أوقاف الفيوم تواصل فعاليات برنامج "صحح قراءتك" بالمساجد الكبرى    بعد صعوده أمس.. ماذا حدث لسعر الدولار في 9 بنوك ببداية تعاملات اليوم الأربعاء؟    فتح فروع بنك ناصر استثنائيًا يوم السبت المقبل لصرف معاشات شهر يونيو    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    وزير النقل يشهد توقيع مذكرة لإنشاء أول مشروع لتخريد السفن بميناء دمياط    ارتفاع أسعار النفط مع التوقعات بإبقاء "أوبك +" على تخفيضات الإنتاج    وفد مصر يشارك بالاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2024 في كينيا    جنوب إفريقيا تعلن التوجه إلى مجلس الأمن للمطالبة بتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية بشأن رفح    إخلاء مستشفى القدس الميداني في خان يونس    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    عاجل| إعلام فلسطيني: مروحيات إسرائيلية تنقل جنودا مصابين جراء معارك غزة لمستشفى ببئر السبع    عيد عبد الملك: منافسة الشناوي وشوبير ستكون في صالح الأهلي    «15قذيفة مثيرة».. ملخص تصريحات شيكابالا    كأس مصر، موعد مباراة المقاولون والترسانة والقناة الناقلة    المقاولون والترسانة.. مواجهة الجريحين في دور ال32 بكأس مصر    الحالة المرورية اليوم، زحام بالقاهرة والجيزة وسيولة بالطرق الصحراوية والساحلية (فيديو)    محاكمة مضيفة طيران بتهمة قتل ابنتها.. اليوم    صفحات الغش تنشر أسئلة امتحانات الدبلومات الفنية والتعليم «كالعادة» تحقق    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    قبل عرضه.. تفاصيل مسلسل «مفترق طرق»    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    "اختر صحتك قل لا للتبغ".. ندوة بطب عين شمس    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي.. صور    متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    دولة الإمارات وكوريا الجنوبية توقعان اتفاقية تجارية    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    محمد فاضل: «تجربة الضاحك الباكي لن تتكرر»    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024.. موعد إعلانها وطريقة الاستعلام    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    يرسمان التاتوه على جسديهما، فيديو مثير لسفاح التجمع مع طليقته (فيديو)    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
مسارح متعددة وقضية واحدة‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 01 - 2010

الذين يشنون الهجمات الإعلامية والسياسية علي المنشآت والتحصينات المصرية الدفاعية علي الحدود المصرية مع قطاع غزة لا يجيبون أبدا علي الأسئلة الرئيسية المطروحة‏:‏ هل تم تهريب سلاح ومفرقعات ومواد متفجرة إلي مصر عبر الإنفاق أم لا؟ هل تم بناء شبكات من المتعاونين من المصريين الذين لا يحترمون القوانين المصرية للتعامل مع هذه الأنفاق أم لا؟ هل تم عبور مصريين عبر هذه الأنفاق وجري تدريبهم من خلال منظمات إسلامية فلسطينية داخل قطاع غزة وهؤلاء قاموا بهجمات إرهابية في سيناء أم لا؟ هل حدثت هجمات إرهابية في سيناء أم لا؟ هل اعترف حسن نصر الله رئيس حزب الله اللبناني بأنه بني شبكة عسكرية في مصر تقوم بتهريب السلاح عبر مصر والأنفاق أم لا؟ هل تم اجتياح الأراضي المصرية من قبل المواطنين في غزة وهدم السور الموجود علي الحدود بين مصر والقطاع أم لا؟
