روي لنا السفير إيلتز سفير الولاياتالمتحدة في القاهرة كيف قابل الرئيس السادات في الإسماعيلية بعد عودته من زيارة غير ناجحة إلي دمشق وكيف سلمه مظروفا به رسالة روتينيه من الرئيس كارتر بعث بها إلي قادة الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر وتعمد الرئيس السادات أن يتسلمها كما لو كانت تتضمن دعوة مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل لزيارة القدس وذلك أمام الصحافة العالمية!! يذكر إيلتز بأنه لما كان الرئيس السادات في هذه المقابلة «مساء الخميس» قد طلب من إيلتز أن يبلغ الإسرائيليين أنه سيرسل صباح اليوم التالي الجمعة التاسعة صباحا مجموعة مقدمة من القاهرة للإعداد للزيارة فقد طلب إيلتز الاستئذان من السادات للعودة إلي السفارة لإجراء الاتصالات العاجلة المطلوبة سائلا الرئيس السادات لو أمكن سفره بطائرة هليكوبتر للسرعة وهو ما وافق عليه السادات قائلاً لدينا أمر آخر لمناقشته وبعدها تستطيع الذهاب مع زملائي بطائرة الهليكوبتر وهذا لن يستغرق طويلا. ظن إيلتز أن السادات يريد الاختلاء مع معاونيه فاستأذن لترك الحجرة ولكن السادات طلب منه البقاء قال السادات للحاضرين ما هو الموضوع الباقي؟ ثم طلب من نائب الرئيس حسني مبارك أن يقبل استقالة وزير الخارجية إسماعيل فهمي الأخير كان في زيارة إلي تونس قبل زيارة السادات إلي دمشق وسمع نبأ قرار السادات بزيارة القدس وقدم استقالته. يقول إيلتز أن السادات كان يعتمد كثيرا علي فهمي وهو ما لمسته عن قرب خلال عملي في مكتب الوزير فهمي الذي كان علي اتصال يومي تقريبا بالرئيس السادات وكان من ضمن هؤلاء هناك كما يقول إيلتز الذين يظنون أن السادات لن يقبل مطلقا دعوة بيجين وسيتراجع عن فكرة زيارة القدس ولكن السادات طلب من نائب الرئيس حسني مبارك أن يقبل استقالة فهمي ويعين محمد رياض وزير الدولة للخارجية وهو صديق مقرب لفهمي كوزير خارجية بالنيابة. يقول إيلتز أن من الواجب عليه أن يشير إلي موقف رئيس الوزراء ممدوح سالم الذي لم يكن علي وفاق مع فهمي ولم يكونا يحبان بعضهما البعض وهذا صحيح فأنه رجا الرئيس السادات قائلاً سيادة الرئيس أعطني الفرصة لكي أتحدث إلي فهمي قبل أن نفعل ذلك أي قبول الاستقالة وهو ما رد عليه السادات بلهجة حازمة مضيفا لقد اتخذ فهمي قراره ولن أستمر في هذا الموضوع بعد الآن نائب الرئيس مبارك سيعلن نبأ استقالة فهمي وهو ما تم بالفعل. ركب إيلتز مع الجميع فيما عدا السادات طائرة الهليكوبتر عائدين إلي القاهرة وكان إلي جانب وزير الدفاع عبدالغني الجمسي ويؤكد إيلتز أن فهمي كان يقول دائما عندما أستقيل احتجاجا فان الجمسي وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء سيفعل نفس الشيء وينضم إلي ويضيف أنه لذلك أي إيلتز كان يشعر بالفعل بالقلق لأنه إذا تم فإن الحكومة المصرية ستسقط وكنت قلقا أن يفعل الجمسي ذلك وينهار كل شيء. سألت الجمسي عما سيفعله إذ أنني آمل ألا تستقيل فرد الجمسي قائلاً أعتقد أن الرئيس مخطيء تماما فيما يفعله ولكنني رجل عسكري سأقف إلي جانبه ولذلك فان استقالة فهمي في رأي إيلتز لم تؤد إلي استقالة الجمسي ولم تسقط الحكومة. أود هنا أن أسرد نقطة شخصية أخري في هذا المجال كنت في تلك الفترة أعمل في وفد مصر لدي الأممالمتحدة في نيويورك تحت رئاسة الدبلوماسي القدير عصمت عبدالمجيد كنا كدبلوماسيين مصريين أيضا من رأي الوزير إسماعيل فهمي معتقدين أن السادات لن يذهب إلي القدس وأن الأمر ليس إلا محاولة منه لاختبار نوايا الإسرائيليين. عندما سألتني زوجتي عما إذا كنت أعتقد أنه سيزور القدس بالفعل أجبت بالنفي إلا أنها أجابت أنها تعتقد أنه جاد في الموضوع وسيذهب، الفرق هنا هو أن الدبلوماسي مثل الرجل العسكري يجب أن يطيع القيادة السياسية مهما كانت آراؤه لا تتفق مع موقفها. وإذا كان الخلاف قويا فعليه الاستقالة وهو ما فعله الدبلوماسي القدير الوطني إسماعيل فهمي الذي قدم استقالته. كلاهما الرئيس السادات وفهمي كانا علي صواب السادات هو القائد السياسي الذي لديه رؤية شاملة وبالتأكيد قدر الموقف من هذه الرؤية التي رأي أنها تحقق مصالح مصر وفهمي استغرب وقدر أن الرئيس السادات لم يكن جاداً وعندما أيقن ذلك استقال. وللحقيقة فانه ظل صامتا لمدة طويلة في منزله الخاص حتي كتب مذكراته بعد سنوات بالإنجليزية وهو الكتاب الذي ترجم مؤخراً فقط إلي العربية. نقطة أخري أعتقد أن كل الدول المحترمة تقدرها في القيادات المصرية والمسئولين فيها وهي أنه بالرغم من كل الخلافات في الرأي فانها تشكل مجموعة منضبطة لا تلجأ إلي التشهير كما يحدث الآن بكل أسف. عاد إيلتز إلي مقر سفارته في القاهرة حيث أرسل ما يسمي ببرقيات عاجلة وتسلم في الحال كما جري عليه العرف في كل وزارات خارجية العالم ولكن إحقاقا للحق فان الخارجية الأمريكية تتميز علي كل العالم جميعا بتمتعها بأحدث شبكة اتصالات سريعة ودقيقة ومؤمنة تمكنها ليس فقط الاتصال بين السفارات في الخارج والخارجية في واشنطن ولكن أيضا تسمح للسفارات بأن تتصل بسرعة مع السفارات الأمريكية الأخري في المنطقة أو عواصم العالم المهمة مثل لندن وباريس وموسكو ونيويورك. لكننا نحن لسنا متأخرين في هذا المضمار كثيرا كما يعتقد البعض فالخارجية المصرية أصبحت منذ عقدين لديها شبكة اتصالات سريعة ومؤمنة أيضا وهو ما يعطي الدبلوماسية المصرية ميزة عن دبلوماسيات الكثير من دول العالم ليس فقط في دول العالم النامي وإنما دول متقدمة في أوروبا مثلا وهو ما أقوله ليس متفاخرا وإنما إحقاقا لواقع وسمعته من دبلوماسيين أجانب عديدين. سنكون مع إيلتز في الحلقة المقبلة لكي يروي لنا مشاهداته من القاهرة حول تداعيات زيارة الرئيس السادات للقدس.