الدكتور محمد فؤاد البرازى رئيس الرابطة الإسلامية بالدانمارك ل "روز اليوسف" المجتمع الدانماركى ينظر للإسلام على أنه دين عنف .. وعدم وجود لوبى إسلامى يزيد"الطين بلة" تتعدد تفسيرات العلاقة بين الإسلام والغرب لكن كل التفسيرات التي طرحت في هذا السياق هي مجرد اجتهادات قد يوافق بعضها الواقع وقد يخالفه وهو الأغلب، إلا ان أقرب تفسير لهذه العلاقة ومستقبلها هو ما كان مطروحا من معايشين داخل المجتمعات الغربية يقدمون رؤية موضوعية دون تحيز. ومع تزايد الحديث عن تأزم هذه العلاقة والشكوك الدائرة حول مستقبل الإسلام في الغرب كان لابد من طرح الرؤية الحقيقية الواقعية لهذه القضية من خلال حوارات صريحة وواضحة مع من يرأسون العمل الإسلامي في المجتمعات الأوروبية . ولقد كان أول حوارات المصارحة حول طبيعة العلاقة بالإسلام في الدول الغربية ومستقبلها مع الدكتور محمد فؤاد البرازي رئيس الرابطة الإسلامية بالدانمارك التي يبلغ عدد السكان بها 5.4 مليون نسمة، من بينهم 270 ألف مسلم، بنسبة (5%) من السكان، وهي الدولة الأوروبية التي تفجرت بها الشرارة الأولي للإساءة للإسلام من خلال تعدي الرسام كورت فيسترجارد برسومه الكاريكاتيرية علي رسول الإسلام، ثم توالت بعدها ازمات الإساءة في مختلف الدول الأوربية، وهو ما يدعو إلي التعرف من خلال حوار مكاشفة عن حال الإسلام في هذه الدولة الأوروبية ومستقبله فيها المجتمع الدانماركي ينظر للإسلام علي أنه دين عنف .. وعدم وجود لوبي إسلامي يزيد «الطين بلة» بداية نود التعرف علي وضع المسلمين حاليا في الدانمارك، وهل يسير نحو دعم الوجود الإسلامي أم لا؟ - في الحقيقة يجب علينا أن نفرق في طبيعة الوضع الذي يعيشه المسلمون هناك مابين الإيجابيات والسلبيات، فهناك جوانب إيجابية كثيرة، اولها يتعلق بمزاولة الشعائرالتعبدية، فالمسلمون يملكون في ذلك مطلق الحرية دون تدخل من الدولة وأجهزتها لممارستنا لأمورنا العبادية، كما أننا نعقد المؤتمرات ونقيم الندوات دون ان تتدخل في أعمالنا أجهزة الدولة.. بل احيانا نطلب من هذه الأجهزة تسهيلات لهذه الأعمال كتأشيرات للضيوف الذين نستقدمهم، ولانجد حرجا علينا في هذا. كما أننا من حيث اقامة المراكز الإسلامية والمساجد فعندنا حرية تامة في فتح مقرات لأنشطتنا مادامت تنطبق علي تراخيصها احكام القانون ولا نمنع من ذلك علي الإطلاق وهذا جانب إيجابي. أمر آخر أننا بحكم القانون كل مقيم علي ارض البلد يحصل علي التعليم والعلاج المجاني والضمان الاجتماعي لافرق فيها بين دانماركي ومقيم علي أرض الدانمارك، وهذه خلاصة للجوانب الإيجابية. ولكن توجد نواح سلبية للمسلمين في الدانمارك، فالحرية التي يتمتع بها هذا المجتمع تجعله يتطاول علي الأديان والرموز الدينية بدعوة حرية الرأي والتعبير، وهذا يجرح في العمق مشاعر المسلمين، وبالتالي حدثت مشكلة الرسوم المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام في الفترة السابقة، وأدت إلي ازمة شديدة بين الدانمارك، ودول العالم الإسلامي، ونحن علي يقين أن مثل هذه الحرية غير المنضبطة التي يتمسكون بها مرفوضة، وهي لا تستخدم مع اليهود فلا يتم انتقاد الهولوكست اليهودي، كما