لأن العالم تغير وأصبح أكثر انشغالا بالعلم واستقراء المستقبل، أي أن هناك اهتماما واضحا بأدب الخيال العلمي، وهو حسب تعريف القاص يوسف الشاروني: "الخيال العلمي هو مصالحة بين الأدب والعلم اللذين حسبهما الكثيرون متعارضين، يقوم أحدهما علي الخيال، ويقوم الآخر علي التجربة والاستقراء" أما هوجو جيمزباك فيعرفه بأنه ذلك الخيال الممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبؤية وبالذات"، هو ما يكتبه جول فيرن وه.ج.ويل فكان لا بد من التساؤل ما مدي تحقق أدب خيال علمي منذ دخوله إلي مصر في أوائل السبعينيات من القرن الماضي؟ جاءت الإجابات مختلفة ومتنوعة من "مثلث صناعة الكتاب" النقاد، وكتاب الخيال العلمي، وكذلك دور النشر. النقاد: الاهتمام ضعيف ويجب تدريس الخيال العلمي بالمدارس يقول الناقد محمود الضبع: "أري أن الأمر في مصر يحتاج إلي مزيد من الجهد وبلورة مفهوم الخيال العلمي، كما تطورت إليه الكتابة عالميا هذه الكتابة التي تعتمد ليس فقط علي رصد المخترعات، وإنما علي الاستفادة من نتائج وأبحاث الدراسات الحالية والمستقبلية في كافة العلوم وخاصة تشريح المخ والذكاءات المتعددة "باعتبار المخ البديل عن مفهوم الجينات الوراثية المستقبلية". وأضاف: نحتاج أيضا في مصر إلي مزيد من الاهتمام بكتاب أدب الأطفال عموما، وأدب الخيال العلمي علي وجه التحديد، حيث لا نقاد يهتمون بهذا الفرع، ولا محافل أدبية بالشكل الذي يليق بهذا النوع من الكتابة، ولا إدراك لخطورة هذا الفرع ودوره في تشكيل الوعي العلمي للأطفال. أما الناقد علي راشد فيقول: الخيال العلمي لم يأخذ حقه، واهتمامنا به ضعيف، ففي سوريا مثلا هناك اهتمام أكبر به، فتوجد مجلة متخصصة اسمها "الخيال العلمي"، يكتب فيها أدباء الخيال العلمي نهاد شريف، صلاح معاطي وآخرون. ونصح راشد بتدريس أدب الخيال العلمي لأطفالنا في مراحل التعليم الأساسي، لأنه بوابة الإبداع، قائلا: لدينا العديد من أدباء الخيال العلمي مثل نبيل فاروق، وكريم الصياد ومها مظلوم وغيرهم كثيرون، المشكلة أن هناك جهلاً بأهمية الخيال العلمي، وخلطاً في المفاهيم ما بين الخيال العلمي والفانتازيا، مثل: "حكايات ألف ليلة وليلة"، فالخيال العلمي مبني علي أسس علمية، ويستطيع التنبؤ باكتشافات علمية مستقبلية، وهو ما فعله الكتاب الغربيون في التنبؤ بالمستقبل العلمي، ولم يحدث عندنا حتي الآن. وأكمل: نحتاج لمزيد من الوعي، عن طريق الندوات والإعلام لترسيخ مفهوم وأهمية أدب الخيال العلمي، وهو نواة الإبداع الرئيسية، فهناك روايتي "مختار في أعماق البحار" ورواية "حكيم و دهب"، من الممكن أن تصبحا فيلمين سينمائيين ويلقيان نجاحا، وعن رؤيته للجيل الجديد يقول راشد: هناك محاولات شابة جيدة، لكنها تحتاج أكثر إلي التنمية لأدواتهم، لأنهم في حالة من التخبط نوعا ما. ويري الناقد والكاتب رؤوف وصفي أن "الخيال العلمي يجسد تأملات الإنسان في عدة مسائل غيبية مثل: احتمالات وجود حياة في الأجرام السماوية الأخري، وأكد أن من أهم أهداف الخيال العلمي، عرض الحقيقة العلمية بأمانة وصدق ونظرية مستقبلية، وإن تغلفت بغلاف له تألق وبريق القصة، وهو يعالج أيضا الأفكار الاجتماعية والعلمية بشكلها الصرف الخالص، وقال: ندرك الارتباط الوثيق بين الخيال العلمي والعلوم الحديثة، مثل النانو تكنولوجي والبيوتكنولوجي. وعن اقتراحه لكيفية تعميق ثقافة أدب الخيال العلمي والاهتمام بكتابه، يقول وصفي: الخيال العلمي حاليا يدرس في الجامعات بالخليج وأوروبا وأمريكا بينما في مصر لا يوجد! ولهذا لابد أن تكون هناك ندوات ومؤتمرات تقوم بهذا الدور، كذلك تدعيم للترجمة العلمية والتي سنقوم في المركز القومي للترجمة بعمل مؤتمر عن