بطبيعة الحال كان للولايات المتحدة، خاصة السفير هرمان إيلتز سفيرها في القاهرة دور مهم بالنسبة لزيارة السادات للقدس والتي إن كانت قد فوجئت نسبياً بالأمر ولم تكن متحمسة له ولكنها تقبلته، قابل السفير إيلتز الرئيس السادات في استراحة القناطر بعد عودته من الزيارة غير الناجحة لدمشق وطلب الرئيس سرعة ارسال مجموعة مقدمة من الرئاسة المصرية إلي اسرائيل للترتيب للزيارة بعد يومين فقط. لم يكن الرئيس السادات بالرغم من اتخاذ قراره بالزيارة يريد الاتصال باسرائيل مباشرة ولكن عن طريق الولاياتالمتحدة. يروي إيلتز كيف سارع الطريق إلي سفارته بالقاهرة لكي يتصل برئاسته في واشنطن وزميله سام لويس السفير الأمريكي في تل أبيب. ويقول إنه في اليوم التالي الجمعة سافر وفد مقدمة الرئاسة المصرية وفي اليوم الذي يليه السبت بعد الظهر سافر الرئيس السادات إلي إسرائيل، وعندما عاد اتصل بالسفير لمقابلته. يقول إيلتز إن الرئيس كان متعباً ومرهقاً من الزيارة ولكنه كان راضياً عنها وقال «سنكون في جينيف بعد أسبوعين (لحضور مؤتمر الشرق الأوسط)، تم ترتيب كل شيء. سيعقد المؤتمر التحضيري بعد أسبوع في القاهرة، أبلغ الرئيس كارتر بذلك، في هذا المؤتمر التحضيري لم يشارك السوريون أو الأردنيون أو الفلسطينيون. ولم يظهر السوفييت أيضاً. ويبدو أن زيارة السادات لم ينتج عنها الأثر الكامل الذي أراده. ولمدة ثلاثة أو أربعة أشهر لم يكن الطريق ممهداً حتي وصل الأمر في منتصف يناير كان فيه الرئيس السادات يتحدث بجدية عن رغبته في الاستقالة من منصبه إذ كان يشكو أن بيجين (رئيس وزراء إسرائيل) لم يقدر المخاطرة التي قام بها. تطورت الأمور بعد ذلك بين شد وجذب خاصة أن بيجين الصهيوني المخضرم لم يكن قد استوعب بعد مبادرة السلام التي قام بها الرئيس السادات بالرغم من أن إسرائيل في الأممالمتحدة وغيرها كانت تصدع رأسنا كل يوم بأنه لو مد العرب أيديهم للسلام لوجدوا أن إسرائيل مستعدة للذهاب إلي أبعد مدي. كانت إسرائيل بالطبع تعتقد أن العرب لن يقبلوا أي مفاوضات مباشرة وبذلك تستطيع أن تقول للرأي العام العالمي «أنظروا العرب غير جادين ونحن الذين لا نعرقل السلام بل هم». وصلت الأمور في مباحثات أمريكية -مصرية شارك فيها الرئيس كارتر أكثر من مرة إلي مرحلة تأزمت فيها الأوضاع بالفعل، حتي قام كارتر بدعوة الرئيس السادات ومناحم بيجين إلي مؤتمر كامب ديفيد المشهور. يعلق إيلتز علي هذا المؤتمر الذي شارك فيه ضمن الوفد الأمريكي أنه لم يحدث في تاريخ الولاياتالمتحدة أن قام رئيس أمريكي بالانغماس في قضية خارجية مثل الرئيس كارتر، وهذا صحيح لأنه رأي أنه إذا تم تفويت هذه الفرصة فلن تتكرر مرة أخري ولمس بنفسه مدي تعنت بيجين، ولكنه أدرك في نفس الوقت أن زيارة الرئيس السادات للقدس تركت أثراً هائلاً لدي الرأي العام الإسرائيلي الذي لن يغفر لبيجين تفريطه في هذه الفرصة مع أكبر دولة عربية. شبه إيلتز انغماس