تشهد الساحة المصرية في الوقت الحاضر - وعلي كل الجبهات - العديد من المواقف والأحداث، وتطالعنا وسائل الإعلام بعشرات المقالات والتحليلات، وتمتلئ الفضائيات بالعديد من الحوارات والحكايات، البرامج والمسلسلات، التي وصلت هذا الشهر الكريم إلي حد يفوق الوصف في تفاهة الكثير منها. كما يلاحظ أن القائمين بكل هذا وعليه يحرصون علي وصف أنفسهم، أو وصف الآخرين لهم بصفات والقاب تستهدف اضفاء المصداقية علي ما يقولون به، منها علي سبيل المثال: الصحفي أو الإعلامي المعروف، أو الخبير العالم في تخصصه... ومع ذلك فإن من يفتش في العديد من هذه الألقاب يجد أنها للوجاهة الاجتماعية وحسب، وأن أصحابها ربما يكونون في أول درجة من سلم الترقي في هذا التخصص. كما أن من يحلل الكثير من هذه المواقف والأحداث، وما يتم طرحه من تحليلات وحوارات، برامج ومسلسلات، يتبين له أنها لا تستهدف سوي تزييف الوعي، بل واستلابه. وحتي يمكن الوقوف علي ما نذهب إليه في هذا المجال، نشير إلي أن «الوعي» يقصد به العقلية المفكرة الناقدة، القادرة علي التفسير والفهم لما يحيط بالفرد من وقائع، وبالواقع الذي يعيش فيه، وتحقيق وجوده كإنسان فاعل ويؤثر في بناء ذاته وتغيير واقعه. وهذا هو الوعي الصحيح، وفي المقابل فإن الوعي الزائف هو علي النقيض تماماً من الوعي الصحيح، لأنه يعين الادراك المشوه للواقع، والتفسير الخاطئ لوقائعه وأحداثه، وفقدان القدرة علي التفاعل والتأثير في الواقع الذي يعيشه الفرد. ويضيف عالم الاجتماع «إدجار» بأن هناك من يحاول تزييف وعي الجماهير استهدافاً لتحقيق مصالحه، والتأثير فيها لتبني اتجاهاته ومواقفه، والتي تسير في اتجاه مضاد للمصلحة الحقيقية لهذه الجماهير. أما «استلاب الوعي» فيعد مرحلة متقدمة وأخطر من عملية «تزييف» الوعي، لأنه يعني استلاب العقل، وتغييبه، وافقاده القدرة علي الفهم والتفسير استهدافاً بسهولة الهيمنة والسيطرة عليه، وتحقيق كل ما يطلبه ويسعي إليه القائم بعملية استلاب الوعي. وعلي الفور نقول: إن ما يحدث علي الساحة المصرية الآن إنما يستهدف ليس فقط تزييف الوعي وإنما أيضاً استلابه، وعلي سبيل المثال - لا الحصر - نشير إلي: 1 - ما يحدث في جبهة السياسة من تزييف بل وسلب وعي الجماهير من خلال ما يطلق عليه تجميع التوقيعات الإلكترونية وغيرها لترشيح هذا أو ذاك لرئاسة الجمهورية، وهذا الإجراء يعني ببساطة شديدة النظر للجماهير علي أنهم مجرد «بصمجية»، وأن الآخرين هم الأعرف بمصالحهم، مما يعطي هؤلاء الآخرين شرعية التحدث باسم الجماهير، في حين أنهم يعملون لمصالحهم الخاصة الشخصية، والأيديولوجية، وربما تحقيق أجندات لا علاقة لها بمصالح الجماهير. 2- ما يحدث علي جبهة الإعلام من مقالات وحوارات، برامج ومسلسلات، بل وفتاوي دينية، وهي في معظمها لا تستهدف إثارة وعي الجماهير، ولا تهتم بمناقشة قضاياهم ومشكلاتهم، وإنما تعمل علي تزييف وعيهما واستلابه، ومن المخجل والمقزز أن هناك ممن كنا نعتبرهم كباراً في مجالهم بل ويقومون بأمر وسائل وبرامج إعلامية، نقول من المخجل والمفزع هو مشاركتهم بل وإداراتهم لبرامج وحوارات لا تليق بهم ولا بأسمائهم، وإنما هي أدخل في باب «الروح» والباب والقذف العلني، والتشهير بالآخرين. بل أدخل في باب «توافه التفاهات» الفحش والفجور، يحدث كل هذا في لحظة تاريخية نعيشها من أجل الإصلاح والتغيير والمشاركة السياسية، كما يحدث والعالم من حولنا يعيش عصر العلم والتكنولوجيا. وهل بعد كل ما يحدث لدينا ولديهم نتساءل: لماذا نتخلف وهم يتقدمون؟ والإجابة معروفة: إن لدينا «الهيافة» والبحث عن المصالح الخاصة، ولديهم الجدية والعلم، وكيفية النهضة والتقدم. والله من وراء القصد.