هل يسبب ذلك أضرارا سياسية واقتصادية لمصر علي المستويين المحلي والدولي أم لا؟ هل يعرض تهريب السلاح عبر الأنفاق اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية للخطر‏,‏ ويجعل ممكنا عودة الصراع المسلح مع إسرائيل مرة أخري ودون رأي للدولة المصرية أو للشعب المصري أم لا؟ هل يمكن احترام دولة في العالم بينما تفقد السيطرة علي حدودها أم لا؟ هل ترتبط شبكات التهريب إلي غزة بشبكات دولية إرهابية ممتدة عبر البحر الأحمر إلي الصومال واليمن أم لا؟ هل يعد ذلك في أي عرف دولي معروف تهديدا للأمن القومي أم لا؟ هل وجود تهديد آخر للأمن القومي المصري‏,‏ وفي هذه الحالة إسرائيل‏,‏ يلغي وجود هذا التهديد للأمن القومي هو الآخر؟
هذه الأسئلة وغيرها كثيرة لا تجيب عنها أبدا جماعة المصريون الجدد من الخوارج علي الحكمة المصرية التاريخية التي تقوم علي الوقوف إلي جانب كل مظلوم في العالم خاصة إذا كان عربيا ومسلما وإفريقيا إلا إذا قام أي من هؤلاء بتهديد الأمن المصري بشكل مباشر وصريح‏.‏ وفي هذه الحالة فإنه لا يوجد تهديد يلغي الآخر‏,‏ ووجود إسرائيل وامتلاكها لمئات من الرءوس النووية واحتلالها للأرض العربية ونشرها لكل أشكال عدم الاستقرار في المنطقة‏,‏ لا يجعل مصر تغض البصر عن أمن حدودها مع قطاع غزة‏,‏ ولا أمن مائها مع دول حوض النيل‏.‏ هذه المبادلة بين أشكال التهديد لا وجود لها في دولة من دول العالم‏,‏ وربما كانت المشكلة في الأصل لدي الذين يريدون لإسرائيل أن تكون المبرر والغطاء للقبول بأشكال أخري من التهديد الفعلي والمباشر والآني للأمن المصري‏,‏ هي أنهم لا يؤمنون في الأصل بفكرة الدولة فضلا عن الدولة المصرية ذاتها‏,‏ حيث لا يوجد لديهم مانع إطلاقا من تسليم إرادتها وقرارها السياسي‏,‏ وحربها وسلامها لدول وجماعات أخري‏.‏
هذا القول ليس بلاغا في أحد لا إلي الدولة أو الحكومة‏,‏ ولكنه بلاغ للرأي العام المصري في جماعة من المفكرين والكتاب‏,‏ بغض النظر عن بذاءتها وشتائمها التي تعبر عن رداءة منطقها وتهافت حجتها‏,‏ هي ذاتها التي عملت بنفس الكلمات والتعبئة والشحن من أجل أن تأخذ مصر إلي نفس المصير الذي سارت له دول أخري في المنطقة‏.‏ ولحسن الحظ‏,‏ بالنسبة لنا حيث هو سييء بالتأكيد لدول عربية وإسلامية شقيقة‏,‏ أن هناك تجارب كثيرة لجماعتنا علي جبهة واسعة بين التطرف والاعتدال تظهر النوائب والكوارث التي تنتج عن الدول الدينية التي ليس لها حدود‏,‏ ولا أول لها ولا آخر‏,‏ ولا قواعد ولا أصول‏,‏ وإنما كم هائل من الأفكار التي تقود أصحابها ومن اتبعهم من شعوب إلي التهلكة‏.‏ وكان ذلك هو ما جري في السودان والصومال ولبنان وإيران والعراق وأفغانستان وباكستان‏,‏ ويجري الآن وبسرعة مخيفة في اليمن‏,‏ ويبث سمومه القاتلة في الجزائر ومصر وليبيا وغيرها من الدول‏,‏ حيث تجري عملية تفكيك الدولة من الداخل عن طريق الطائفية والعرقية ورفض المواطنة والدعوة الصريحة أو المغلفة للتمييز‏,‏ ثم بعد ذلك جرها إلي صراع خارجي من نوع أو آخر يكون عادة كفيلا بالقضاء عليها وتحويلها من دولة ساعية للتنمية والتقدم إلي دولة منهارة تهيم فيها جماعات مقاومة مزعومة أو حقيقية‏.‏
