لا يمكن للمتابع للإعلام الديني أن يقف علي مرجعية واحدة وحيدة تجمع شتات ما يتم بثه الآن في الإعلام الديني بكل أشكاله وألوانه، فلكل قناة مرجعيتها الفكرية الخاصة بها، بل لكل مجموعة أشخاص مرجعيتهم الفكرية الخاصة بهم، بل يكاد يكون لكل داعية مرجعيته الخاصة به، أما الأغرب والأعجب أن من الدعاة الدينيين في الإعلام الديني من ليس لديه أية مرجعية يمكن إرجاعه إليها، هذا الصنف من الدعاة عديم المرجعية نراهم يتحدثون في قضايا وأمور الدين هكذا بالبركة (وزي ما ترسي معاهم)، من أمثال هؤلاء (عمرو خالد، مصطفي حسني، خالد الجندي، محمد هداية، وغيرهم ممن يطلق عليهم الدعاة الجدد)، فهؤلاء لا منهج علمي لديهم ولا مرجعية فكرية علمية حقيقية ظاهرة واضحة صريحة يمكن أن تنسبهم إليها، سوي قولهم: نحن نمثل الإسلام الوسطي، أو وسطية الإسلام، أو الإسلام المستنير، هذه الشعارات كما لا يخفي علي أحد هي شعارات فضفاضة لا تركن إلي شيء حقيقي يمكن الرجوع إليه، فهي شعارات أشبه ما تكون بجراب الحاوي الذي يخرج منه الحاوي ما يشاء متي شاء لمن يشاء، ويمنع منه ما يشاء متي شاء عمن يشاء، فهل يستطيع واحد من هؤلاء أن يبين لنا ما هي المرجعية أو المنهجية العلمية الفكرية لشعار وسطية الإسلام أو شعار الإسلام المستنير؟، أؤكد أن واحدا من هؤلاء ليس لديه جواب عن هذا السؤال، بل ربما لم يسمع من قبل عن المنهج العلمي في التفكير. ومن المعلوم أن الإعلام الديني يجمع تيارات دينية أخري، ولكل تيار ديني مجموعة من الأشخاص تمثله، فمنهم من يمثل التيار السلفي الذي تتمثل مرجعيته في التمسك بالكتاب والسنة الصحيحة (وفق شروطهم هم للصحة) أي يأخذون من أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يصح لديهم وفق ما يشترطونه أو وفق ما يرونه هم من شروط لصحة الحديث عند قبولهم له، وهؤلاء ليست لديهم أية مرجعية فكرية تقوم علي المنهج العلمي، وإنما تتمثل مرجعيتهم الفكرية في عدم أخذهم من الكتاب والسنة مباشرة من تلقاء أنفسهم، بل يقولون: نحن نفهم ديننا كما فهمه السلف الصالح من الأمة، والسلف الصالح يقصدون بهم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وحجتهم في ذلك ما نسب للنبي عليه الصلاة والسلام من قول جاء فيه: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، فهم بذلك منغلقون علي فهم القرون الأولي للإسلام ويعتبرون أي فهم للدين سوي فهم السلف الصالح فهما غير ملزم ومجانب للصواب، ولا يمكن اعتبار أن هذا الفكر أو هذا المنهج هو فكر علمي أو منهج علمي، بل هو فكر أو منهج طائفي عنصري منغلق لا يمت للعلم بصله. أما الذي قد لا يعرفه معظم الناس عن التيار السلفي أنه ليس تيارا واحدا موحدا، بل هو عدة تيارات مختلفة ومتنافسة فيما بينها لا يجمعهم سوي اجتماعهم علي فهم الدين طبقا لفهم السلف، إلا أنهم قد اختلفوا فيما بينهم حول فهم السلف للدين، بمعني منهم من أيد فهم ابن عباس ومنهم من أيد فهم سفيان الثوري في بعض القضايا الفقهية، ومنهم من قال بصحة بعض الأحاديث في قضية ما ومنهم من ضعفها وقال بصحة غيرها في نفس القضية، لذلك نجد مثلا الشيخ محمد حسان والشيخ محمد الزغبي والشيخ أبو إسحاق الحويني رغم أن جميعهم ينتسبون للتيار السلفي في فهم الدين إلا أنهم مختلفون فيما بينهم حول بعض القضايا وبعض الأحكام الفقهية، ولذلك نجد لكل منهم أتباعه وأشياعه الذين يؤيدونه ويناصرونه في آرائه في القضايا والأحكام الفقهية التي يختلف فيها مع غيره ممن ذكرنا من المشايخ. ومن التيارات الدينية الأخري التي يزخر بها الإعلام الديني، تيار الإخوان المسلمون، ومرجعيته لا تختلف كثيرا عن مرجعية التيار السلفي، إلا أنهم أكثر انفتاحا وحركية من التيار السلفي خدمة لتوجهاتهم السياسية الدينية المعلنة، التي تتمثل في نشاطهم السياسي عبر دخولهم كل الانتخابات تحت شعار (الإسلام هو الحل) لجذب البسطاء والعوام للوصول إلي السلطة عبر صناديق الاقتراع ومن ثم يستطيعون تطبيق الشريعة الإسلامية ويقيمون الدولة الإسلامية، وكما لا يخفي علي أحد أن هذا التيار لا يملك أي منهجية علمية لفهم الدين حتي وإن كان له مرجعية دينية إلا أنها بالقطع مرجعية لا تمت للعلم بصلة. أما الأستاذ جمال البنا (مفتي البوس وشرب السجائر في الصيام) فلا يملك أية مرجعية أو تفكيراً علمياً حقيقياً علي الإطلاق، إنما يمكن القول إنه يعتمد ويتبني فكرة تحديث الفهم الديني عبر الاعتماد علي القرآن الكريم وحده باعتباره المصدر الوحيد والصحيح للإسلام، أما السنة فنراه يتعامل معها بمزاجية وانتقائية محضة، حيث يقول: نأخذ من السنة ما يوافق القرآن، ولو طالبناه بالمرجعية الفكرية العلمية أو بالمنهجية العلمية لفهمه للقرآن والسنة، فأنا أؤكد أن الرجل لا يملك وربما لا يعرف عنها شيئا علي الإطلاق. وهكذا تكون العبثية وبعثرة عقائد الناس وتشتيت دينهم وتمزيق أفكارهم من أجل مصالح وغايات القائمين علي الإعلام الديني في مصر والعالم العربي. وأكاد أجزم بأن هناك قوي تقف خلف هذه التيارات لإلهاء الناس وتشتيتهم دينيا كي يحافظوا هم علي مصالحهم وإبقائها آمنة مستقرة. (للحديث بقية)