أحياناً يصعب علي الإنسان المسلم التمييز بين الحق والباطل، خاصة أن بينهما أموراً متشابهات.. لكن يظل الحق حقاً، ويظل الباطل باطلاً.. غير أن الصعوبة تأتي عندما يمتزج الخير بالشر، وتحسبهما كياناً واحداً، ولا تستطيع أن تميز الجوانب الصالحة من الجوانب الطالحة فيه.. وهذا هو ما يسمي في أيامنا التدين المغشوش، وما أشار إليه الرسول صلي الله عليه وسلم إلي أنه "خير فيه دخن": أي خير مغشوش.. قال حذيفة بن اليمان: كان الناس يسألون عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن أقع فيه. قلت يا رسول الله، كنا في جاهلية وشر حتي أتانا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟... وأجابه الرسول صلي الله عليه وسلم: "نعم، سيقع بعد هذا الخير شر". وعاد حذيفة يسأل: وهل بعد هذا الشر خير؟".. قال الرسول: " نعم، وفيه دخن" (غش).. قال حذيفة: ما دخنه؟ قال" أناس يهدون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر". وهذه الإجابة، علي ما أشار إليه الشيخ محمد الغزالي في كتابه المهم "الغزو الثقافي يمتد في فراغنا"، تعني أمرين: أولهما أن خليطاً من أهواء الناس وشرورهم سيلتصق بالحق ، وكأنه منه. والآخر أن أولي الألباب، أو أهل الذكر، أو فقهاء الأمة يستطيعون تمييز هذا الغش والتحذير منه.. والمحزن أنه في غيبة الفقه الذكي، انتشر التدين المغشوش، وامتد أذاه، وأصاب الإسلام الصحيح منه شر مستطير. ويستطرد الشيخ الغزالي: الإسلام الصحيح يقدم لأتباعه الخير، ويهب لهم النصر.. وهذا التدين المغشوش يقدم الهزيمة ويصنع التخلف، ويحس الناس معه بالحرج.. وكان يجب علي المسلمين أن يغربلوا مواريثهم التي أثقلت كواهلهم، وقذفت بهم في ذيل القافلة البشرية، وأن يحاكموا أعمالهم، وأحوالهم إلي الوحي الأعلي، فيمحو ما يخالفه وهو كثير، بيد أنهم لم يفعلوا. إن الإسلام يظلم باسم الإسلام... يظلمه علماء يخدمون السلطة، وشبان عديمو الفقه، وغوغاء حياري... وإذا كان السلف الأول قد أحدث خوارق تاريخية لأنه أحسن التأسي والتعلم والوفاء، فرجال محمد في عصرنا يقدرون علي مثل ذلك، إذ الوسائل بين أيديهم لا تزال قائمة، لا الكتاب انتهي، ولا السنة اختفت. المهم أن يكون الاتصال بالروح لا بالشكل، ففساد الأديان يجيء من تحولها إلي رسوم وجسوم ، وكم من رسم خلا من المعني! وكم من جسم حلت به حقيقة مارد، وإن بدا للناس في صورة عابد!!