المسألة إذن أكبر وأكثر اتساعا من قضية غزة‏,‏ وما حدث هو اتخاذ موضوع الأنفاق‏,‏ وكما هي العادة القضية الفلسطينية كلها‏,‏ ذريعة للضغط علي الدولة المصرية‏,‏ ومسارا لتسميم الأجواء المصرية بشكل أو آخر‏.‏ مرة أخري هذا بلاغ للرأي العام إزاء خطر ماحق يهدد وجود الدولة المصرية ذاتها حينما يجعل امتدادات‏,‏ أو منابع إذا شئت‏,‏ حركة حماس الأيدلوجية‏,‏ أداة في ترويج أدوات تقويض الطبيعة المدنية للدولة‏.‏ وما جري في نجع حمادي له بالتأكيد تفاصيله الجنائية‏,‏ ولكنه من حيث الجوهر جزء من ظاهرة متكررة قوامها التعدي علي فكرة المواطنة والمساواة بين المصريين‏,‏ حدث أنه وصل هذه المرة إلي جماعة من المجرمين‏,‏ وكان في أزمنة سابقة جزءا من ثقافة جماعة من المتطرفين قادتهم إلي الإرهاب واستهداف مصريين اختلف دينهم‏.‏ وما بين هذه وتلك من الجماعات توجد درجات مختلفة من السموم المنتشرة في المجتمع والتي تغذيها نخبة مختارة من المفكرين والكتاب الذين ربما لا يرتدون عباءة الإخوان التنظيمية‏,‏ ولكنهم يتبعون وينشرون فكرها بافتتان عجيب‏,‏ بينما يغضون البصر تماما عن نتائج هذا الفكر بين المسلمين في العالم‏,‏ ويتجاهلون في نفس الوقت الحالة الإيجابية التي يعيشها مسلمون آخرون في دول مدنية كما هو الحال في إندونيسيا والهند وتركيا وماليزيا‏.‏
وبصراحة فإن كثيرا مما يجري في مصر الآن يكاد لا ينفصل عن بعضه البعض‏,‏ حيث تتعدد المسارح والساحات بينما تبقي القضية الأساسية واحدة‏.‏ وخلال الشهور والأيام القليلة الماضية جرت مجموعة من الأحداث لا يمكن فصلها عن بعضها البعض مهما تباينت وقائعها ومظاهرها‏,‏ وانشغلت مصر بالعديد من القضايا‏:‏ أولاها‏,‏ مشكلة الحدود مع قطاع غزة‏,‏ بدءا من اقتحام‏700‏ ألف فلسطيني الحدود مع مصر‏,‏ والحرب الإسرائيلية علي غزة في ديسمبر‏2008‏ ويناير‏2009,‏ وانتهاء بالإنشاءات التي أقامتها مصر علي الشريط الحدودي مع قطاع غزة لاعتبارات تخص الأمن القومي المصري‏.‏ وثانيتها‏,‏ الحادث العنيف الذي شهدته مدينة نجح حمادي بقنا في السابع من يناير الحالي‏,‏ والذي أسفر عن مقتل‏7‏ أشخاص وإصابة عشرة بينهم مسيحيون ومسلمون‏.‏ وثالثتها‏,‏ تصاعد الحديث عن الترشيحات المحتملة لانتخابات الرئاسة التي سوف تجري عام‏2011,‏ وظهور قائمة أسماء تضم الدكتور محمد البرادعي‏,‏ والسيد عمرو موسي‏,‏ ودعوة العديد من القوي والأحزاب إلي توقيع توكيلات شعبية تطالب بتعديل الدستور‏,‏ خاصة ما يتعلق بشروط الترشيح للانتخابات الرئاسية‏,‏ لتمكين العديد من هذه الشخصيات من الترشيح فيها‏.‏ ورابعتها‏,‏ استمرار المطالبات بتعديل المادة الثانية من الدستور والتي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع‏,‏ والتأكيد علي أهمية تضمين جميع الديانات السماوية في الدستور دون النص علي شريعة بعينها‏.‏