الرئيس كارتر في اجتماعات كامب ديفيد بما حدث من جانب الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون بعد الحرب العالمية الأولي في مؤتمر فرساي. يقول إن كارتر وجه الدعوة إلي كامب ديفيد عندما أدرك في الفترة من يناير إلي أغسطس عام 1978 أن الوضع في المنطقة قد وصل إلي مرحلة كبيرة من التدهور. قام بيجين بزيارة ثانية إلي مصر قبل أعياد الميلاد عام 1977 وأعتقد الإسرائيليون أنهم حققوا نتائج مهمة خلالها، في حين كان السادات يشعر بمرارة شديدة منها. تم الاتفاق في الإسماعيلية علي تشكيل لجنة عسكرية بين الجانبين المصري والإسرائيلي برئاسة وزيري الدفاع في البلدين والتي اجتمعت في يناير 1978 وبدأت بداية لا بأس بها، ولكن اللجنة السياسية بمشاركة وزيري خارجية البلدين إلي جانب الولاياتالمتحدة التي اجتمعت في القدس في الأسبوع الثالث من يناير فشلت من اليوم الأول. أتهم السادات الإسرائيليين بأنهم لم يقدروا كفاية ما قام به. بعد ذلك دعت الولاياتالمتحدة إلي اجتماع لوزراء الخارجية في لندن، ولكن نظراً لاحتمال قيام عمليات إرهابية فضل البريطانيون عقد الاجتماع في ليدز باسكتلندا في إحدي القلاع القديمة. الغرض من الاجتماع كما ذكر إيلتز هو جعل كل من الطرفين المصري والإسرائيلي يضع هذه المواقف علي المائدة ويوجهان أسئلة إلي الطرف الآخر. لم يكن الأمر كما لو أن الطرفين لا يعرفان هذه المواقف ولكن واشنطن شعرت أنه يتوجب السير في مثل هذه العمليات الإجرائية قبل الدعوة إلي اجتماع ثان، إذ إن الرئيس السادات كان يضغط دائماً علي الولاياتالمتحدة لكي تقدم موقفها هي علي ضوء أن الموقف الذي عرضه بيجين في الإسماعيلية لم يكن مقبولاً اطلاقاً له، بالطبع فشل مؤتمر ليدز وكان وزير الخارجية المصري الذي شارك فيه ( يقصد إبراهيم كامل ) يشعر بالمرارة الشديدة ونقل إلي السادات تقريراً سلبياً بالكامل، وعلي هذا الأساس - كما يقول إيلتز - نشأت فكرة واشنطن في عقد مؤتمر ثان لوزراء الخارجية. قال السادات: «لن اشارك في أي اجتماع لوزراء الخارجية إلا إذا كان هناك شيء جديد». يعلق ايلتز علي ذلك بأن إضافة هذا الشيء الجديد قد يعني أي شيء ولذلك فإن الأمريكان كانوا في نقاش طويل مع أنفسهم بأن واشنطن تستطيع إضافة شيء جديد وبذلك ينعقد المؤتمر الثاني لوزارء الخارجية. ولكن الرئيس كارتر وصل إلي قرار بأن الوضع بالفعل سيئ للغاية وأن هناك مخاطر كبيرة أمام عقد مثل هذا المؤتمر ولذلك فإن الوقت قد حان لعقد قمة بين الجانبين بالرغم من أن الهوة بينهما مازالت كبيرة. يضيف إيلتز أن بعض المسئولين الأمريكيين كانوا يرون أن القمة فكرة جميلة ولكن فقط في حالة وجود نقاط قليلة تنتظر الاتفاق بين الطرفين ولكن كارتر كان هو الذي قيم الموقف بأنه خطير ولا يحتمل الانتظار ولذلك دعا إلي قمة كامب ديفيد بالولاياتالمتحدة. ماذا حدث في كامب ديفيد؟ هذا ما يحدثنا عنه السفير إيلتز في الحلقة القادمة.