مع تزاحم القنوات السلفية علي ساحة الفضائيات الدينية وتقادم بعضها في ظل ظهور قنوات جديدة، قامت قناة الناس السلفية من أجل تحقيق الربح بطرح فكرة مماثلة لفكرة "سمعنا صوتك" حيث أعلنت مؤخراً عن برنامج أسبوعي يحمل اسم " كلنا دعاة " يتشابه مع البرنامج الترفيهي " ستار أكاديمي " من حيث البث المباشر للمشتركين والتصويت الجماهيري ووجود لجنة من أعضاء لجنة التحكيم ووصولها الي الفائز النهائي بالاضافة الي مخاطبتها جمهور الشباب وزغزغة أحلام الشهرة والمال لديهم ، كما تم إنشاء موقع بالفيس بوك للإعلان عن أكبر حملة لاكتشاف المواهب الاسلامية في مجالات الخطابة و الدروس الدينية والشعر الاسلامي والدعوة باللغات الاجنبية علي مستوي الشرق الاوسط، بصرف النظر عن كونه مؤهلا من قبل مؤسسة تعليمية دينية . البرنامج الذي وصفته القناة بانه بوابة جديدة لتقديم دعاة للعالم الإسلامي كان في حقيقته بوابة لتحقيق ارباح ومكاسب للقناة التي انخفضت نسبة مشاهدتها في الفترة الأخيرة ، حيث تقوم فكرة البرنامج علي الاتصال برقم هاتفي للقناة " الدقيقة جنيه ونصف" يتم خلال المتصل بتجسيل اسمه وبيانته وتتبع الخطوات التي قد تأخذ حوالي ربع سا عة ثم يتم التسجيل مع المتصل لمدة 7 دقائق في أي فرع من فروع الدعوة . ولكون البرنامج ربحياً فإن القناة السلفية الترفيهية الأصل يدور بها حاليا صراع لتوسيع المشاركة لفتح الباب امام النساء للمشاركة، بينما بلغ عدد المشتركين في موقع البرنامج علي الفيس بوك قرابة 200 شخص من الفتيات و الشباب. و هنا يثار سؤال مهم فمنذ نشأه قناة " الناس " كقناة ترفيهية و تحولها لقناة دينية تستقطب رموز الفكر المتشدد كأبي إسحاق الحويني ومحمد يعقوب و محمود المصري و محمد حسان وإصرارهم علي منع ظهور العنصر النسائي متمثل في المذيعات فماذا سيكون مصيرهم خاصة اذا استجابت القناة لسياسة البرنامج و سمحت للعنصر النسائي بالظهور و هل سيمتنعون في هذه الحالة عن الظهور ؟ و قد حاولت روزاليوسف الوقوف علي حقيقة الامر بالاتصال بالارقام المعلنة حيث تعذر التسجيل و من ثم قمنا بالاتصال بالقائم علي إدارة واخراج البرنامج و يدعي " شادي عبد السلام " الذي أوضح ان البرنامج مازال في مرحلة تلقي المواهب و فرزها ومع نهاية الشهر سيبدأ البث المباشر للبرنامج . وكشف شادي أن القناة رغم انها لا تسمح بظهور العنصر النسائي فإن هناك مفاوضات مع الادارة لإيجاد آلية لإظهار المرأة بالبرنامج او صوتها مسجلا. وعن موقف المتخصصين والمسئولين عن الدعوة في مصر من تلك البرامج يؤكد الشيخ شوقي عبد اللطيف رئيس قطاع الشئون الدينية بوزارة الاوقاف أن القنوات الفضائية الدينية لا تملك إمكانية تقديم دعاة حقيقيين للمجتمع حيث إن الدعوة ليست للهواة وإنما للمتخصصين ، كما ان الحكم علي من يصلح للدعوة لا يمكن أن يكون من خلال برنامج مسابقات سلفي يحكم علي المتقدم من خلال نظرة سلفية وليس من خلال نظرة وسطية تقدم الدعوة الحقيقية . ويضيف أن الطريقة الصحيحة لاختيار دعاة لابد أن تكون في سياق تنظيم مسابقة تتعهد بها الجهة المسئول عن الدعاة ، وهي وزارة الأوقاف يتقدم لها خريجو كليات الشريعة و الدعوة وأصول الدين و الدراسات الاسلامية ثم يتم تنظيم لجان لاختبار المتقدمين في علوم القرآن و الفقه و السنة والثقافة العامة و التاريخ الاسلامي بالاضافة للسمات الشخصية، لافتا إلي أن تلك المسابقات هي المقياس الحقيقي لاختيار الدعاة الحقيقيين بدليل أنه تقدم في المسابقة الأخيرة م قرابة 20 ألف و لم ينجح منهم سوي 1600 . وشدد علي أنه رغم المعاناة في نقص الدعاة حيث لا يوجد سوي 57 ألف داعية في مقابل 110 آلاف مسجد في جميع انحاء مصر إلا انه لا يمكن اختيار دعاة هواة لنقل كلام الدين والإسلام للناس، علي غرار مسابقات ستار اكاديمي ، مشيرا إلي أنه لذلك تستعين وزارة الأوقاف باساتذة الأزهر والدعاة المحالين للمعاش للعمل كخطباء مكافأة بالمساجد. تخصص لا موهبة نفس الموقف الرافض عبر عنه الدعاة المتخصصون أنفسهم الممارسون للعمل الدعوي ، حيث يوضح الشيخ عيد عبد الحميد مشرف الدعوة بالجامع أن الداعية الاسلامي هو الذي يبين لعامة الناس صحيح الدين و أصوله ، ويفيد الناس بما يري من الأدلة الشرعية المناسبة بحيث لا يكون متشدداً ولديه وعي بمستجدات العصر وهذا كله لا يمكن أن يقوم به شخص عادي يلبس ثوب الداعية