هذا سؤال يطرحه بعض المراقبين.. مع احتفالات فرنسا هذه الأيام.. أو بالأحري هذه الشهور بالديجولية.. والتي بدأت منذ16 مايو وتستمر حتي أواخر نوفمبر القادم. والتي بلغت ذروتها بالزيارة التي قام بها الرئيس ساركوزي امس الجمعة للندن.. حيث زار المقر العام للجنرال ديجول مركز العمليات في العاصمة البريطانية والذي قاد منه حركة الكفاح ضد الاحتلال النازي. كما توجه وفد من850 شخصية أعضاء مؤسسة شارل ديجول.. ومنظمة فرنسا الحرة.. ورفاق الحرية في قطار خاص من يوروستار للمشاركة في احتفاليات لندن.. التي تضمنت أيضا احتفالية عسكرية فرنسية بريطانية. وفي باريس.. جري تنظيم احتفاليات اخري في ضاحية مونت فاليريان بمشاركة الرئيس ساركوزي.. ورئيس الوزراء فرانسوا فييون ووزير الدفاع ارقيه موران.. المناسبة كبيرة.. وتستحق الاحتفال.. ومع ذلك فإن هذا لايمنع بعض المراقبين من التساؤل حول ما وراءها من اهداف, فيربطها البعض ببدء الإعداد والتمهيد لانتخابات2012 القادمة.. رئاسية وتشريعية.. والرغبة في تأكيد الانتماء لديجول مؤسس الجمهورية الخامسة.. ولكل ماتحمله الديجولية من معان وقيم؟! بل ويصل البعض الي الربط بين هذه الاحتفاليات التي جرت بالأمس.. وبين ما أعلنه دومينيك دوفيلبان.. رئيس وزراء فرنسا الأسبق في عهد شيراك.. عن اجتماع يضم قرابة ألفين من المناصرين له ولحركته المعارضة لساركوزي.. لإعلان مولد حزبه السياسي الجديد.. ومن هنا.. فإن أصداء الاحتفاليات الخاصة بزعيم فرنسا الأشهر.. لابد وأن تغطي علي أية احداث اخري في الاجهزة الاعلامية؟! وأيا كانت الأسباب الكامنة وراء الاحتفاليات.. فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الذكري هو: أين نحن الآن من الديجولية؟.. وأين نحن من ديجول ومواقفه ومبادئه؟ ميشيل أليوماري.. وزيرة العدل الفرنسية.. في رأيها أن الرئيس ساركوزي في عمله وتحركه.. خاصة في السياسة الخارجية.. يسير في الخط الديجولي. صحيفة الجورنال دي ديمانش تختلف مع رأي ميشيل اليو ماري.. وتري أن هذه الاحتفاليات هي الأخيرة من نوعها.. الفاعلون.. واقعيا. لم يعودوا موجودين.. والإشارة الي الديجولية قد اختفت من الحياة السياسية.. ونيكولا ساركوزي هو أول رئيس جمهورية ينتخب دون الإشارة الي الجنرال ديجول وإن كان اسلافه قد اعلنوا انتماءهم اليها.. الرئيس جاك شيراك او معارضتهم لها.. فرانسوا ميتران وفاليري جيسكار دستان او الاثنان معا.. جورج يومييدو. الفرنسيون غالبيتهم يتفقون مع الرأي القائل بأن الديجولية أصبحت في عداد التاريخ. فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة الجورنال دي ديمانش ان73% من الفرنسيين يرون ان الديجولية قد اندثرت وأن لاحظت الصحيفة أن40% من ناخبي اليمين و19% من ناخبي اليسار يرون ان الديجوالية تظل حاضرة في نظر من تم استطلاع رأيهم وتعني ان تشعر بعظمة فرنسا. وهنا يمكن للمرء ان يدرك معني ان الديجولية قد اندثرت.. اي فكرة معينة عن فرنسا.. تلك التي لم يعد لها حدود.. فحدودها ذابت في حدود اوروبا( الاتحاد الاوروبي) ولم تعد لها عملة( الفرنك انتهي ولم يعد هناك سوي اليورو).. ولم تعد لديها سلطة تشريعية.. لان النصوص