أما رسالة محمد - عليه الصلاة والسلام - فكانت الرسالة الخاتمة لجميع الرسالات الإلهية، سواء العامة المركزية الكبري أو الفرعية التجديدية، وتمتاز رسالة النبي - محمد عليه الصلاة والسلام - علي بقية الرسالات العامة المركزية الكبري أن الله لم يبعث من بعده أنبياء ورسلا ليحيوا رسالته كبقية الرسالات العامة الأخري، وذلك لأن الله تكفل بحفظ الرسالة الخاتمة من الضياع والزيادة والنقصان، قال تعالي: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). (9- الحجر). بل لقد حدد الله في القرآن طريقة قرآنية لفهمه حين يضل الناس ويختلفون، وسوف نتناول ذلك في دراسة مستقلة فيما بعد، ورغم جميع المحاولات القديمة والحديثة للطعن في كتاب الله القرآن، ورغم الطعن في حفظ الله له، فإن الحقيقة الواقعية والتاريخية والمنطقية والعقلية والعلمية تقطع بأنه لم يتم العثور منذ ألف وأربعمائة عام ومنذ أن توفي رسول الله محمد وإلي الآن، علي نسخة واحدة من القرآن الكريم في أي مكان من العالم، بها حرف واحد زائدا أو ناقصا عن النسخة الموجود بين أيدي المسلمين الآن في جميع أنحاء العالم، ولي دراسة كبيرة حول القرآن ولسانه، وموضوعاته، وأقسامه، وأسمائه، وكيفية جمعه، ومتي جمع، ومن كتبه، وقمت في هذه الدراسة بعرض المحاولات المستميتة للمستشرقين وغيرهم للطعن في القرآن وفي حفظ نصوصه كما تركها النبي - عليه الصلاة والسلام - وسوف أنشرها فيما بعد. موضوعات رسالات الأنبياء والرسل أصحاب الرسائل الفرعية التجديدية: إن الرسالات التي أوحي الله بها إلي الأنبياء والرسل الذين جاءوا لإحياء وتجديد الرسالات الكبري، لم تكن في مجملها كتبا عامة شاملة مفصلة، وإنما كانت رسالات احتوت علي العلم والحكمة والحكم والآيات البينات، ولم تحتو علي كتب بها رسالات عامة جديدة غير الرسالات العامة الكبري التي أرسلوا لإحياء وتجديد تعاليمها وتشريعاتها وأحكامها، وقد سبق وأن قلنا إن مفهوم العلم في القرآن الكريم يتعلق بجميع الأمور الغيبية: التاريخية والمستقبلية والعقائد كتوحيد الله والبعث والحساب والجزاء، أما الحكمة فسبق أن قلنا أيضا إنها تعني: الالتزام العملي والفعلي بالسلوك والأخلاق وبعض الأوامر والنواهي، أما الحكم فهو: الحكم بين الناس بأحكام الله التشريعية والعقابية الواردة في الرسالة العامة المفصلة الكبري. ولو تتبعنا قصص الأنبياء والرسل الذين جاءوا لإحياء وتجديد الرسالات العامة الكبري كرسالة نوح وإبراهيم وموسي لوجدنا أن رسالتهم لم تكن كتبا ككتاب نوح وإبراهيم وموسي ومحمد، وإنما كانت تتمثل في وحي أوحي الله به إليهم، كبعض الغيبيات السابقة وبعض التنبؤات المستقبلية، وكيفية الحكم بين الناس بالشريعة والأحكام الواردة في الرسالة العامة الكبري، وأيضا آتاهم الله مع العلم والحكمة والحكم، آتاهم الآيات البينات، فما هي هذه الآيات البينات؟؟. الآيات البينات: الآيات البينات هي عبارة عن الأمور الخارقة للعادة أو ما نسميه بالمعجزات، فالآيات البينات لم تكن أحكاما أو تشريعات أو سلوكيات، وإنما هي بعض الأفعال الخارقة للعادة (المعجزات) التي أيد الله بها كل الأنبياء والرسل بلا استثناء حتي يصدقهم الناس فيما يدعوهم إليه، ومن الآيات البينات التي أيد الله بها بعض الأنبياء والرسل: جعل النار بردا وسلاما علي إبراهيم حين ألقاه قومه في النار، وعصا موسي وغيرها من الآيات الكثيرة التي أيد الله بها موسي غير العصا، وإلانة الحديد لداود، وتعليم سليمان منطق الطير وتسخير الريح له، وتعليم يوسف تأويل الرؤيا، وجعل المسيح بن مريم يخلق من الطين كهيئة الطير، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتي بإذن الله، إذن فالآيات البينات هي الأمور الخارقة للعادة، وأضف إليها بعض التنبؤات والأخبار الغيبية، وربما يتساءل أحدنا: لماذا لم يؤيد الله رسوله محمدا - عليه الصلاة والسلام - بالآيات البينات كبقية الأنبياء والرسل؟ نجيب عن هذا التساؤل في المقال القادم. باحث إسلامي مقيم بأسيوط