بأي صورة من الصور. ويضيف: إن ما يحدث في القنوات الدينية السلفية من بث برامج مسابقات في الدعوة عبر التصويت الجماهيري هو امر غير معهود وغير مقبول حيث إنه لا يمكن للعامة ايارالداعية وفقا لهواهم وإنما يتم اختيار الداعية وفق متخصصين في الدعوة وبمسابقات معترف بها، مؤكدا أن العمل الدعوي لا يمكن ان يكون مجالا للمسابقات الفضائية ، حيث لا يمكن اختيار داعية من الشارع فالداعية لا يكون من تلقاء نفسه أو رغبة في الشهرة انما يجب ان يكون مؤهلا من الازهر أو من هيئة علمية معترف بها. و يتساءل الشيخ عيد قائلا :" كيف يمكن اختبار الدعاة عبر التسجيل الصوتي؟ فالخطابة و الدعوة أداء و خبرة و موهبة و دراسة و لا يمكن ان تظهر عبر الاتصال الصوتي، والأصل في اختيار الدعاة هو ما تقوم به وزارة الأوقاف من إقامة مسابقات دعوية، عن طريق 12 لجنة، يتقدم لها خريجو الكليات الشرعية المؤهلين للعمل الدعوي"، مطالبا بضرورة إخضاع القنوات الفضائية الدينية لرقابة صارمة . ويري الدكتور سعد الدين هلال أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أنه كما يوجد احترام للتخصص في مجالات متعددة لابد أيضا أن نعترف ان الدعوة الاسلامية مهنة أصبحت مقننة، لا يتولاها إلا خريجو الأزهر خاصة في مصر، وجميع الجامعات الاسلامية العربية و الغربية تعترف بشرعية الازهر و خريجيه في ملء الساحة الدعوية ، و أنشئت كليات إسلامية يرأسها علماء الازهر لتخريج دعاة عن علم و دراسة و ليس عن موهبة فالموهبة لا تكفي لتخريج داعية يمكن للناس الرجوع اليه. ويعتبر هلال أن وجود برنامج فضائي لاختيار دعاة من عامة الناس يعد كارثة، بحيث يتم تخريج دعاة من تلك القنوات بتصويت الجمهور ليكون هناك داعية عامي يبث الأفكار السلفية في نفوس الناس، ويصبح من الواجب هنا ألا نترك أنفسنا لتوجيه داعية فنسير علي ما يراه و ليس علي حسب ما يسترجعه من الشرع. رؤية إعلامية وحول التحليل الإعلامي لما تقوم به القنوات السلفية في تخصيص برامج مسابقات ربحية في مجال العمل الدعوي يوضح الدكتور محمود علم الدين أستاذ الاعلام بجامعة القاهرة ان القنوات الفضائية الدينية مثلها مثل اي قناة تلعب علي شقين هما، الربح المادي و توسيع قاعدة الجمهور و من ثم لجأت لاستخدام أساليب و تقنيات حديثة في برامجها مثل الاستفادة بتجربة تليفزيون الواقع و التوك شو و هي الأساليب التي لا تتفق مع طبيعة البرنامج الديني الذي يجب ان يتسم بالوقار، ولا يسعي للربح أو الشهرة. و يكمل علم الدين قائلاً :"اننا في عصر الوسائط المتعددة و التي تعتمد عليه اغلب الفضائيات لإيجاد مصدر للتمويل من خلال الاتصال الهاتفي و التصويت و الموقع الالكتروني و لعل برنامج " كلنا دعاه " أبرز دليل علي وجود طفرة في طريقة إدارة القناة و تخليها عن معتقداتها السابقة من أجل أهدافها الربحية "، لافتا إلي أن قيام قناة الناس بتقديم برنامج مسابقات في العمل الدعوي أكبر دليل علي عدم وجود أي شكل من أشكال الرقابة علي تلك الفضائيات، فعلي الرغم من وجود تشريعات تحدد آلية إدارة القناة، إلا أنه لا يوجد تشريع يحكم و يراقب المضمون و لا وجود له في ميثاق الشرف، كما تم من قبل رفض عمل وثيقة للبث الفضائي بحجة وجود قيود فيها علي الاعلام. الدكتور عبد الله النجار أستاذ الاعلام بجامعة الازهر يري ان تلك البرامج و التي تدعي كونها اسلامية و تسعي لتخريج دعاة هي مجرد تضليل لجمع أموال غير مشروعة عن طريق مسابقات تافهة تستهدف الاستخفاف بعقول صغار الشباب و للأسف فإن تلك البرامج ترسخ ثقافة الكسب بالفهلوة من خلال الاتصالات الهاتفية و يكمل انه لا يصلح هذا التكنيك مع الدعوة الاسلامية كما ان اختيار الدعاة يجب ان يخضع للجنة علمية وان يكون المتقدم مؤهلا وخريجا من كليات الدعوة التابعة لجامعة الازهر و يتم اجتيازه لاختبارات الاوقاف و يضيف: اننا لدينا فائض من خريجي الكليات ولسنا بحاجة لدعاة من قنوات سلفية أو شيعية. وأشار النجار إلي أن تلك القنوات بدأت بالاعلانات الوهمية لمنتجات تفسد الصحة بعبارات اسلامية، و حين انكشفت قامت بالمتاجرة بالدعوة الاسلامية، مطالبا بضرورة إصدار قناة أزهرية تعبر عن صحيح الاسلام و هو الامر الذي صرح به الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من قبل لمحاربة القنوات السلفية و الشيعية، و تبتعد عن رؤوس الاموال المجهولة.