ليس كل ما يكتب يقرأ.. وليس كل ما يقرأ يستحق القراءة! مع كل صباح نجد أمامنا الكثير من المطبوعات الصحفية.. وكلها حافلة بالمقالات والتحليلات.. والقراء بالقطع لا يقرأون كل هذه الكتابات.. إنما ينتقون ما يقرأون، كل حسب اهتماماته وميوله وقناعاته، وأيضاً حسب إعجابه من عدمه بالكاتب وانحيازه من عدمه لأفكاره وآرائه.. ولذلك هناك كتابات لا يقرأها أحد، وهناك كتاب لا يعرفهم أحد، رغم كثرة عدد الكتاب لدينا، وكثرة المقالات والتحليلات التي تتضمنها المطبوعات الصحفية.. فليس كل من حمل قلما صار كاتباً.. فالكتابة فن.. فن صياغة فكرة أو رأي ومحاولة إقناع الآخرين به.. وحتي يتحقق ذلك لابد أن يمتلك الكاتب مهارة الكتابة والقدرة علي الإقناع والتأثير، وقبل ذلك كله لابد أن يكون موهوباً في اجتذاب قراء لما يكتبه، لأنهم إذا لم يقرأوا ما يكتبه لن يقتنعوا بما يريد إقناعهم به. لكن للأسف بعض من يحملون القلم لا يحرصون علي ذلك.. المهم أن يكتبوا ويكتبوا، ويسطرون الصفحات والأعمدة.. والأكثر أهمية أن تتصدر أسماؤهم وصورهم كتاباتهم المنشورة في المطبوعات الصحفية.. ولذلك تصبح كتابة هؤلاء مثل الحرث في الماء.. بلا جدوي أو فائدة وبدون أي تأثير.. لأنها لا يقرأها أحد، وإذا تصادف أن قرأها أحد لا يستوعبها ولا يتأثر بها ولا يقتنع بما جاء فيها. لقد نسي هؤلاء أن الكتابة ليست مجرد حرفة أو مهنة كغيرها من المهن، وإنما هي موهبة أنعم بها الله علي صاحب القلم، وامكانيات ذهنية منحها له.. لذلك لا يتوقف هؤلاء عن الكتابة، ويستمرون فيها مثلما يستمرون في تناول الطعام والشراب أو السير والنوم! بل إن بعض هؤلاء لا يهمه أساساً أن يجتذب قراء لما يكتبه.. لأنه يكفيه أن يقرأ كتاباته قارئ واحد أو بضعة قراء.. بل إن من بين هؤلاء من يتصلون بمن كتبوا لهم خصيصا لينبهوهم أنهم كتبوا ما يرضيهم أو يستهويهم.. فليس كل ما يكتب لوجه الله!.. إنما هناك أيضاً كتابات مدفوعة الأجر، والذي يدفع ليست المطبوعة الصحفية إنما من يستهدفهم مثل هذا النوع من الكتاب بما يكتبون. وإذا كان كل ما يكتب لا يقرأ.. فليس كل ما يقرأ يستحق الكتابة. فهناك من يقرأون ما يكتب بحكم الواجب أو لأن مسئولية العمل تقتضي ذلك.. لا يهم من يقرأ هنا أن يستفيد مما يقرأ أو يستمتع بقراءاته، ولكن المهم أن يعرف ما يكتب أو أن يكون ملما بما كتب. وهذا الأمر ينطبق علي بعض وليس كل الكتاب والصحفيين الذين يهمهم متابعة ما يكتب وما ينشر ليكونوا علي إلمام به، ولذلك يقرأون كل ما يستطيعون، ويتحملون في سبيل ذلك الكثير من العناء والمشقة، لأن هناك كتابات تستعصي علي الفهم ناهيك علي أنها تستعصي علي القبول، تصيبك بالإرهاق والضيق والسأم لقراءتها. كما أن هذا الأمر ينطبق أيضاً علي من يعملون في جهات وهيئات من مهامها القيام بتحليل مضمون لما يكتب لأن ذلك يساعد في قياس اتجاهات الرأي العام. أي أن هؤلاء مضطرون لقراءة ما لا يستحق القراءة، مضطرون لتحمل غير الموهوبين في الكتابة، ومن يتصورون أنفسهم خطأ أنهم كتاب، وكل ما لديهم من مسوغات الكتابة هو القلم الذي يحملونه والمطبوعة التي قبلت أن تنشر لهم الغث من الكلام أو الكلام المرصوص بجوار بعضه بدون معني.