واستطاع حل التناقض بينها وبين موروثه في العصر الوسيط استطاع ان يحقق النهضة. وفي كلمته الافتتاحية قال الدكتور محمود حمدي زقزوق ان الجمع بين الوافد والموروث امر حيوي لنهضتنا وقال انه اذا كان في وقت سابق امكننا ان ننغلق علي ذواتنا فاليوم لا يوجد لدينا هذا الخيار يجب ان نتمثل الوافد كما تمثله المسلمون من قبل واستعانوا به في تفسير القرآن وفي علم أصول الفقه وقال ان ابن رشد قد اوجب النظر في كتب القدماء والكتب الوافدة ايضا وكان منفتحا علي كل الثقافات ورفض ان يتعامل مع ثقافة باعتبار دينها وكان معياره الوحيد هو موافقة الحق وشدد أن العلماء والمفكرين عليهم ان يزيلوا عنا عار التخلف الذي نحيا فيه الآن.