التي تتبناها بروكسل والاتحاد.. تجب النصوص الفرنسية اذا ماتعارضت معها.. ولم تعد لديها سلطة قضائية.. فسلطة المحكمة الاوروبية تجب سلطة المحاكم الفرنسية.. وحتي عظمة فرنسا.. في رأي البعض.. هي أمر مشكوك فيه.. مع وجود عجز وديون تصل الي1500 مليار يورو وبطالة تصل الي10% و8 ملايين يعيشون تحت حد الفقر. هنري جينو المستشار الخاص للرئيس ساركوزي يؤكد ان الديجولية حاضرة في السياسة الخارجية لفرنسا.. ايا كانت شخصية رئيس الجمهورية وتوجيهاته.. كل يفعل ذلك بأسلوبه.. ويري هنري جينو ان سياسة فرنسا العربية التي أطلقها شارل ديجول موجودة مع الرئيس ساركوزي.. والاتحاد من اجل المتوسط هو شكل من اشكال هذه السياسة. والشيء نفسه بالنسبة لسياسة فرنسا الافريقية.. استمرارية لنفس المباديء.. واستمرارية لنفس الفلسفة.. هذا هو مايؤكده المستشار الخاص للرئيس ساركوزي.. وإن كان البعض من المراقبين يري غير ذلك.. الديجولية نشأت في الاربعينيات كحركة كفاح ومقاومة.. الديجولي في ذلك الوقت كان هو المقاوم والمكافح للاحتلال والاستعمار.. النازي.. تحت لواء حركة فرنسا الحرة.. فهل هذه هي النظرة التي تنظرها فرنسا ومعها اوروبا.. الي حركات المقاومة الفلسطينية.. للاحتلال, والكفاح الذي تقوده ضد المستعمر الاسرائيلي للأراضي؟ هذه الحركات التي توصم بالإرهاب؟والتي يفرض عليها.. ومعها الشعب الفلسطيني كله.. الحصار.. والتجويع.. هل هذه هي ديجولية فرنسا المعاصرة؟! الديجولية تحولت بعد التخلص من الاحتلال النازي الي عقيدة استقلالية الموقف والقرار.. حيت إن الحنرال ديجول خرج بفرنسا من حلف الاطلسي.. حتي تكون لفرنسا وحدها السيادة علي قوتها النووية الرادعة.. والتحكم وحدها في تحريك قواتها.. وقتما تشاء واينما تشاء.. والآن عادت فرنسا بالكامل مرة اخري الي الحلف الاطلسي.. والمتابع لتحركها ومواقفها يجد في كثير من الاحيان.. ان عينيها دائما علي الشريك الأكبر.. عبر الأطلسي.. لتسير في خطاه.. في كثير من الأحيان.. ولا تنفرد بالتحرك.. بل كثيرا ماتضبط ايقاعها علي نغمات واشنطن.. حتي وان تباينت معها احيانا.. وأين اذن هذه السياسة الديجولية التي يقولون انها موجودة. هل عوقبت اسرائيل في حربها علي غزة وعدوانها وتدميرها الكامل لهذا القطاع. المراقب لسياسة فرنسا.. يري أن آخر مواقف الديجولية ربما كانت مع الرئيس كانت مع الرئيس جاك شيراك.. فهناك اولا خطابه في جامعة القاهرة.. في8 ابريل عام1996 الذي طرح فيه سياسة فرنسا العربية.. وهناك ثانيا زيارته لدمشق في اكتوبر1996 والتي حظي خلالها باستقبال شعبي لم يحظ به أحد في العاصمة السورية منذ أيام عبدالناصر. وهناك ثالثا زيارته للقدس الشرقية ضمن نفس الجولة في اكتوبر96 واصراره علي التجول علي الاقدام في شوارع المدينة العربية.. واحتكاكا مع رجال الامن الاسرائيليين.. والصور التليفزيونية التي لاينساها المشاهدون.. لهذه الحادثة تري هل يمكن أن نري مواقف ديجولية تتكرر ردا علي ما حدث من عدوان مدمر ومخرب وجرائم حرب.. في غزة وعدوان عسكري غير متناسب ومفرط علي اسطول الحرية او ردا علي مايحدث للفلسطينيين من حصار وتجويع واذلال؟ أليست الديجولية مباديء ومواقف؟!