هذه القضايا في مجملها أصبحت أشبه ب المسارح المتعددة ذات الوجه الواحد‏,‏ حيث تدور في فلك موضوع العلاقة بين الدين والدولة‏,‏ أو العلاقة بين الدولة الدينية والدولة المدنية‏,‏ أو مرجعية الدين في الدولة المدنية‏,‏ وهي القضية التي يرجح أن تستمر طاغية لفترة طويلة علي السجال السياسي والثقافي في مصر‏,‏ لاسيما أنها تمس تماسك الدولة والعلاقة بين مواطنيها في الصميم‏.‏ وفي كل الأحول‏,‏ فإن ذلك يعبر عن وجود مشكلة مزمنة اسمها العلاقة بين الدين والدولة‏,‏ برغم أن مصر كانت من أوائل الدول العربية التي شهدت نضوجا للدولة الحديثة‏,‏ منذ قيام محمد علي بتأسيس أولي لبناتها‏,‏ مرورا بتجربة ثورة‏1919‏ التي صهرت بشعارها الدين لله والوطن للجميع النخبة السياسية والثقافية المصرية داخل الدولة المصرية التي تنظمها مجموعة من الدساتير بدأت عام‏1923,‏ ومنذ تلك اللحظة‏,‏ بدأت هذه الدولة تواجه تحديات عديدة من خلال طروحات استعادة فكرة الخلافة الإسلامية‏,‏ وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام‏1928‏ التي تركزت مشكلاتها وصراعاتها مع الحكومات والأنظمة المتعاقبة حول‏'‏ هوية‏'‏ الدولة وعلاقتها مع العالم المعاصر‏.‏ ففي‏8‏ ديسمبر‏1948,‏ أصدر رئيس الوزراء المصري آنذاك محمود فهمي النقراشي قرارا بحل الجماعة‏,‏ بتهمة التحريض والعمل ضد أمن الدولة‏,‏ وبعد اغتيال النقراشي في‏28‏ ديسمبر‏1948,‏ تم اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا في‏12‏ فبراير‏1949.‏
ومع قيام ثورة‏23‏ يوليو سادت حالة من الهدوء العلاقة بين الإخوان والثورة‏,‏ لكنها لم تستمر طويلا‏,‏ فبعد أن رفض الضباط مطالبة الإخوان مشاركة رجال الثورة في الحكم‏,‏ انتقل الإخوان للمطالبة بعودة الضباط إلي الثكنات وإعادة الحياة النيابية للبلاد‏,‏ وهو ما فتح الباب علي مصراعيه أمام صراع حاد بين الجماعة والنظام‏,‏ تم علي أثره اعتقال عدد كبير من كوادر الجماعة لاسيما بعد محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في‏26‏ أكتوبر‏1954,‏ وإعدام عدد آخر عام‏1966,‏ ومع توقيع مصر علي معاهدة السلام مع إسرائيل عام‏1979,‏ سادت حالة من التوتر بين النظام والعديد من القوي السياسية وعلي رأسها الإخوان‏,‏ تم علي إثرها اعتقال عدد كبير من عناصرها ضمن ما سمي بإجراءات سبتمبر‏1980,‏ ومن ذلك الحين تعرضت العلاقة بين الدولة والإخوان لحالة من الشد والجذب‏,‏ خصوصا بعد ما باتت الدعوة لدولة دينية أكثر وضوحا في الخطاب السياسي للجماعة‏,‏ التي خرجت في عام‏2007‏ بمشروع برنامج حزبي يقوم علي تأسيس دولة دينية تحل محل الدولة المصرية المعاصرة‏.‏