لا يتم التعرض للرموز اليهودية، ولذلك نعتبر حرية الغرب تكيل بمكيالين وغير منصفة للمسلمين والإسلام . السلبية الثانية نشوء عقدة الخوف والتوجس من الإسلام والمسلمين، وهو أمر يدعو للقلق الشديد بحيث انتقلت هذه العدوي إلي شريحة كبيرة من المجتمع، فاصبح المجتمع ينظر إلي الإسلام علي انه دين يصدر العنف والخوف والإرهاب . القضية الأخري هي الإجحاف بحق المسلمين لاسيما من الدوائر الإعلامية فالإعلام غير منصف في تعامله مع المسلمين وتعاطيه للقضايا الإسلامية،وهذا يجرح الشعور الإسلامي، ومما يزيد الطين بلة ان المسلمين لا يملكون «لوبي» ضاغطا كما يملك الآخرون وبالتالي فإن مهابتهم ضائعة ومكانتهم مفقودة نتيجة لذلك كله، وبالتالي فإن العدوان علي مكانتهم ومنزلتهم يتكرر باستمرار لا سيما في الإعلام، وتزداد المشكلة تعقيدا حينما لا يملك المسلمون وسيلة إعلامية يدافعون بها عن انفسهم، فهم مقهورون من جانبين الأول تعدي الاخرين عليهم باسم حرية الرأي ومقهورون ثانيا لعدم امتلاكهم وسيلة اعلامية لهم. غرب إسلامي الصهيونية المسيحية والإسلام لماذا كانت الدانمارك هي الدولة الأوروبية التي تنطلق منها حملة جديدة علي الإسلام من خلال الرسوم المسيئة للرسول ؟ - اعتقد ان هناك مخططا تعاون عليه الصهيونية المسيحية واليهودية المتطرفة ضد الإسلام، ولقد شهد العالم صراعا مريرا ما بين اليهودية والمسيحية لكن انتهي ذلك العهد وبدأ اليوم الوفاق بين الصهيونية العالمية واليمين المسيحي المتطرف، وهؤلاء جميعا يتعاونون لضرب الإسلام والمسلمين، وبالتالي فإننا نعيش هذه المشكلة، وبناء علي هذا أرادواإثارة مشكلة بين المسلمين ودول العالم المسيحي فقاموا بالرسوم المسيئة للرسول ليحدثوا مشكلة ويثيروا أزمة، وقد نجحوا في ذلك بالدانمارك لأن اليمين المسيحي المتطرف له قوة داخل المجتمع بالإضافة إلي اللوبي الصهيوني. وأنا أريد البعد عن هذه الصورة، فهو ليس فقط الإساءة إلينا، أو يكون عامل إثارة ضدنا، وإنما أرادوا ان يجيشوا الشعور العام الأوروبي ليبقي دائما متهيئا ويعمل ضد الإسلام والمسلمين بحيث لا يقبل الإسلام والمسلمين، وهذه مسائل خطيرة، فهم يخافون من شيء اسمه «إسلام». ولقد قرأت من فترة ان مايكل جاكسون كان يعد اغنية معينة ليغنيها أمام ملايين وعهد إلي صديقه ليكتب هذه الكلمات وتبين انها كلمات إيمانية ليعلن دخوله للإسلام وقيل انهم عاجلوه فقتلوه، فكل شيء اسمه إسلام بات مدعاة للخوف في تلك البلاد . وبالتالي علينا واجب كبير في تلك الأقطار، و هو التخطيط المدروس لكيفية تقديم الإسلام بالصورة التي تبعد الخوف عن قلوب الناس، وتقديمه بالصورة التي جاء بها الرسول صلي الله عليه وسلم بأسلوب مشوق لا يخيف الشعوب والسياسيين في تلك البلاد، ولا يخيفهم زيادة نسبة المواليد المسلمين .. إننا نريد ان نطمئنهم وأن نندمج اندماجا إيجابيا، فمهمتنا كبيرة في كيف نقدم الإسلام وكيف نقدم أنفسنا لهذه المجتمعات، كما علينا أن نؤكد لهم أننا لا نهدف من وراء ذلك تغيير دين المجتمع الدانماركي او الأوروبي، أو السياسة العامة للدولة لكن من خلال الحريات المعمول بها في البلاد نزاول شعائرنا الدينية وحرية الكلمة . في ظل هذا ما هو مستقبل الإسلام في الدانمارك ؟ - هناك نظرة قريبة وأخري بعيدة أما القريبة فهي ما نري عليه الحال من وجود التحديات الضخمة الكبري التي تواجه الإسلام والمسلمين فإننا نجد صورة قاتمة لمستقبل الإسلام ومرعبة، لكن إن نظرنا للمستقبل فأنا أعتقد أن المستقبل واعد ومشرق وهو للإسلام رغم كل التحديات التي يواجهها، والدليل علي ذلك التصريحات التي يصرح بها بعض الساسة الغربيين فهم يقولون انه بعد خمسين سنة إن بقي النمو السكاني للمسملين في فرنسا مثلا فإنها ستتحول إلي دولة إسلامية. كما أن الساسة الألمان يقولون إنهم يعيشون بخطر ديموغرافي في ألمانيا، ويقولون إنه إذا بقي الوضع علي هذه الحالة فإن ألمانيا ستتحول إلي بلد للمسلمين، ولذلك هناك تخوف من الإسلام والمسلمين وإن كان ليس له ما يبرره لأننا في الغرب نعمل حسب القانون فلا نخرج علي قانون البلاد ولا نكمن في أنفسنا النية لتغيير البلاد. ولقد قلت لسفراء غربيين لا ينبغي التخوف من الإسلام لأنه ليس في خطتنا احداث تغيير سياسي في البلاد لأننا نعيش في هذا البلد مواطنين مثلنا مثل مواطنين آخرين، وهو مجتمع متعدد الأعراق والوجود الإسلامي كأي وجود آخر لا يهدد علي الإطلاق هذه المجتمعات، فنحن جماعة أمن وسلم واطمئنان، ونرفض العنف والتطرف والتعامل بمكيالين، وليس لنا لسانان... وعلينا ان نعرف كيف نقدم الإسلام ؟ وكيف نقدم أنفسنا للمجتمعات الأوروبية؟ مع التاكيد علي عدم سعي المسلمين لتغيير ديانة الأوروبيين، أو تغيير الصفة السياسية . ما أوجه تقصير المسلمين في الغرب ؟ - هناك بالفعل أوجه تقصير للمسلمين في الغرب أولها أنهم غير متحدين في الكلمة، وإن كان هذا بلاء عاما في بلاد المسلمين لكن تأثيره أشد وأنكي لأننا نعيش في فم الأسد وفي أي لحظة يطبق فمه سيلتهم الفريسة، ومن الخطا ان يبقي الوجود الإسلامي مشتتا أو موزع الاتجاهات. وأنا لا أدعو لتوجه واحد لأن هذا الأمر شبه مستحيل لكن ادعو التوجهات المتعددة إلي التنسيق فيما بينها والتوافق علي الأمور الكبري التي تحتاج إليها الأمة. الأمر الثاني من أوجه التقصير هو انه ليس لنا لوبي يؤثر في سياسة تلك الدول، ولا اعني التأثير السياسي هناك بان نغير الأيديولوجية لتلك الدول، ولكن أقصد من وراء ذلك أنه يجب ان يكون لدينا لوبي نستطيع بواسطته ان نحصل علي كامل الحقوق، وندفع عن أنفسنا بعض الممارسات أو المفاهيم الخاطئة نحو الإسلام والمسلمين وهذه قضية مهمة. كما يعد من التقصير الإسلامي بالغرب، عدم امتلاك الثقافة الكاملة للتعايش مع المجتمع الأوروبي فما زال بعضنا يعيش بعقلية خاصة كالبعد عن المجتمعات وعدم الاستفادة من المعطيات الحضارية في تلك المجتمعات لكن علينا التفرقة بين الذوبان في هذه المجتمعات بحيث لا تبقي للمسلم أصالته العقدية أو الانتماء لأمته، وما بين ان يعيش الإنسان في تلك المجتمعات بعقيدته وانتمائه لأمته وشعوره انه جزء من الأمة المسلمة لا ينفك عنها ولا تنفك عنه، لكنه في مجتمع عليه ان يستفيد من معطياته الحضارية، ويقيم معه حوارات حضارية لأن الحوار هو الذي يجب ان يحكم علاقتنا بهذه المجتمعات بحيث يبقي حوارا بناء، فلا نكون منعزلين عن المجتمع الأوروبي ولا نكون ذائبين. حوارات غير متكافئة ماذا عن مؤتمراتنا مع الغرب ؟ - لقد شاركت في بعض مؤتمرات الحوار بين الإسلام والغرب، وكنت في أحد المؤتمرات التي شارك فيها اليهود ايضا ورغم أننا خطونا في الحوار خطوات واسعة إلا أننا لم نجد خطوات مثيلة من الغرب، فنحن اكثر مصداقية في الدعوة للحوار من الآخرين، والدليل علي ذلك أننا حين ندخل قاعات الحوار ندخل بالحديث علي نبوة سيدنا عيسي عليه السلام في الوقت الذي لا يعترفون فيه بنبوة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. فكيف يريدون منا حوارات غير متكافئة فنحن نعترف بنبوة سيدنا عيسي وبالمسيحية ورغم هذا هم ليس عندهم اعتقاد بان الإسلام دين سماوي، وان محمدا نبي ورسول من عند الله. لكن كيف يعلنون ذلك وهم يرونه تحولا للإسلام؟ - ليس هذا الاعتراف يجعل الاخر مسلما لأن الإسلام يحتاج لأمور اخري ليصبح الشخص مسلما، وبالتالي الحوار غير متكافيء حتي بلغني انه في احد هذه المؤتمرات لما طلب الجانب الإسلامي ان يذكر بعبارة ان الجانبين يؤمنان بنبوة عيسي ومحمد رفضوا ان يكتبوا هذه العبارة، وهذا دليل علي ان لديهم ثوابت ليس عندهم استعداد أن يغيروها، في الوقت الذي نقدم علي الحوار بصدر وعقل مفتوحين ونتمتع بمصداقية. هل يحقق الحوار المؤسسي الديني عجزا عن تأسيس العلاقة الطيبة بين الإسلام والغرب؟ - الحوار المؤسسي الديني كالذي بين الأزهر والفاتيكان يخفف من الاحتقان الموجود في النفوس، وقد يؤجل بعض الوقت الإنفجار الذي يمكن ان يحدث من وقت لآخر، وما يدعو إليه المبشرون وبعض القساوسة واليمين المسيحي المتطرف من نظرية الصدام هو المسيطر علي العقلية الأمريكية والأوروبية ودوائر الاستشراق اكثر مما يسيطر الوئام، فعقلية الصدام تؤثر في عقلية السياسيين الغربيين الذين لهم خلفية عقلية دينية متعصبة ومعظم المستشرقين والأحزاب اليمينية المتطرفة، فهؤلاء الآن باتوا يشكلون الصوت الأعلي في المجتمع وبالتالي فإن نظرية الصدام باتت هي الغالبة علي نظرية الوئام لكن الحوارات التي نتحدث عنها قد تؤخر الصدام بعض الوقت لكن لن تقف حائلا لانفجار الصدام . إن الصدام سيقع بين الإسلام والغرب لوجود تآمر صهيوني مع اليمين المسيحي المتطرف الذي يجيش المشاعر كلها لوجود هذا الصدام، ومما يجب أن نشير إليه أن هذا أصبح معلنا بوضوح وهو ما رأيناه في ادارة بوش التي تبنت نظرية هينتجون وبدا يضرب العالم الإسلامي.. فالسياسيون المؤثرون في العالم الغربي الان أصحاب خلفية دينية يمينية مسيحية متعصبة. إذن ما الحل ؟ - لابد من رؤية صحيحة وفهم واقعنا بشكل جيد، بالإضافة إلي وحدة الكلمة ووحدة الصف الإسلامي ، كما لابد من وحدة في العالم الإسلامي ليس في كيان سياسي واحد وان يكون للدول الإسلامية استراتيجية موحدة للعالم الإسلامي حتي تستطيع مواجهة هذا السيل من التآمر ضد الإسلام والمسلمين .. ومع كل هذا لابديل لنا عن الحوار فهو أمر لابد منه لا سيما أننا الجانب الضعيف في المعادلة ولا يمكن ان نفرض علي غيرنا اي شيء نريده فوسيلتنا هي الحوار الذي نؤكد عليه مع تقديم الإسلام بالصورة الصحيحة الطيبة لنخفف الاحتقان ضد هذا الدين .