الترجمة العلمية. عن رأيه في وضع أدب الخيال العلمي في مصر يقول الناقد محمود قاسم: أدب الخيال العلمي بمصر ليس بظاهرة عامة إنما ظاهرة فردية، كما أن كتاب هذا النوع غير مدركين للفرق بين الخيال العلمي والفانتازيا والخيال السياسي والفانتازيا العلمية، فمن أفضل من كتبوا خيال علمي هم نهاد شريف، رءوف وصفي ونبيل فاروق، الذي مزج بين الخيال العلمي والمغامرات، والخيال العلمي بمصر هو تجارب فردية ولم تستكمل مثل: صبري موسي وصلاح معاطي. وقال قاسم: الحل لهذه المشكلة هو تغيير مفاهيم المجتمع وإدراكه لأهمية احترام العلم، فلماذا لا يحب الناس الخيال العلمي رغم أنه تحويل الحقائق العلمية الجافة إلي لغة أدبية شيقة وخيال ورؤية مستقبلية للحياة، لكن المأساة أننا ننظر إليه من منظور ديني وأنه تنبؤ بالغيب والمستقبل، لذلك فهو مرفوض فلا أمل في تنمية وتعميق أدب الخيال العلمي، ففي خلال الخمسين عاما الماضية من الدراما أين أفلام الخيال العلمي؟ وتابع: رغم أن تجربة أدب الخيال العلمي في مصر مثمرة إلا أنها صغيرة، فلقد بدأت في أوائل السبعينيات، حيث النهضة العلمية واحترام العلم، ثم بدأت النهضة تخبو، فالفصول العلمية في المدارس تتناقص أمام الأدبية وهذه كارثة. الكتاب مازالوا يسعون لتقديم تجربة خيال علمي حقيقية الروائي زين عبد الهادي استاذ علم المعلومات بجامعة حلوان، يقول: من المؤكد أننا مازلنا نعاني في مصر من وجود مثل هذه النوعية من النقاد، لكن بشكل عام لا أعتقد أن أدب الخيال العلمي يبحث عن نقاد، أو لنقل لاأحد يهتم به من النقاد، لأنه في ظنهم وأعتقد أن لديهم بعض العذر في ذلك لا يهتم بقضايا المجتمع الحالية وهي نظرة آن الأوان لها أن تتغير، وعموما أعتقد أن الجيل القادم من النقاد سيكون أكثر إدراكا لقضايا أدب الخيال العلمي. وتابع: فيما يتعلق بأعمالي، فأنا لا أكتب أدبا للخيال العلمي بالمعني المعروف لأني لا أستطيع أن أسبح في هذا التيار متناسيا مشاكلنا وقضايانا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأعتقد أيضا في أهمية تعزيزالخيال العلمي في المدارس والجامعات، وأن تدرس أعمال مثل أعمال جول فيرن، وأعمال ادجار آلان بو، ومجلات الكوميك الأمريكية، أعتقد أن كل ذلك سيدعم الخيال، وأهمية وضع قاعدة بيانات لهذه الأعمال تتبناها احدي جمعيات الطفولة الكبيرة في مصر مثلا، إضافة إلي أنه ليس لدينا في الجامعات أقسام تخرج كتابا ورسامين لهذا النوع من الأدب وهو مايجب النظر إليه بعين الاعتبار". الروائي كريم الصياد يري أن تاريخ أدب الخيال العلمي غير مستقر، قائلا: لقد بدأ هذا الأدب قويا مع رواية "العنكبوت" لمصطفي محمود، تلتها محاولات غير ناضجة، لكنها نضجت في الثمانينيات مع سلسلة "ملف المستقبل" لنبيل فاروق وكذك كتابات رءوف وصفي، أما الأجيال الجديدة الحالية فهي تحاول تقديم تجارب أنضج ستشكل فيما بعد مستقبلا جيدا لهذا النوع من الأدب. وعن مصادره للكتابة يرجع الصياد الفضل إلي دراسته للطب البشري ثم الفلسفة، والتي شكلت رؤيته الفنية لهذا أعماله دائما ما تحمل أبعادا اجتماعية ونفسية ممزوجة مع الخيال، مشكلة الصياد ككاتب هي إيجاد دار نشر تعي جيدا معني وأهمية أدب الخيال العلمي ثم الناقد المستوعب له أيضا وللأساليب الأدبية الجديدة عموما، فالخيال العلمي نوع أدبي ذو قيمة عالمية نفتقدها في مصر. واتفق الكاتب سيد نجم أن الاهتمام ضعيف بهذا اللون الأدبي وجزء من ذلك هو عدم الاهتمام الإعلامي ودور النشر الرسمية، لكنه متفائل بالنسبة للأجيال الجديدة لما تملكه من قدرة لفرض رؤيتها الجديدة وتجربتها، ويساعدها في ذلك دور النشر الخاصة والتي ازداد عددها عموما وأصبح بعضها مقدرا لأدب الخال العلمي.