ستظل العلاقة بين الرجل والمرأة في عالمنا العربي والإسلامي خاصة العلاقة الجنسية محل صراع وسجال فكري وديني دائم ما لم يتم الحسم فيها حسماً دينيا صحيحًا وواقعيا يبدل كثيرا من الأفكار المشوهة للجنس والحاطة من شأن المرأة، تلك الأفكار التي تسكن وتعشش في رءوس القوم منذ قرون طويلة، والتي استقاها القوم من بعض النصوص الدينية المتعلقة بالعقوبات الجنسية ضد المرأة، وكذلك من بعض التدابير التشريعية الدينية الخاصة بالمرأة المتزوجة وحسب، وليس أي امرأة أخري، وكذلك من عادات وتقاليد الآباء والأسلاف الذين عدوها شرعا ودينا يتقربون به إلي الله من دون تفكر فيها أو مناقشة لها أو مراجعة. إن الفكر الجنسي المستقذر للجنس والحاط من شأن المرأة ليس فكرا مقصورًا وحسب علي العرب والمسلمين بل هو فكر منتشر ومستشر في معتقدات ونفوس كل أو معظم ساكني الأرض، ويعود ذلك بشكل حصري وأساسي إلي الفهم الخاطئ للنصوص الدينية الموجهة إلي المرأة في جميع الكتب المقدسة لأتباع جميع الأديان، مما أدي إلي النظرة الدونية للمرأة ووضع أنثي الآدمي في المرتبة الدنيا من بين إناث جميع المخلوقات، حتي وإن ادعت بعض المجتمعات البشرية كالمجتمعات الغربية التحضر والرقي في معاملة المرأة، إلا أن النظرة الدونية المحتقرة للمرأة بسبب النصوص الدينية المتعلقة بالممارسة الجنسية للمرأة مازال قائما في نفوس الناس حتي ولو كلفوا المرأة برئاسة الدولة، أما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فقد قام هذا الفكر بزلزلة العلاقة بين الرجل والمرأة واعتبر ذلك الفكر الجنس شيئاً مستقذراً ومقبوحاً يحرم الحديث فيه أو تناوله أو نقاشه أو اشتهاؤه أو طلبه، بل جعل من الجنس جيفة نتنة يجب قبرها لأنه حسب نظر أكثرهم: (عيب، حرام، قلة أدب، رذيلة، فساد، فحشاء). إن هذا الفكر المستقذر للجنس والمشوه للمرأة لهو أكبر أسباب تخلف الشعوب العربية والإسلامية وانحطاطها الفكري والعلمي والثقافي والسياسي والاقتصادي والإنساني والديني، بل إنني أكاد أجزم أن الفكر الجنسي المتوجس المضطرب للعرب والمسلمين هو من أكبر العثرات التي عملت علي عوق هذه الشعوب عن التقدم في أي مجال فكري أو علمي أو ديني أو سياسي أو اقتصادي، بل لقد عمل علي قذف هذه الشعوب إلي الوراء إلي حيث ما قبل ذيل التخلف بدهور. وذلك أن هذا الفكر يحمل في كونه وتكوينه أثقالا من أمراض شتي: (نفاق، تناقض، حرج، حرمان، عوق، شره، ضعف، عنت، حيرة، انفصام)، كل هذه الأثقال ينوء بها كاهل الرجال والنساء بين قومنا من العرب والمسلمين، لأنه إلي الآن لم يتم حسم هذا الأمر حسما دينيا إنسانيا يرعي طبيعة النفس البشرية وتلبية حاجتها الطبيعة من عامل المتعة بين الرجل والمرأة بسهولة ويسر، والنظر إلي الممارسة الجنسية نظرة طبيعية واقعية وليس شيطنتها أو استقذارها، وفي هذا يقول الدكتور عبد السلام زهران في كتابه (علم نفس النمو): (تعتبر الغريزة الجنسية من أقوي الغرائز والدوافع لدي الإنسان حيث تحمل تأثيرا كبيرا علي الصحة النفسية والفكرية والجسدية. وتتجلي هذه الغريزة في مظاهر مختلفة ابتداءً من مرحلة الطفولة وانتهاءً بانقضاء العمر، ويتوقف نشاطها علي مجموعة من العوامل العضوية كالهرمونات والعوامل النفسية كالحاجة الماسة لإشباع هذه الرغبة. يقول دوجلاس توم: "إن كثيرا من أنواع الصراع العقلي والشذوذ النفسي التي نشاهدها اليوم في الكبار والصغار علي حد سواء ترجع بصورة مباشرة إلي المواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية. وليس هناك من قوة في الدنيا وفي الحياة الفعلية بأجمعها أكثر من تلك القوة إلحاحا في سبيل الظهور علي أي شكل من الأشكال) انتهي. وبالتالي فإننا في حاجة ماسة وسريعة وملحة لمراجعة كل أفكارنا الدينية المتعلقة بالجنس والمرأة والتي جعلت من ممارسة الجنس ومن المرأة عنوانا لكل فحشاء وفساد ورذيلة وألصقت بالمرأة وحدها من دون الرجل عار تلك الممارسة كما هو راسخ في معتقدات الناس، ذلك لتلافي كثير من الجرائم النفسية والاجتماعية والجنائية التي يسببها العنت والكبت الجنسيات الناتجان عن تلك المعتقدات الحاطة والمستقذرة لتلك الممارسة الطبيعية. للحديث بقية