في هذه اللحظة بدا جليا أننا وصلنا إلي مفترق طرق‏,‏ يفرض ضرورة حسم المسألة وفك العلاقة بين الطرفين‏,‏ لاسيما أن التباطؤ في معالجة ذلك كفيل بتكرار وقوع أحداث عنيفة ربما تنتج تداعيات أكثر قوة علي الدولة والمجتمع المصري‏,‏ ويعود ذلك إلي اعتبارين أساسيين‏:‏ الأول‏,‏ هو تصاعد عدد الأحداث والتطورات التي تتسم بالعنف الشديد‏,‏ والتي تقع في أكثر من مكان ولها علاقة مباشرة بالقضية‏.‏ والثاني‏,‏ هو أن عدم حسم المسألة جعلنا نطرح الأسئلة الخاطئة وليس الصحيحة‏.‏ فإذا حسمت العلاقة بين الدين والدولة بالتجاوب مع الدولة المدنية‏,‏ فإن التصور العام داخل المجتمع المصري بمختلف طوائفه سيقوم علي أن ما تفعله حماس علي سبيل المثال يشكل تهديدا للدولة المصرية‏,‏ وأن ما حدث في نجع حمادي هو اعتداء من مواطن علي مواطن آخر‏.‏ وعلي العكس من ذلك‏,‏ فإن عدم حسم المسألة سيجعل قوي وتيارات عديدة تقول إن ما قامت به حماس لا يمثل تهديدا لمصر‏,‏ وأن جريمة نجع حمادي قام بها مسلم ضد مسيحي‏.‏
وربما يمكن القول إننا في منطقة وسط غائمة بين الطرفين‏,‏ وهناك منا من لا يريد فتح الموضوع من الأصل‏,‏ فلا نحن وصلنا إلي الدولة المدنية بكل ما يعنيه ذلك من المساواة بين المواطنين والاحتكام إلي القانون وتطبيق العدالة‏,‏ ولا نحن وقفنا عند حدود الدولة الدينية بكل ما تفرضه من الاحتكام إلي الدين في كل شئون الحياة‏.‏ وفي الوقت الذي تبرز فيها ظواهر عديدة للدولة المدنية نراها في أحكام القضاء والمحكمة الدستورية العليا وقوانين البلاد المرعية‏,‏ فيما تظهر في المقابل تطورات تصب في اتجاه تدعيم أواصر الدولة الدينية‏.‏ فبالرغم من وجود أحزاب سياسية وصل عددها في مصر إلي‏26‏ حزبا سياسيا‏,‏ ما زالت هناك تنظيمات دينية غير رسمية مثل الإخوان المسلمين‏.‏ ومع انتشار موجات تأسيس الجامعات الخاصة وارتياد النوادي الرياضية والقري السياحية‏,‏ يتم الحديث في الوقت نفسه عن انتشار ظواهر محافظة في المجتمع المصري‏,‏ أو ما يسمي ب التدين البديل‏,‏ مثل النقاب‏,‏ والفتاوي الدينية‏,‏ والفصل بين الجنسين‏,‏ وتعقب المفطرين في نهار رمضان‏,‏ وتخصيص سيارات للسيدات فقط وسائقيها من السيدات أيضا‏.‏ وحتي في القنوات الفضائية‏,‏ ظهرت العديد من الفضائيات الدينية‏,‏ الإسلامية والمسيحية‏,‏ جنبا إلي جنب مع قنوات الدراما والأفلام والقنوات الإخبارية‏,‏ والمنوعات‏.‏ وبالتوازي مع وجود مواقع إخبارية وما يسمي بالعالم الافتراضي مثل الفيس بوك واليوتيوب وغيرها علي شبكة الإنترنت‏,‏ ظهرت مواقع دينية‏,‏ إسلامية ومسيحية‏,‏ متعددة‏.‏
وتكمن إحدي المشكلات في أنه في الوقت الذي نتحدث فيه عن المواطنة‏,‏ فإن ثمة فئة داخل المجتمع المصري هي الإخوة الأقباط تشعر بنوع من التمييز فيما يتعلق ببناء الكنائس والعمل في وظائف عامة‏,‏ وتقلص عدد النواب الأقباط في مجلس الشعب والشوري‏,‏ وهو ما أدي إلي بروز مشكلة هجرة الأقباط إلي الخارج‏,‏ التي تنوعت أسبابها‏,‏ حسب رؤية البعض‏,‏ علي مدار التاريخ بين أسباب اقتصادية خلال فترة انتهاج سياسات اشتراكية وعلي رأسها التأميم‏,‏ وأسباب سياسية مع تصاعد موجة الجماعات الإسلامية وفي مقدمتها الإخوان المسلمين‏.‏
