مع حلول شهر رمضان في الصيف اتفق علماء الدين في آرائهم حول أنه لا ضرر ولا ضرار من الذهاب للمصايف في شهر رمضان مؤكدين أن ثواب الصيام لا ينقصه شيء ولكن علي المسلم أن يراعي الله في صيامه، خاصة أن هذا الشهر من أفضل الشهور عنده سبحانه وتعالي فلا يجعل رفاهية المصيف تنسي فضل هذا الشهر الكريم وروحانياته وأدبياته بل يحاول أن يوازن بين نزهته ورفاهيته وبين تردده علي المساجد وكثرة قراءته القرآن. فمن جانبه يوضح الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة الأسبق وأستاذ الفقه والدراسات الإسلامية أن من بين المحرمات النظر إلي عورات الناس سواء كانوا رجالاً أو نساء، كما أن البعض يرتدي “المايوه” الذي يناسب نزول البحر وهو يظهر جزءًا من عوراتهم أي ما بين “السرة والركبة” وكذلك بالنسبة للسيدات وحتي اللاتي لا يلبسن ملابس البحر ولكن بمجرد خروجهن من الماء تلتصق الملابس بأجسامهن، وبالتالي إذا اقترن الصيام بهذه الأفعال فيعتبر الصيام غير كامل ويقلل من ثوابه، ومع ذلك يري عثمان أنه إذا كان المسلم سيقضي مصيفه ونزهته بعيدًا عن كل ما يغضب الله والذهاب يكون لمجرد النزهة وتغيير الجو مع الالتزام بقراءة القرآن والذهاب للمساجد لقضاء الصلاة فلا مانع منها. وأضاف إنه من الضروري أن يتغلب المسلم علي نفسه حتي لا يقع في المعصية بأن يشعر نفسه بأن هذا الشهر لن يتكرر في العام سوي مرة واحدة وأن ينتهز فرصة هذا الشهر ويكثر من الأعمال الصالحة بدلاً من ارتكاب الأفعال غير الشرعية وعليه أن يكثر من قراءة القرآن والصلاة لأنها ستجعله ينتصر علي شيطانه. كما يؤكد الدكتور رشاد خليل عميد كلية الشريعة السابق بجامعة الأزهرة أن الصيام عبادة وركن من أركان الإسلام ولابد من تأديته ولكن هذا لا يحرم المصيف والترويح عن النفس، فالمسلم له أن يذهب إلي الحياة المريحة خاصة أنه من المعروف أن العبادة في أصلها مشقة مقبولة ويمكن تحملها فكل عمل يقوم به الإنسان يعد مشقة سواء كان الطعام أو الشراب حتي المصيف والسفر يعد في حد ذاته مشقة بسبب السفر والتعود علي المكان بينما العبادة هي المشقة الوحيدة التي يقوم بها المسلم وهو راض وقابل. وأوضح خليل أن الصيام لا يعد عائقًا للترويح عن النفس، فهو يعلمنا الصبر وكيفية اتصال الإنسان بربه ولذلك فلا يمكن المقارنة بين الصوم وفرائضه وبين راحته، والدليل علي ذلك أنه عندما فرضه الله وضع له أعذارًا كالمرض والسفر، فلقد أعطي رخصة لكليهما أن يفطر علي أن يعوضه في أيام أخري ومن ليس لديه عذر فعليه أن يستغل هذا الشهر بقدر المستطاع بحيث يحصل علي ثواب الصوم كاملاً ويتصدق خلال هذ الشهر ويقضي ليلة القدر وعمل العمرة وغيرها من النفحات التي لا تأتي في العام سوي مرة واحدة وهذا لا يتعارض علي الإطلاق مع أن يروح المسلم عن نفسه ويهرب من طقس العاصمة الحار. ومن جهته أكد الدكتور مصطفي عمارة أستاذ الحديث وأصول الدين بالأزهر أن شهر الصيام من المفترض أنه في رحاب المساجد ودور العبادة ولكن الصيام علي شواطئ البحر سيتطلب بعض الشروط حتي لا يفقد المسلم ثواب الصيام ومن أهمها غض البصر والبعد عن جميع المعاصي وأن يكثر من قراءة القرآن التي تتم في أي وقت وفي أي مكان، ومعني هذا أن المسلم لا يمانع من أن يصيف ولكن دون أن ينشغل بما يجعل صيامه غير كامل. وعلي النقيض رأي الدكتور سعد هلال عميد سابق لكلية الدراسات الإسلامية بأسوان وأستاذ الشريعة والقانون أن المصيف قد يبعد المسلم عن روحانيات رمضان فهذا الشهر هو الذي يتفرغ فيه المسلم للعبادة لأن هذا الشهر هو الذي نزل فيه القرآن وجميع الرسائل السماوية السابقة وكما قال الله عز وجل “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان”. وأضاف