تعرضنا في حلقة سابقة إلي العلاقات المصرية السوفيتية في عهد عبدالناصر حتي تم عدوان 1967 والذي استولت بموجبه إسرائيل علي كل سيناء والجولان والضفة الغربية، من الطبيعي أن موسكو فوجئت بحجم الهزيمة ولكنها في اعتقادي لم تفاجأ بالهجوم الإسرائيلي علي ثلاث دول عربية. بالرغم من قبضة الحزب الشيوعي السوفيتي علي كل أوجه الحياة في الاتحاد السوفيتي وعدم قبول أي معارضة لأسلوب حكمه أو انتقادها، إلا أن أوساطا سوفيتية عديدة كانت تعكس الرأي العام السوفيتي الذي كان يتساءل لماذا أغدقت موسكو كل هذه الأسلحة والمساعدات الاقتصادية علي مصر وفي النهاية فإن هزيمة مصر تعد هزيمة للاتحاد السوفيتي نفسه. ولذلك وجد برجينيف نفسه مضطرا للتحدث إلي كوادر الحزب عن تقييمه للأوضاع وكيف ستتصرف موسكو لمعالجة هذا الموضوع، نقلت وثائق حلف وارسو «بولندا» الذي كان يجمع كل الدول الشيوعية نص كلمة برجينيف يوم 20 يونيو 1967 أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي والذي قال فيها إن كفاح العرب في الشرق الأوسط هو كفاح طبقي «ضد الرأسمالية» ويمثل حركة تحرر وطني وأدان إسرائيل لعدوانها وكذلك ألقي باللوم علي الجيوش العربية خاصة الجمهورية العربية المتحدة وانخفاض الروح المعنوية بين القوات المصرية. في بداية حديثة قال مخاطبا الأعضاء أنه وجد واجبا عليه أن يشرح لهم ما قامت به موسكو لمساعدة مصر وسوريا في هذه التطورات التي لا شك أنها تشكل علامة فارقة في العلاقات الدولية. وأضاف أن العدوان الإسرائيلي المدعم من قبل الدوائر الإمبريالية في الغرب وأولا وأخيرا من جانب الولاياتالمتحدة يمثل حلقة جديدة في حلقات السياسة العدوانية للإمبريالية الدولية، وهو ما تمثل أيضا في مناطق أخري من العالم مثل فيتنام ثم أوروبا «الانقلاب العسكري في اليونان» وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية. استطرد برجينيف قائلا أن الاستنتاج الوحيد من هذه التطورات في الشرق الأوسط هو أن محاولات الغرب التي تقودها أمريكا تهدف إلي كبح الأنظمة العربية التقدمية التي بدأت عمليات التحول الاجتماعي والسياسي، وهو يعتقد بذلك أن التحول الاشتراكي في مصر مثلا هو تمهيد إلي التحول النهائي نحو الشيوعية، وأضاف أن حرب الأيام الستة «عدوان 1967» يقال إن سببها هو استمرار النزاع العربي اليهودي وهو ما يناقض الحقيقة التي تقول إن النزاع هو بين قوي الإمبريالية وقوي التحرر الوطني. ومع أن الاتحاد السوفيتي كان من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل بعد الولاياتالمتحدة عام 1948 وكان يأمل في أن يكون حكام إسرائيل الجدد اشتراكيين متعاطفين معه، لأن أغلبهم كانوا من المهاجرين اليهود من روسيا وبولندا، بل وقامت الدول الشيوعية بتزويد إسرائيل بمعدات عسكرية ومتطوعين للحرب ضد العرب خلال هذه الحرب وكان الحزب الشيوعي الإسرائيلي من أهم وأنشط الأحزاب الإسرائيلية بعد إنشاء إسرائيل، وقد كان ذلك محل توجس المخابرات الأمريكية بل والخارجية الأمريكية التي طالبت الرئيس الأمريكي ترومان بعدم التسرع في الاعتراف بإسرائيل التي يمكن أن تصبح حليفة للاتحاد السوفيتي ضد الولاياتالمتحدة نفسها. ولكن بن جوريون وأعوانه توصلوا إلي قناعة أن مركز القوة هو في الولاياتالمتحدة وليس في موسكو ولذلك تحولت السياسة الإسرائيلية إلي سياسة حليفة للولايات المتحدة علي طول الخط. وهنا اكتشف الاتحاد السوفيتي خطأه ووجد فرصته في النفوذ إلي المنطقة واكتساب دول جديدة لصفه ضد الولاياتالمتحدة في العدوان الثلاثي عام 1956 الذي شاركت فيه إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ضد مصر بسبب تأميم الأخيرة لقناة السويس. ومن الجدير بالذكر أن الأحزاب الشيوعية العربية ومنها الحزب الشيوعي المصري اتبعت أوامر موسكو واعتبرت الاعتراف وقبول إسرائيل هو في إطار الصراع بين العالم الاشتراكي «السوفيتي الشيوعي» والعالم الرأسمالي الغربي الإمبريالي، وليس معركة بين العالم العربي وإسرائيل واغتصاب فلسطين. هذه الخلفية ضرورية للتعرف علي أسباب تحول الاتحاد السوفيتي من حليف ومعترف بإسرائيل إلي داعم ومؤيد للعرب، ليس علي طول الخط ولكن في إطار الصراع السوفيتي الأمريكي. في الحلقة المقبلة نتحدث عن خطاب برجينيف أمام الحزب الشيوعي السوفيتي عن التطورات التي سبقت عدوان 1967 وموقف الاتحاد السوفيتي قبل الحرب وبعد العدوان.