في يوم مشمس علي غير عادة أيام شهر ديسمبر، اصطحب الدكتور عز الدين أطفاله الثمانية معه للشاطئ للاستمتاع بالبحر والجلوس علي الرمال في محاولة بسيطة للترويح عنهم بعد وفاة أمهم قبل شهرين بسرطان الدم، كان الدكتور عز الدين يشعر بالراحة لرؤيته بناته يضحكن وهم يخططن أسمائهن علي الرمال، بيسان وميار وآية، ولم يكن يعرف الأب أنه وبعد أيام قليلة سيعيش مأساة موت الفتيات الثلاث الذين تتراوح أعمارهن بين 13 و15 و21 بالإضافة لإصابة ابنته نور 17 عاما بجروح خطيرة علي يد آلة الحرب الإسرائيلية التي أطلقت قذيفة صاروخية علي منزل الأسرة خلال حرب غزة الدامية. وأي شخص تعرض لما تعرض له دكتور عز الدين كان سيسقط في حفرة مظلمة من الحزن والمرارة والألم إلا أن الرجل لم يستطع أن ينهض ويقف علي قدميه لرعاية أطفاله الخمسة الباقين علي قيد الحياة وحسب، وإنما استطاع كذلك أن يؤلف كتابا ملهما يحكي فيه سيرته الموجعة والمغلفة بقوة الإرادة والأمل والقدرة علي مصالحة الحياة. الكتاب بعنوان "لن أكره" صدر عن دار راندوم هاوس بكندا في أبريل الماضي ومن المقرر توزيعه في لندن خلال يناير القادم، ويحكي القصة المريرة للطبيب الغزاوي عز الدين أبو العيش وبناته الثلاث اللاتي اغتالتهن الحرب، والكتاب تمت ترجمته إلي 13 لغة من الفنلدنية وحتي التركية ومن المقرر ترجمته إلي العربية والعبرية قريبا. وعن عنوان الكتاب "لن أكره" والذي اختاره الأب المكلوم لكتابه يقول: "أنا ضد العنف، فالمنهج العسكري أثبت فشله علي مدي عقود ولا يوجد جديد، فبالرغم من الفشل نجد أنهم ينتهجون ذلك المنهج القاسي ويستمرون في تطبيقه دون تفكير، لقد فشل الجميع في تغيير المسار وكل ما نفعله هو أننا نواصل نفس المنهج فتتفاقم المشاكل وتتسع فجوة الكراهية وسفك الدماء..من السهل جدا أن تدمر الحياة ومن الصعب جدا أن تبنيها.. هناك فرق بين الكراهية والغضب، فالغضب حاد لكنه عابر، أما الكراهية فسم ونار تحرقك من الداخل، نحتاج إلي أن نكون غاضبين وأن نوجه غضبنا بطريقة إيجابية". وعن الحادث يقول عز الدين وهو طبيب نساء وتوليد فلسطيني الأصل من مدينة جباليا، درس الطب في القاهرة وبريطانيا وعمل لبعض من الوقت في إسرائيل - يقول: إنه في حوالي الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم السادس عشر من يناير عام 2009 سقطت قذيفة صاروخية علي منزله وبالتحديد علي غرفة نوم الفتيات، وعندها ركض الأب علي الغرفة المدمرة ليجد بناته غارقات في دمائهن وأشلائهن مبعثرة في كل مكان. وليأسه من المساعدة الطبية اتصل عز الدين بصديقه شلومي إلدار المذيع بالقناة العاشرة الإسرائيلية وصرخ طالبا منه النجدة وقد تم بث صرخة الاستغاثة التي كانت بمزيج من اللغة العربية والعبرية علي الهواء مباشرة وفي خلال ساعة واحدة كان قد تم نقل ابنته المصابة من غزة. لكن المكالمة التي تمت إذاعتها مباشرة علي الهواء وجهت نظر العالم كله إلي ما يحدث في غزة التي يتغير فيها الحال كل يوم من سيئ لأسوأ، إذ يشعر الناس باليأس وعدم الأمان ويحتاجون للحرية والشعور بالإنسانية بنفس قدر حاجتهم للغذاء الذي لا يجدونه. ويحمل الكتاب فلسفة إنسانية بسيطة لكنها عميقة عن المعني الحقيقي للإيمان وعن قيمة الأمل الإيجابي إذ يقول الدكتور عز الدين فيه إن كل شيء في الحياة محتمل أن يحدث، حتي السلام، والأمر الوحيد فقط الذي لا يمكن أن يحدث هو أن تعود زوجته وبناته مرة أخري إلي الحياة، وكل ما يتمناه الدكتور عز الدين ألا يضيع دم بناته هباء وأن يكون الكتاب سببا في صحوة قلوب الناس وعقولهم ودعوة لنبذ العنف والكراهية.