قد يسأل سائل ويقول: لماذا إبراهيم؟ ولماذا نسب الله الملة لإبراهيم؟ ولماذا أمر جميع من جاءوا بعده من الأنبياء والرسل والناس بأن يتبعوا ملة إبراهيم؟. أقول: لأن إبراهيم قد اختاره الله إماماً للناس، إماماً للناس المتواجدين في تلك المنطقة من العالم في ذلك الزمان، وإماماً للناس من ذريته من الأنبياء والرسل وللذين سيؤمنوا بالله معهم من بعده، قال تعالي: (وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا). (124- البقرة). فلم يكن اختيار الله إبراهيم لإمامة الناس، إلا لأن الله قد ابتلاه بكلمات أوحي بها إليه فأتمهن بلاغاً وتصديقاً وعملاً وإخلاصاً وإسلاماً لله، وأيضا لم يبتليه الله بكلماته إلا بعد أن توصل إبراهيم عليه السلام إلي الدين القيم، الإسلام لله وحده والحنف عن الشرك به، وذلك بفطرته ونظره وعقله قبل أن يوحي الله إليه، قال تعالي: (وَلَقَدْ آتَينَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ). (51- الأنبياء)، فلذلك جعله الله إماماً للناس، حيث قد آمن بالله وحده واعتنق دين الله وأخلص له الدين وحنف عن الشرك به سبحانه، وذلك بعد طول نظر وتفكر وحيرة وسير في الأرض بحثاً عن الحقيقة، قال تعالي: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأَي كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَي الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَي الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (75: 79- الأنعام). فلم يجعل الله لإبراهيم ديناً خاصاً به وإنما هو دين الله الذي اهتدي إليه إبراهيم قبل أن يأتيه وحي أو رسالة، فاستحق أن يختاره الله إماماً للناس، وعلماً لهم، واستحق أن يضاف اسمه إلي الدين القيم، وتنسب الملة له، وذلك بعد طول بحث ونظر وتحير، حتي اهتدي إلي الله بفطرته وعقله، فوفاه الله أجره في الدنيا بأن نسب الملة إليه، وأمر الناس في تلك المنطقة من العالم، أن يتبعوا ملته ويسلكوا طريقه ويسيروا علي نهجه، ولذلك قال تعالي: (قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (95- آل عمران). (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً). (125- النساء). (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَي صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (161- الأنعام). (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيعْقُوبَ). (38- يوسف). (ثُمَّ أَوْحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (123- النحل). (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) (78- الحج).