ولكن المشكلة الأعمق ربما من كل ذلك هو أنه بينما يوجد برنامج واضح للجماعات الأصولية المختلفة تجاه الدولة كما أسلفنا‏,‏ إلا أن البرنامج المقابل لبناء الدولة المدنية المصرية يبدو مترددا وبطيئا وفقيرا في الخيال وفاقدا للمبادأة‏.‏ ومن المدهش أن وجود ذلك أدي إلي هجرة عدد من أكثر مؤيدي الدولة المدنية إلي المعسكر المقابل‏,‏ ومن المدهش أكثر ألا يكون ما يحدث في مصر‏,‏ ودول أخري في المنطقة داعيا إلي روح مختلفة داخل الأحزاب والجماعات المدنية المصرية وفي مقدمتها الحزب الوطني الديمقراطي‏.‏ صحيح أن هناك بين هؤلاء من يعتقد أن المسألة كلها تعبر عن فشل في عملية التسويق السياسي‏,‏ وربما كان ذلك صحيحا‏,‏ ولكن القضية الأعمق أن هناك فشلا في المبادرة للتعامل مع واقع محمل بالخطر‏,‏ وينضح بالفرص أيضا‏.‏
تلقيت رسالة كريمة من الأخ السفير د‏.‏ عبدالولي الشميري سفير الجمهورية اليمنية لدي مصر‏,‏ يعلق فيها علي مقال قصة الفتي عمر فاروق عبدالمطلب‏,‏ التي نشرت بجريدة الأهرام يوم‏11‏ يناير‏,‏ والتي اشرت فيها الي ان عمر الفاروق تعلم في صنعاء الي جانب اللغة العربية والدروس الدينية كيف ينجح في تثبيت القنبلة الجديدة في لباسه الداخلي والدخول بها بالفعل الي الطائرة المتجهة من صنعاء إلي أمستردام ومنها إلي مقصده‏...‏ الخ وذكر السيد السفير انه حرصا علي إزالة أي سوء فهم أو لبس أود التأكيد انطلاقا من حقيقة ما حدث وما أسفرت عنه التحقيقات أن الشاب النجيري‏/‏ عمر فاروق عبدالمطلب لم يغادر صنعاء الي أمستردام ثم الي هدفه في الولايات المتحدة‏,‏ وانما توجه الي إثيوبيا ثم الي نيجيريا ثم أثيوبيا مرة اخري ثم الي غانا ثم الي نيجيريا من جديد‏,‏ حيث قام والده بابلاغ السفارة الامريكية بأن ابنه يبيت النيه للقيام بأمر خطير لايدري الأب ماهو علي وجه التحديد‏..‏ غير ان الجانب الأمريكي والسفارة الأمريكية لم يتخذا حيال هذا الأمر اي اجراء لابلاغ أي من البلدان ومنها اليمن بأمر هذا الشاب لوضعه في قوائم المطلوبين‏..‏ بعد ذلك غادر المذكور بلده نيجيريا إلي أمستردام بعد ان كان قد حصل في آخر زيارة له إلي بريطانيا علي تأشيرة دخول إلي الأراضي الأمريكية لمدة عامين
وأضاف د‏.‏ الشميري أنني إذ أعرب عن الاشادة العالية بالمواقف المبدئية الثابتة والمشرفة لقيادة جمهورية مصر العربية الشقيقة مما يجري من تطورات علي الساحة اليمنية وللتغطية الايجابية الرائعة التي تقوم بها صحيفة الأهرام الغراء علي الصعيدين اليمني والعربي‏..‏ أود الاحاطة بأن سفارة الجمهورية اليمنية في القاهرة ستكون ممنونة اذا تكرمتم بتوضيح هذه القضية المهمة إزالة لما يكون قد نشأ من لبس أو سوء فهم لدي القراء الكرام وبعض الجهات المعنية‏..‏ والله من وراء القصد‏.‏
وأود هنا أن أشكر الدكتور الشميري علي توضيحه‏,‏ مؤكدا ان الأهرام يهتم بالحقائق اولا‏,‏ وأنني أشرت في المقال في هذا الموضع تحديدا ان عمر الفاروق دخل اليمن تحت ستار تعلم اللغة العربية‏,‏ وأكدت ان ماذكرته بشأن تنقلاته ونشاطاته في اليمن يستند إلي الرواية الأولي التي نشرت بهذا الشأن‏,‏ فقد كان لدي إحساس بأن هناك فصول لم تكتمل‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.