ترجمة-هالة عبد التواب أثار تفكيك مخيم العيون من قِبل السلطات المغربية في الثامن من نوفمبر الكثير من الصحف الغربية التي عاجلت بإدانة الرباط، إلا أن الأممالمتحدة التي كانت حاسمة وأحيانا المبالغات أظهرت الكثير من التحفظ في تعاملها مع القضية. وبالرغم من أن أي تشدد قد يتخذ من جانب أي طرف في هذا الموقف سيكون الأمر بالنسبة لجبهة البوليساريو بمثابة وسيلة جديدة لمقاومة تفككها والظهور علي الساحة الدولية وافساد المقترح المغربي لاستقلال المنطقة وهذا بالرغم من كونه الحل الأكثر واقعية لتمكين جميع الأطراف من الخروج من هذا الاتفاق مرفوعي الرأس إلا أنه لن يفيد عملية السلام والاستقرار في المنطقة بشيء. وكانت قد اختتمت يوم الثلاثاء 9 نوفمبر الدورة الخامسة للمباحثات المباشرة بين السلطات المغربية وجبهة البوليساريو تحت رعاية الأممالمتحدة وهي المحادثات التي بدأت في يونيو 2007 بهدف إنهاء الخلاف في الصحراء الغربية وهي القضية التي دائما ما توصف ب«المتجمدة» أو«المنسية». وقبل البدء في أي مفاوضات، تظهر ملامح الأمل في تسوية هذا الصراع القديم الذي يمتد منذ 35 سنة مع اصرار واضح لجبهة البوليساريو علي إجراء استفتاء لتقرير المصير علي أساس أنه شرط لا غني عنه للخروج من الأزمة بالرغم من رفض المغرب. وفي هذا السياق، حدثت مصادمات خطيرة أثناء تفكيك معسكر خيام في قطاع العيون، حيث تجمع فيه آلاف الصحراويين منذ10 أكتوبر الماضي احتجاجا علي تدهور أوضاعهم المعيشية، ووفقا لحاكم المنطقة فإن كل شيء بدأ بسبب حالة من السخط الاجتماعي فالبطالة تضرب بقوة السكان المحليين الذين ينتظرون دون جدوي المساعدات التي تلقوا بها وعودا في نفس الوقت الذي حصل فيه 1652 من الصحراويين «الموالين» بعد عودتهم لمعسكرات البوليساريو في تيندوف علي مساعدات فورية من السلطات المغربية. وإذا كانت ظروف المصادمات التي وقعت مازالت غير معروفة، فإن تفكيك المخيم كان فرصة سانحة لأحداث عنف ارتفع صداها سريعا خارج مضيق جبل طارق، وبالرغم من أن الخيار الأول للسلطات المغربية كان دائما تفضيل الحوار، فقد أدان الكثير من وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية الغربية باسم حقوق الإنسان لجوء السلطات المغربية للقوة وقد أعادت الصحافة الاسبانية علي وجه الأخص نشر صورة لأطفال فلسطينيين (علي موقع موال لجبهة البوليساريو) يرجع تاريخها لعام 2006، علي إنها آثار الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن المغربية في العيون، وفي إطار الصراع بين جبهة البوليساريو والمغرب، لم يعد من الغريب، للأسف أن يصبح عدد ونوعية القتلي والجرحي جزءاً من المعركة المحتدمة بين الطرفين، لكن أن تصبح وسائل الإعلام في دول ديمقراطية وأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجرد بوق لدعاية شبيهة بدعاية الحرب الباردة التي تثير المشاعر القبلية علي خلفية الحرب الإعلامية فإن ذلك أخطر بكثير وسرعان ما أزال الصحفيون هذه الصورة التي نقلتها وكالة الأنباء الإسبانية EFE. لكن هذا الخطأ لفت الانتباه إلي أن وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة أصبحت سلاحا في حروب اليوم ، بل سلاحا رئيسيا للطرف الأضعف الذي لا يتمكن من الفوز عسكريا. إلا أن عنف ردود الأفعال الإعلامية يتنافي مع سياسة التهدئة التي أظهرتها الحكومة الإسبانية والأممالمتحدة ما اضطر وزيرة الخارجية الإسبانية ترينيداد خيمينز، إلي تبرير ذلك أمام البرلمان ومجلس الشيوخ، وطالبت لنواب «بالتعقل» أثناء الحديث عن الصحراء الغربية لأنه حتي الآن «لا توجد أي معلومات واضحة أو مؤكدة» من المنظمات الدولية. ومثل إسبانيا، أعرب مجلس الأمن بالأممالمتحدة يوم 16 نوفمبر عن «أسفه» لأحداث العنف التي في العيون، لكنه في الوقت نفسه رفض فتح التحقيق الذي طالبت به البوليساريو بعد أن وصفت الحادث ب«المذبحة» فبعد الاستماع لتقرير الرجل الثاني في قطاع عمليات حفظ السلام، الهندي أتول كار، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة للصحراء الغربية، كريستوفر روس، فضلت الدول الأعضاء في مجلس الأمن ألا تذهب إلي أبعد من الإدانة. إلا أنه من المؤكد، علي حد