إن الدراسة المتفحصة للنصوص الدينية للرسالات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، توحي للوهلة الأولي بأن التشريعات العقابية لعقوبة الزني جاءت أقسي وأكبر علي المرأة من دون الرجل، وكذلك نجد أن الرسالات الثلاث ألزمت المرأة بتدابير احترازية من هذه الجريمة أكثر من إلزامها للرجل، وأقدم للقارئ في هذا المقال عينة صغيرة من نصوص الرسالات الثلاث لنري كيف أن المرأة قد وقع عليها أقسي وأقصي العقوبة فيما أن الرجل لم يأت له ذكر في بعض شرائع العهد القديم، وأفلت نهائيا من العقوبة في الشريعة المسيحية، وخففت بعض الشيء في الشريعة الإسلامية علي بعض الفواحش، ففي بعض أسفار العهد القديم في الكتاب المقدس نجد العقوبات التالية للمرأة الزانية من دون أي ذكر لعقوبة الرجل: ففي سفر حزقيال «16 : 35» (لِذَلِكَ اسْمَعِي أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ قَضَاءَ الرَّبِّ: مِنْ حَيْثُ أَنَّكِ أَنْفَقْتِ مَالَكِ وَكَشَفْتِ عَنْ عُرْيِكِ فِي فَوَاحِشِكِ لِعُشَّاقِكِ . . . هَا أَنَا أَحْشِدُ جَمِيعَ عُشَّاقِكِ الَّذِينَ تَلَذَّذْتِ بِهِمْ، وَجَمِيعَ محبيك مَعَ كُلِّ الَّذِينَ أَبْغَضْتِهِمْ فَأَجْمَعُهُمْ عَلَيْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَكْشِفُ عورتك لهم لينظروا كل عورتك . . . وَأُسَلِّمُكِ لأَيْدِيهِمْ فَيَهْدِمُونَ قبتك وَمُرْتَفَعَةَ نُصُبِكِ، وَينزعون عنك ثيابك وَيَسْتَوْلُونَ عَلَي جَوَاهِرِ زِينَتِكِ وَيَتْرُكُونَكِ عريانة وعارية) انتهي. وفي سفر (تثنية 25:11 _ 12) (إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضاً. وتقدمت امرأة أحدهما لكي تخلص رجلها من يد ضاربه ومدت يدها وأمسكت بعورته، فاقطع يدها ولا تشفق عليها) انتهي. وفي سفر (لاويين 21 : 9) (إذا تدنست ابنة كاهن بالزني، فقد دنست أباها. بالنار تحرق) انتهي. هذا في بعض شرائع العهد القديم، أما في الشريعة المسيحية وفق الطائفة الأرثوذكسية فالمرأة إذا زنت تطلق من زوجها وبعد طلاقها لا تتزوج أبدا وإن تزوجت فهي زانية، أما الرجل لو زني فلا تطلق منه زوجته ولم تنص الشريعة المسيحية علي أي عقوبة له، ففي إنجيل متي (5 : 27 _ 32): (وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: ان من طلق امرأته إلا لعلة الزني يجعلها تزني. ومن تزوج مطلقة فإنه يزني) انتهي. أما في الشريعة الإسلامية وفي عقوبة بعض الفواحش جعل القرآن عقوبة المرأة الحبس في البيوت حتي الموت، أما الرجل فعقوبته الإيذاء إلي أن يتوب: قال تعالي: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّي يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَالَّلذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) (16: النساء). وفي عقوبة الزني قدم المرأة علي الرجل في تنفيذ العقوبة فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) (2: النور). هذه النصوص وغيرها أوحت إلي جموع الناس خطأً أن تغليظ العقوبة علي المرأة من دون الرجل لأجل أنها _أي المرأة_ غاوية للرجل بطبعها، وهي المتسببة في جذب الرجل نحو الخطيئة، والمحرض له علي ارتكاب الفحشاء والمنكر، وقد ترتب علي هذا الفهم الخاطئ اعتقاد جموع الناس أن ممارسة الجنس لا تعني سوي النجاسة والخطيئة، والتدني إلي درك الشهوانية الحيوانية، والسقوط في وحل الرذيلة والآثام، واعتقدوا أن الطهر كل الطهر هو البعد عن شهوة النساء وبغضها والفرار منها ومن كل ما قرب إليها من قول أو عمل، بل واعتقد الناس خطأً أن كمال الإنسان ونقاءه وقربه من الله لا يتم إلا إذا طهر الإنسان نفسه من شهوة النساء ومن رؤية النساء ومن مجالسة النساء ومن لمس النساء وكلما ازداد الرجل بعدا عن المرأة وإبعادا لها ونفورا منها كلما ازداد إيمانه وقربه من الله وازداد كماله الإنساني. هكذا يعتقد الناس في شرائع الدين ورسالات الله. والسؤال الآن، هل بالفعل شرائع الأديان تحمل في مضامينها هذه الأفكار التي تملأ رءوس الناس اليوم حول ازدراء المرأة واستقذار الجنس؟، وهل ربطت الشرائع الدينية بين الجنس والقيم الإنسانية والأخلاقية، وما سر هذا الرهاب الديني والتهويل المفرط في شأن استقذار الجنس ونبذ المرأة، وهل الرسالات الدينية بتشريعاتها هي من أدت إلي هذا الفكر المحتقر للمرأة والمستقذر للجنس؟. هذا ما سنجيب عنه في المقالات القادمة. للحديث بقية