"هنا لندن ! الفرنسيون يتحدثون الفرنسية من لندن"، كانت هذه أول كلمات حملتها أمواج راديو لندن للفرنسيين في يونيو عام 1940 بعد أن فتحت الإذاعة البريطانية بي بي سي أبوابها أمام رجال المقاومة الفرنسية وعلي رأسهم الزعيم شارل ديجول ليولد راديو لندن ويصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للفرنسيين خلال أربع سنوات تحت الاحتلال النازي وإحدي أهم أدوات المقاومة في بث الروح الوطنية والمثابرة في رجالها. في كتابها "راديو لندن : صوت الحرية" ، تروي المؤرخة والكاتبة أوريلي لونو، مستعينة بتسجيلات صوتية نادرة ألحقتها بالكتاب في سي دي منفصل، الحياة القصيرة لهذه الإذاعة العابرة للمانش التي ألهمت ملايين الفرنسيين في أصعب الأوقات التي مرت علي الجمهورية الأوروبية العريقة. وقد صدر الكتاب قبيل احتفال فرنسا بالذكري ال70 لإلقاء شارل ديجول الخطاب الافتتاحي لراديو لندن في ال18 من يونيو 1940 بعد يوم واحد من إعلان حكومة المارشال فيليب بيتان الفرنسية الاستسلام للألمان ، الذي ينظر إليه علي أنه العامل المؤسس للمقاومة الفرنسية للنازي في الحرب العالمية الثانية وأحد أسباب اكتساب ديجول شهرة ومحبة كبيرة بين الفرنسيين فقد تسبب بث الخطاب الذي أعلن فيه أن "شعلة المقاومة الفرنسية يجب ألا تنطفئ ولن تنطفئ"، عدة مرات في الأيام التالية في جعله شخصية معروفة لدرجة أنه حوكم عسكريا من قبل حكومة «فيشي» التي وضعها الاحتلال وصدر ضده حكم غيابي بالإعدام بتهمة الخيانة. ويتناول الكتاب الحرب التي دارت خلال أربع سنوات، ليس في ساحة المعركة ، ولكن في موجات الأثير بين راديو لندن، صوت المقاومة، وراديو باريس، صوت الحكومة العميلة الموالية للألمان في فيشي، فقد حاول النازيون بكل الطرق وقف بث هذه الإذاعة عن طريق التشويش والمراقبة وفرض عقوبات شديدة علي من يستمعون إليه، إلا أن كل هذه الوسائل فشلت في فصل الفرنسيين عن إذاعتهم الصادقة التي تنقل إليهم أخبار بلادهم من خارجها. وقد اكتسب راديو لندن، بفضل ظروفه الاستثنائية وإدارته من قبل مجموعة من الشباب مثل جاك ووشسن وبييار بوردون وجون أوبرليه، روحا مختلفة عن المحطات الإذاعية التقليدية، فبالإضافة إلي كونه صوت حركة "فرنسا الحرة" التي يرأسها شارل ديجول ونقله لأخبار وانتصارات المقاومة، ضمت برامجه فقرات كوميدية واسكتشات وأغاني ذات إسقاطات سياسية، وتحتوي في أغلب الأحيان علي رسائل ذات شفرات معينة لا يفهمها إلا رجال المقاومة في فرنسا لنقل معلومة سرية أو تضليل العدو. وبعد نجاح قوات الحلفاء في دخول فرنسا عام 1944 قامت مجموعة من رجال الكوماندوز بتحرير مقر راديو باريس وطرد الألمان وأعوانهم منه، ليعود بث "الإذاعة الوطنية" منه، ويصبح راديو لندن ذكري مشرفة بين أكبر انتصارات المقاومة الفرنسية، وفضلا لا تنساه فرنسا لهيئة الإذاعة البريطانية.