كاتب أدب الخيال العلمي الجيد.. هو في الأصل فنان مبدع أولا.. فنان مبدع يعرف أو يفهم أو يتعاطف مع مجال أو أكثر من مجالات التفكير العلمي كاتب أدب الخيال العلمي في عالم لاتفهم فيه جماعات العلماء بعضها البعض إلا بشق الانفس يعاني من التفاهم مثلا بين الاطباء والهندسة والوراثة ويحاول ان يكون مترجما كونيا عن الطرق المختلفة للنظرة الي العلم الذي يتطور الان بلا حدود. من أجل هذا فقد شدني الي قراءة كتاب ثلاث رؤي للمستقبل تأليف جون جريفيس وترجمة رءوف وصفي والذي صدر من سلسلة الفكر عن الهيئة العامة للكتاب وفيه يشرح أدب الخيال العلمي الأمريكي والبريطاني والروسي السوفيتي. إن أساس أي فكرة جديدة يبدأ بالخيال.. الرجل السياسي لا ينجح في تحقيق أغراضه إلا بالخيال وهكذا الرجل الاقتصادي والرجل الاجتماعي.. فما بال الكاتب ذي النظرة العميقة البعيدة التي يتخيل فيها ويتساءل كيف يتفوق الانسان علي نفسه من أجل مستقبل أفضل وحياة بلا توارث أو أغراض أو حروب... عالم الوفرة في الغذاء والكساء والمأوي والأمن.. من شرور حوله لا تنتهي! وكما يقول رءوف وصفي لقد أطلق النقاد اصطلاح الخيال العلمي علي ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الانسان لكل تقدم في العلوم والتكنولوجيا سواء في المستقبل القريب أو البعيد.. هو أيضا يجسد تأملات الانسان في احتمالات وجود حياة في الاجرام السماوية الاخري. إن الكتابة عن المستقبل في هذه الفترة من التاريخ التي نعيشها الان.. تري انه لم يحدث ان تغيرت حياة الانسان بهذه السرعة علي الأرض.. وان التغيير المتلاحق الذي نعايشه.. يعني ان المستقبل قد يكون مختلفا أكثر.. عما كان مع الأجيال التي سبقتنا. نحن أمام عالم سريع التغير.. عالم مستقبل قد يكون غريبا عنا ان لم نستعد له!! في القرن الجديد الذي نعيشه نجد أنفسنا داخل اطار من التقدم العلمي المذهل.. واقعه أغرب من خياله والتنبؤ فيه بالمستقبل ليس في قراءة فنجان قهوة مقلوب ولا أحلام يقظة, أو تمتمات مشعوذ أو تنويم مغناطيسي. ولكنها أجهزة كمبيوتر ومعلومات وأشعة ليزر وتلسكوبات الكترونية واقمار صناعية ومحطات فضاء ومفاعلات نووية, يعني التنبؤ له معلومات واستقراءات؟ لا تأتي من وراء الطبيعة لانها موجودة! الخيال العلمي.. والكتابة فيه تحضرنا الي أرض المستقبل, وانه اذا كان الخيال العلمي هو مفتاح التقدم بما يتنبأ به من اختراعات وكشف حقائق العالم المدهشة التي تنير الطريق الي الغد الخيال العلمي يمثل خريطة جديدة للمعرفة.. خيال فيه ابتكار وابداع.. وادب الخيال العلمي يطرح أشكالا بديلة للتصور المستقبلي.. ويدعم افكار خبراء المستقبل. مثال لأدب الخيال العلمي في بريطانيا وفي قصة رياح من لا مكان نتأمل كيف يتم انقاذ الشخصيات الرئيسية بمحض المصادفة.. حينما بدأت الرياح تضعف بعد تدمير ذلك الشخص المصاب بجنون العظمة.. وفي قصة العالم الغريق والتي نشرت لأول مرة عام)1962( في نفس السنة من قصة رياح من لاسكان نري ان موقف الكارثة هو أن الدنيا بدأت تسخن بالتدريج, والشخصية الرئيسية في القصة هي كيراتس الذي بدأ بعد قدر من التراخي والتردد يجد نفسه متجها إلي الجنوب نحو المزيد من الحرارة في صورة من صور التضحية بالنفس أو عملية تشبه إحراق الأرملة لنفسها بعد موت زوجها واختار المؤلف أن يسميه أوديسا عصبية نسبة إلي أسطورة أوربا.. المؤلف يتساءل عن سبب وجود هذا الدافع لدي الانسان لتدمير الذات دون أن يقدم إجابة واضحة فها هي صورة من صور الخلاص الروحاني..وفي قصة الجفاف أيضا نجد المؤلف يغتبط بالكارثة التي جاءت من أختفاء الماء.. في دراسة لذاتية الأنسان مع بيئته وقدرته عي التأقلم حتي مع بيئته التي تغيرت تماما. من هذه القصص نخلص إلي أن الفكرة الكامنة في اللا وعي هي فكرة البقاء عن طريق التكيف بدلا من المقاومة أين نحن من هذا الآن؟ هذا هو السؤال.. أين نحن من أدب وخيال المستقبل طوال السنوات الماضية ونحن نجري للحاق بالعلم ونلهث لكي نجد سبل المعرفة.. الغرب أصبح نموذجا لكل تقدم.. ومن زمان نسخر من أنفسنا أننا متواكلون حتي نجد أنه منذ أكثر من تسعين سنة.. شاعرنا الشعبي العظيم بيرم التونسي يسخر ويقول: وينتقد صناعتنا الشعبية أمام التقدم الكبير الذي أحرزته الصناعات في بلاد الغرب.. كتب بعنوان صناعتنا المصرية.. يتهكم من صناعة المناخل: قالوا عريسها مناخلي قلت يا خسارة طب دي المناخل لا صنعة ولا تجارة ياللي بقي لكم زمان في الشاشة والطارة إمتي بقي تبدلوا المنخل بطيارة! زمان وفي الستينيات من القرن العشرين وبعد نجاح رجل الفضاء في رحلته وبعد الوصول إلي أرض القمر.. نشطت الصحافة العالمية في نشر الثقافة العلمية واخبار العلم والتقدم.. وكانت الصحف المصرية من الوعي لنشر هذه الثقافة وعرفنا من الصحفيين ومحرري الصحف العلميين الأستاذ صلاح جلال منشئ نوادي العلوم والأستاذ فوزي الشتوي محرر شئون الفضاء والدكتورة عواطف عبدالجليل.. ما الذي حدث بعد ذلك لم تعد دراسات الخيال العلمي وعلوم الفضاء لها الدور الأول.. وإذا سألتنا لماذا.. نقول بسبب انتشار ثقافة الكمبيوتر والانترنت.. وإهتمام عدد كبير من النقاد العلميين بها هي وأبحاث الطب. نشر الثقافة العلمية جزء من خطة استخدام الذرة في خدمة التقدم الشري.. الضبعة في حاجة إلي ثقافة الطيارة.. لا ثقافة المنخل..!