مع بداية اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وفي ال30 ديسمبر 2000، كان محمد جمال الدرة خارجا مع أبيه بشارع صلاح الدين بين نتساريم وغزة، فدخلا منطقة فيها إطلاق نار عشوائي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، قام الأب بسرعة بالاحتماء مع ابنه خلف حاجز خرساني صغير، استمر إطلاق النار ناحية الأب وابنه وحاول الأب الإشارة إلي الجنود الإسرائيليين بالتوقف، ولكن إطلاق النار استمر بشكل متعمد ناحية الأب وابنه، وحاول الأب حماية ابنه من القصف الهمجي، ولكنه لم يستطع، أصابت عدة رصاصات جسم الأب والابن، وسقط محمد الدرة شهيدا برصاصة الغدر في مشهد حي نقلته عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية لجميع العالم. فقد التقط المصوّر الفلسطيني طلال أبو رحمة صوراً تظهر استشهاد محمد الدرة، هذه الصور التي أثارت عاصفة من ردود الفعل المستنكرة للجريمة التي اعترفت إسرائيل بارتكابها والتي سرعان ما تحولت إلي «أيقونة» الانتفاضة الثانية، لأنها تفضح الممارسات الإسرائيلية في فلسطينالمحتلة. وتناقلها مناصرو القضية الفلسطينية بشكل كثيف ما شكل إزعاجاً لليهود المدافعين عن إسرائيل في العالم. وكان هذا التاريخ بمثابة نقطة تحول أيضا في حياة شارل انديرلن، مدير مكتب فرانس 2 في القدس، الذي أعطي الأمر بنشر هذه الصور الصادمة لأول مرة في نشرة الثامنة مساء في اليوم نفسه مؤكدا أن إطلاق النار جاء من الجانب الإسرائيلي. والآن في الذكري العاشرة لهذه الجريمة البشعة، يصدر شارل انديرلن كتابا بعنوان «مقتل طفل» يروي فيه المعاناة التي لاقاها بسبب نشر الحقيقة، فبعد الحادث مباشرة، وبعد الفضيحة العالمية التي واجهتها إسرائيل كدولة تقتل الأطفال وتهاجم المدنيين تحت ستار الديمقراطية والدفاع المشروع عن النفس، سرعان ما بدأ العمل علي تنظيم حملة تنفي الصورة والفلسطينيين مسئولية إطلاق النيران. وارتفعت الأصوات في إسرائيل مطالبة بالتحقيق في الحادث مجددًا مروجة لوجود احتمال وفاة محمد الدرة بنيران فلسطينية. إعادة التحقيق في الحادث لم تكن ممكنة لأن مسرح الجريمة كان قد مُحي عن خريطة غزة بعدما مسحته الدبابات الإسرائيلية. تطوّع الكثيرون من الإسرائيليين حول العالم للعمل علي تأكيد توّرط الفلسطينيين في قتل الدرة. بل طُلب في 19 نوفمبر 2000 من رئيس الوحدة العسكرية المسئولة عن الجريمة الجنرال «يوم توف ساميا» الموافقة علي إعادة بناء مسرح مشابه للجريمة لكي يؤكد أن الجنود الإسرائيليين لا يمكنهم، من المكان الذي تواجدوا فيه، أن يكونوا هم من أصاب الدرة. وبعد أيام قليلة صرّح مساعده يوسف دورييل ل«سي بي أس» الأمريكية بأن الوالد جمال الدرة ممثّل وأنه لم يكن يعلم أن ابنه سيقتل فعلاً لدواعي التمثيل. وفي وقت لاحق، في عام 2002، انتج بعض اليهود الفرنسيين المدافعين بشراسة عن إسرائيل فيلما ملفقا عن الحادث وبدءوا حملة منظمة ضد «فرانس 2»، وطالبوا ببث الشريط الكامل الذي التقطه طلال أبو رحمة، مؤكدين أن ما اذيع مختلق ومزيف. خلال هذا الوقت كان انديرلن يتلقي تهديدات من متطرفين، ووضع منزله تحت الحراسة،ويعاني معاناة شديدة هو وأسرته من الحياة في قلب القدس حتي أنه تساءل «هل يجب علي كل يهودي مؤمن أن ينفي جريمة مقتل الدرة؟» مؤكدا وجود حرب قذرة ضده وضد كل من يطالب بإظهار الحقيقة.