إنه لابد علي المسلم أن يكثر من قراءة القرآن فهو شهر الصبر الذي يدرب الله فيه المسلم علي مقاومة النفس ورغباتها مما يستلزم عليه أن يقوم بالأعمال التي تتلاءم مع الصبر ومنها الإكثار من المكوث في المسجد ومراعاة أن تتم صلاة الخمسة فروض داخله وهذا ما يساعده علي الاعتكاف وأن يستضيف نفسه في بيت الله، كما قال في الحديث القدسي: “إن بيوتي في أرضي المساجد، وإن زواري فيها عمارها”. وقال هلال: “إن المسلم يعيش في هذه اللحظة في التفكير والتذكر في الله في كل وقت وفي كل مكان فهو شهر التذكير والعظة وكيفية أن يربي المسلم نفسه بنفسه في طاعة الله والاستماع لجلسات العلم، فكيف في شهر الصوم والاعتكاف وقراءة القرآن والشهر الذي جعل الحسنة فيه بعشرة أمثالها وأن يضيع هذا الأوكازيون المبروك”. ومع ذلك يري أن المصيف في حد ذاته مباح مع البعد عن المحرمات بل يمكن أن يستغل هذه الأيام في إسعاد المسلم لزوجاته وأولاده مع الحرص علي التوجه للمساجد وعلي قراءة القرآن وعلي ذلك أن يحاول أن يقسم وقته ما بين عبادة ربه والذهاب للمساجد وما بين التوجه للبحر والاستمتاع بجمال الطبيعة التي خلقها الله عز وجل وبالتالي فهو سيجمع بين الحسنيين الأولي أنه لن يفرط في شهر رمضان والثانية أنه لن يضيع فرحة أولاده بالمصيف. وألمح هلال إلي أن المسلم علاقته بربه تأتي من خلال “احفظ الله يحفظك” وتلبية نداء الصلاة الذي يأتيه في أي وقت سواء في القاهرة أو غيرها ومن يتوجه خارج العاصمة لتغيير الطقس الحار ليس معناه أنه يخرج من شريعته، بل هو يبحث عن الراحة ولكن الأهم ألا يحرص المسلم علي الابتعاد عما يفطره فقط كالطعام والشراب وممارسة الجنس ولكن يبتعد أيضا عما ينقص من ثواب الصيام. وأشار إلي أن الله سبحانه وتعالي عطوف ورحيم علي عباده حيث أعطانا إمكانية الإفطار في حالات المرض والسفر كما قال تعالي: “وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون”، ولكن هناك ملاحظة نحو مصطلح السفر فيقصد بها هنا في القرآن الكريم السفر المباح وليس سفر المعصية، والأخير هو عبارة عن السفر من أجل ارتكاب جريمة قتل أو فاحشة الزني فهذا الشخص لا يستحق الإفطار في السفر ولا الصوم في رمضان، بينما السفر المباح مثل العبادة أو النزهة أو غيرها هنا عليه أن يفطر ولا حرج عليه في أول 4 أيام من السفر فهو يعد في ضيافة الله فيسمح له بالإفطار علي أن يصوم في اليوم الخامس وعليه أن يعوضه في أيام أخري. وتشير الدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الشريعة الإسلامية بنات جامعة القاهرة أن ما يحرمه الله سبحانه وتعالي يعد حراما في كل الأوقات سواء كان في رمضان أو غير رمضان وسواء كان وقت الصيام أو حتي في الإفطار ولكن شهر الصيام المبارك له حرمته وله قدسيته فعلي المسلم أن يعلم أن ما يقلل ثواب الصيام هو النظر إلي المحرمات ويحاول البعد عن كل الشبهات ما دام المسلم يحاول أن يرضي ربه في جميع الأوقات بحجب نظره وجوارحه فيكون من باب أولي أن يكثر من هذا في شهر رمضان ولكن فكرة أن يخرج المسلم لتغيير جو خارج القاهرة أو خارج محافظة فإنه لم يرتكب أي خطأ بل عليه أن يبتعد عن مواضع الإثارة والشبهات التي تحدث علي الشواطئ وإذا كان يخرج للنزهة وإسعاد نفسه فلابد أن يعلم أنه كلما أسعد ربه ستسعد نفسه أكثر وكذلك جميع جوارحه ستسعد معه، والمسلم والمؤمن الصادق سيظهر في هذا الوقت الذي لا يضيع أي عبادة سواء في المصيف أو في السفر أو حتي في المرض وحتي إذا لم يتسطع الصيام في هذه الحالات فعليه أن يعوضها في أيام أخري فديننا يسر وليس عسر كما يقول الحديث الشريف: “إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه”.