تعبير خديجة محسن فينان الباحثة في العلاقات الدولية وأستاذة العلوم السياسة في حوار مع صحيفة لوموند، أن المعارضة لهذه الواقعة ليست فردية بل جماعية. وقد جاء تدخل قوات الأمن المغربية كهدية من السماء للبوليساريو الذي يواجه شبح الأفول، ووفقا للورانس عمور، المتخصص في شئون المنطقة، فإن هناك العديد من الدلائل التي شهدت في الأعوام الماضية علي الأزمة التي تمر بها هذه الحركة الاستقلالية، ففي 2006، تلقي سكرتير عام الأممالمتحدة شكوي بخصوص التهديدات التي تثيرها جبهة البوليساريو ضد الحامية الفرنسية في لا مينورسو (في إشارة لأعمال انتقامية ضد فرنسا التي تدعم موقف المغرب)، ومؤخرا، عقب تفكيك مخيم أجديم إزيك ، اتهمت البوليساريو فرنسا بأنها وراء قرار الأممالمتحدة بعدم النظر في طلبها للتحقيق. وهذا الخطاب المتشدد يرجع إلي فقدان هذه الحركة الانفصالية التاريخية لنفوذها. وقد غادر العديد من الصحراويين مخيمات تندوف وذهبوا إلي موريتانيا ليقيموا في مدينة الزويرات بل ومنهم من عاد إلي الصحراء الغربية وتواجه البوليساريو أيضا تحديات متزايدة في تطلعاتها لتمثيل الصحراويين والدليل علي ذلك ظهور، منذ عدة سنوات، حركات استقلالية بين شباب الصحراويين غير الأعضاء في البوليساريو، مثل إنشاء حركة «خط الشهيد»، الذي أعلن مؤسسها في ديسمبر 2009، أن إدارة جبهة البوليساريو يجب أن تفتح حوارا بناء لمعرفة ما يريده سكان المخيمات حقيقة وفي سبتمبر الماضي انفصل مصطفي سلمي ولد سيدي مولود المفتش العام لأمن البوليساريو ودعا لدعم خطة الحكم الذاتي التي تقترحها المغرب قبل أن ينضم لمخيمات تندوف للدفاع عن المشروع المغربي، ما تسبب في اعتقاله أثناء عبوره للحدود. وقد بدت التغطية الإعلامية لواقعة العيون من قِبل البوليساريو كمحاولة لاحتواء المعارضة الداخلية، لفرض نفسها كلاعب رئيسي علي الساحة الدولية بل وفرض قضية الصحراء الغربية علي جدول الأعمال الدولي بالشروط الملائمة لها. ولكن في الوقت الذي لم تنجح فيه أطراف القضية في الاتفاق علي القوائم الانتخابية، وبينما لم يسمح الجمود السياسي والايديولوجي في معسكرات اللاجئين لصحراويي الجزائر بالتصويت بحرية، فإن المقترح المغربي للحكم الذاتي في اطار العملية الهيكلة الإقليمية يبقي البديل الأكثر مصداقية، فهو عمليا الوحيد الذي يسمح لكل الأطراف بالخروج من لعبة رابح خاسر ويعطي الفرصة خاصة للاجئين الذين اختاروا المنفي، بالخروج من هذا الصراع مروفوعي الرأس. وينص مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المغرب علي إنشاء أجهزة تشريعية وتنفيذية وقضائية علي المستوي المحلي مع السماح في الوقت نفسه للحكومة بالاحتفاظ بسلطات خاصة في المجالات السيادية مثل الأمن والتعاون الدولي والعلاقات الخارجية والدين والنظام القضائي. كما ستعطي عملية الهيكلة الإقليمية للجزائر مخرجا من الأزمة. فالصراع في الصحراء الغربية وهو جيتو سياسي في المقام الأول قائم علي توترات بين الجزائر والمغرب بدأت مع الحماس الجزائري للمعارضين من اليسار المغربي الذين لجئوا للجزائر العاصمة وزادها اشتعالا تنازع القوي علي خلفية من اختلاف العادات والسياسات فدون دعم الجزائر كانت البوليساريو ستختفي فعليا، وكما توقع السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان في تقريره لعام 2006، فإن هذا الصراع لن تتم تسويته أبدا إلا بحل دولي يضمن وجود الجزائر. وإذا كان مثل هذا الحل صعب التنفيذ فإنه علي كل الأحوال لن يأتي بالعنف والتشدد في الحوار بطريقة مسيئة وكانت كل من جبهة البوليساريو والمغرب قد وافقت علي الالتقاء في ديسمبر في جنيف ثم نيويورك من أجل مباحثات جديدة حول الصحراء الغربية وفي حالة استمرار غياب الثقة بين المشاركين فإن فرص التقدم في المفاوضات ستكون غير واردة. فالمنطقة في حاجة إلي التهدئة وليس الاستفزاز ولهذا السبب دعا كريستوفر روس الأوروبيين إلي المزيد من الاستثمار في ملف الصحراء الغربية الذي من الممكن أن يصبح إحدي أولويات الجهاز الاوروبي للعمل الخارجي مع التأكيد دائما بأن 35 سنة من التوتر لن تنتهي بين يوم وليلة. باحث مساعد في معهد توماس مور نقلا عن موقع أفريك كوم